فضلا عن الخسائر البشرية والاقتصادية الباهظة للحرب في أوكرانيا، تلوح في الأفق بوادر أزمة إنسانية تتمثل بطوفان من المهاجرين المتدفقين على الحدود الأوكرانية مع الدول المجاورة، لترسم معالم ما يمكن أن يصبح أكبر أزمة إنسانية بقلب القارة الأوروبية منذ سنوات عديدة.
ووفق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فقد فر أكثر من ثمانمائة ألف شخص من أوكرانيا منذ اندلاع الحرب في الرابع والعشرين من فبراير الماضي متجهين إلى بولندا ورومانيا ومولدوفا والمجر وسلوفاكيا.
وفي ظل صعوبة التنبؤ بموعد انتهاء هذه الحرب، فإن أعداد اللاجئين الأوكرانيين مرشحة للزيادة يوما بعد آخر، حيث يواصلون تدفقهم على دول الجوار بالسيارات والقطارات المزدحمة وحتى سيرًا على الأقدام.
7 ملايين شخص
وتتوقع المفوضية الأوروبية للمساعدات الإنسانية وإدارة الأزمات أن يصل عدد النازحين داخل أوكرانيا إلى سبعة ملايين شخص، بالإضافة إلى أربعة ملايين آخرين قد يتدفقون على دول الجوار، وتقول إن حوالي ثمانية عشر مليون أوكراني سيتأثرون بالنزاع من الناحية الإنسانية، مؤكدة أن أرقام هذه الأزمة تبدو هائلة ويتعين الاستعداد لهذا النوع من حالات الطوارئ.
ووفق تقارير إعلامية فإن جميع التوقعات تشير إلى أن عدد اللاجئين سيفوق عدد اللاجئين الذي دخلوا أوروبا صيف عام 2015، ففي ذلك الوقت دخل أكثر من مليون لاجئ فارين من الحرب السورية إلى وسط أوروبا قادمين من تركيا عبر اليونان، واتجه أغلبهم إلى ألمانيا، ولم تتمكن دول الاتحاد الأوروبي من إيجاد آلية توزيع عادلة ومتضامنة فيما بينها، رغم أن القانون يقول إن المسؤول الأول عن دراسة طلب اللجوء هي دولة الدخول.
وقد رفضت الدول التي تقودها حكومات ذات توجهات قومية محافظة قبول طلبات اللجوء، مثل هنغاريا وبولندا والنمسا، حيث كانت قضية التضامن بين الدول في هذا الشأن أكبر نقطة خلاف داخل الاتحاد الأوروبي.
أزمة مهاجرين جديدة
لم تكن أوروبا تأمل أو تتوقع أن ترى أزمة مهاجرين جديدة، لكن الوضع يبدو مختلفًا هذه المرة مقارنة بما حدث مع اللاجئين السورين والأفغان والأكراد والأفارقة خلال السنوات الماضية، وربما يكون الاختلاف الأكبر هو الطريقة التي يتم بها استقبال النزوح الجماعي الجديد، إذ يعيش العديد من الأوكرانيين بالفعل بدول الاتحاد الأوروبي، ويساعدون مع كثير من المتطوعين مواطنيهم اللاجئين عند وصولهم، ويقدمون لهم المأوى ونصائح حول كيفية تدبير أمورهم ولو بشكل مؤقت.
ويبدو أن الاتحاد الأوروبي لا يواجه حاليًا أية مشاكل مع الوافدين من أوكرانيا، لأن لدى معظمهم جوازات سفر بيومترية "إلكترونية" ويمكنهم البقاء بدوله الأعضاء لمدة 90 يومًا بدون تأشيرة، غير أن المشكلة التالية هي مصير هؤلاء بعد انقضاء الأشهر الثلاثة، لذلك فإن من المتوقع أن يطبق الاتحاد الأوروبي للمرة الأولى قانون "منح الحماية الجماعية مؤقتًا" من أجل تمديد وضع إقامة اللاجئين بشكل غير بيروقراطي، الأمر الذي سيؤهلهم للحصول على مجموعة كاملة من المزايا الحكومية مثل الرعاية الصحية.
وقد كان هذا القانون موجودًا عام 2015 بالفعل، لكن لم يتم تطبيقه، وقد تم وضعه لمنح الحماية بعد الحروب في يوغوسلافيا السابقة في تسعينيات القرن الماضي.
وقد أعلن الاتحاد الأوروبي أنه يفتