نجحت مكتبة قطر الوطنية في الحفاظ على التراث الثقافي في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط وذلك منذ اختيارها عام 2015 من قبل الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات (الإفلا)، لتكون المكتبة المركز الإقليمي لصون المواد التراثية في العالم العربي والشرق الأوسط والمحافظة عليه، وذلك قبل افتتاحها رسميا في مارس عام 2018.
وجاء تجديد الاتفاق بين "الافلا" ومكتبة قطر الوطنية مؤخرا، لفترة جديدة مدتها ثلاث سنوات تعزيزا لجهودها على مدى ست سنوات في المحافظة على التراث العربي وفي المنطقة، وبعد النجاح الكبير الذي حققته المكتبة على مدار السنوات الست الماضية التي أطلقت خلالها العديد من المشاريع والمبادرات.
وقامت وكالة الأنباء القطرية "قنا" بزيارة مكتبة قطر الوطنية، وذلك للتعرف على دورها في حفظ التراث العربي والإقليمي والخدمات التي تقدمها في هذا الشأن.
مختبرات الصيانة والحفظ
وقال السيد مكسيم نصرة أخصائي صيانة الكتب بإدارة المجموعات المميّزة بمكتبة قطر الوطنية،في تصريح لوكالة الانباء القطرية / قنا/،اليوم ،أن المكتبة لكي تؤدي دورها للحفاظ على التراث سواء تراث المكتبة او المكتبات العربية أو الإقليمية، فإنها تمتلك مجموعة من المختبرات التي تعمل على تحقيق هذه المهام، فهناك مختبر للصيانة والحفظ ومختبر علمي، بالإضافة إلى مختبرين آخرين تستخدم فيهما تقنية حديثة جدا لإزالة الحموضة من الأوراق والمقتنيات بكميات كبيرة، حيث الحموضة تعتبر من أهم المشاكل التي تؤثر على الحفظ للمقتنيات التراثية.
وأضاف اخصائي الصيانة بالمكتبة ، إن دور هذه المختبرات في الأساس هو صيانة مقتنيات المكتبة الوطنية، حيث لدى المكتبة آلاف المخطوطات والصحف والصور الفوتوغرافية، وكل ما يتعلق بالتراث الوثائقي، فالحفاظ على هذا التراث يتم من خلال معالجته فيما يتعلق بالمشكلات البسيطة مثل الرطوبة والحرارة، إلى جانب الحفظ الوقائي والذي يعمل على حفظ هذا التراث في شروط بيئية مناسبة.
الحفظ الوقائي
وتابع أن فريق مركز الحفظ مهمته الأساسية الحفظ الوقائي، ولذلك فالاختصاصيون المهتمون بحفظ هذا التراث لابد أن يكونوا دارسين لعلم المواد وتقنيات التوثيق، خاصة أن المخطوطات تتعرض للعديد من المشكلات، تتعلق منها بالظروف البيئية مثل الحرارة والرطوبة التي تؤثر على الورق أو المواد الموجودة بالورق، فتسبب تبقعات، إلى جانب الحشرات والفطريات والعفن إلى جانب الغازات الموجودة بالهواء، فالكتب بيئة مثالية للحشرات والفطريات وبالتالي تؤثر بوجود ثقوب بالمخطوطات أو تآكل في الأطراف، فضلا عن الاكسدة وتحجر الورق، كما أن الحفظ السيئ وطريقة التعامل والتخزين من قبل الأفراد ، كل هذا يؤثر على المخطوطات خاصة إذا كانت بحوزة أشخاص لمئات السنين، ولذلك فالحفاظ على المخطوطات يبدأ من معالجة المشكلات الخاصة بها ثم الحفظ بطريقة صحيحة.
المخطوطات والمقتنيات
وحول ما إذا كان المركز يقوم بالحفظ للمخطوطات والمقتنيات لمؤسسات أخرى في قطر خلافا للمكتبة، اوضح السيد مكسيم نصرة حاليا يقوم الفريق بالحفاظ على المخطوطات الخاصة بالمكتبة، ويتم التعاون مع مختلف المؤسسات في مشاريع معينة بحيث يقوم فريق المكتبة بصيانة مشروع لمؤسسة معينة وهو ما تم مع جامعة قطر ، إلى جانب أن المكتبة تقدم خدمة عبر موقعها الالكتروني ، باسم /اسأل أخصائي الصيانة/ ونقوم فيها بالإجابة بشكل فني عن المشكلات التي يتعرض لها التراث الخاص بالعائلات والمخطوطات والوثائق القديمة ، حيث نقدم لهم المعلومات الفنية التي يمكن من خلالها الحفاظ على التراث.
وبالنسبة لدور المكتبة كمركز إقليمي للاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات (الإفلا) ، بين أخصائي صيانة الكتب في تصريحه لـ/ قنا/ ان المكتبة تقوم بدورها الريادي في تنسيق جهود ومبادرات الحفظ والصيانة بين الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، موضحا ان اختيار المكتبة لهذا الدور جاء بعد منافسة مع عدد من المؤسسات في مختلف الدول وذلك منذ 2015 ثم تم التجديد في 2018 ، وليتجدد الاتفاق مرة أخرى هذا العام حتى عام 2024 ، وذلك بناء على المشاريع التي قدمتها مكتبة قطر، والخطة الجديدة.
التقنيات الجديدة
وأشار إلى ان دور مكتبة قطر في تحقيق هذا الأمر كان في بناء القدرات والدعم الفني من خلال الدورات التدريبية التي تقدمها هذه المكتبة بشكل دائم بمقرها للتعرف على أهم التقنيات الجديدة في الصيانة والحفظ ، إلى جانب تقديم منح للعديد من المكتبات ، فضلا عن الانتقال بالدورات إلى مختلف البلاد ؛ فتم تقديم دورة بالمغرب لدول المغرب العربي، وأخرى بلبنان لدول الشام، وثالثة في سلطنة عمان لدول الخليج العربي وهكذا، إلى جانب تنفيذ دورات تدريبية بتقنية الاتصال المرئي، لافتا إلى قيام المكتبة بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة / اليونسكو/ لحصر معظم المكتبات التي لديها تراث وثائقي سواء كانت مكتبات عامة او حكومية أو قطاعا خاصا، فقدمت المكتبة دعمها لمكتبات عامة وخاصة في اليمن والجزائر ومختلف الدول العربية .
أبرز التحديات
وذكر أنه تم إجراء استبيان للتعرف على المشكلات والتحديات التي يعاني منها التراث الوثائقي لمحاولة تجاوز هذه التحديات ، أسفر عن تقرير صدر باللغتين العربية والانجليزية، كشف أن أهم التحديات هي مشكلة التخزين، وعدم توفر مواد الصيانة والحفظ، وغياب التدريب والوعي خاصة عندما تمتلك المخطوطات القديمة عائلات وهذا كثير في الوطن العربي، منوها بأنه تم التعامل مع نتائج التقرير في شكل دورات تدريبية؛ فكانت أول دورة عن الفهرسة والتصنيف بالأردن وبالشراكة مع اليونسكو وشارك فيها عدد من مختلف الدول العربية، مضيفا أن هذه الدورات التي تقدمها المكتبة لمختلف الدول العربية مستمرة خلال هذه المرحلة أيضا، كما تعمل المكتبة خلال السنوات القادمة على توفير وثائق باللغة العربية حول طرق صيانة المخطوطات والوثائق لندرة المراجع العربية المتخصصة في هذا المجال، إلى جانب فيديوهات توعوية حول صيانة الوثائق، والتعامل مع الأزمات والكوارث الخاصة بالوثائق.
وحول الدعم المادي والدعم الفني اللذين تقدمهما مكتبة قطر الوطنية في النطاق العربي والإقليمي، ذكر السيد مكسيم نصرة ، أخصائي صيانة الكتب بإدارة المجموعات المميّزة بمكتبة قطر الوطنية ، أن هناك شروطا للحصول على دعم المكتبة، بعد التدريب، فمثلا تم تقديم الدعم المادي لمكتبة بيروت بعد انفجار مرفأ لبنان، وذلك بالتعاون مع عدد من المنظمات الدولية ، مشيرا إلى أن المكتبة تعمل حاليا على اختيار خمس مكتبات من المكتبات الخاصة في المنطقة العربية والشرق الأوسط لتقديم الدعم لها بشرط أن تكون مكتبات لديها تراث ومخطوطات مهمة تحتاج للحفظ.
مشاريع جديدة
وبشأن أهم مشاريع مكتبة قطر في مجال حفظ وصيانة التراث، قال أخصائي صيانة الكتب بالمكتبة في تصريحه لـ قنا/ تم إطلاق مشروعين مؤخرا أحدهما مشروع حماية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالتراث الوثائقي في المنطقة العربية، وتم اطلاقه العام الماضي ومستمر، مع التركيز على هذا التراث لسهولة الاتجار غير المشروع به وتهريبه، وهذا المشروع يتم بالتنسيق مع المكتبة وشركاء كثر حول العالم، لافتا إلى ان المكتبة وقعت في هذا الشأن مذكرة تفاهم مع المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة "ألكسو" ومع المنظمة الدولية للشرطة الجنائية "الانتربول"، حيث يتم التدريب للضباط وموظفي الجمارك وكل المعنيين لمكافحة الاتجار غير المشروع بالوثائق . فهو مشروع طويل الأمد .
وأضاف أن من المشروعات الجديدة والمهمة لمكتبة قطر مشروع حماية التراث السمعي البصري لأن التحدي في هذا الشأن لا يتعلق بالتراث فقط بل بالأدوات التي يمكن من خلالها حفظ التراث واختفائها مع التطور التكنولوجي المستمر، على الرغم من غنى المنطقة العربية بهذا التراث مثل أرشيف الإذاعات العربية، والأفلام القديمة وغيرها.
مشروع المرصد
واختتم أخصائي صيانة الكتب بالمكتبة تصريحه بالقول من المشاريع المهمة لمكتبة قطر الوطنية المرصد لترقب التراث المعرض لأي خطر أو كوارث طبيعية بالمنطقة، مبينا ان المكتبة ستواصل مسؤوليتها في رصد الكوارث والأخطار التي تهدد تراث المنطقة الوثائقي عبر التعاون مع المؤسسات والجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات الضرورية والسريعة وتقديم الدعم المتاح.
فمثلا عندما حدث فيضان في السودان تم التواصل مع الجانب السوداني لمعرفة المكتبات التي تضررت، وكذلك في اليمن وغيرهما، لأن المكتبة مركز إقليمي لابد لها أن توفر المعلومات للشركاء إلى جانب دورها في حفظ وصيانة التراث ، وعندما يتعرض التراث لأي خطر ، مؤكدا أن مكتبة قطر الوطنية مستمر دورها في الحفاظ على التراث من خلال تقديم الوعي والتدريب اللازم لحفظ التراث الوثائقي استمرارا لدور المكتبة كمركز إقليمي معتمد من الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات لصون المواد التراثية والمحافظة عليها في العالم.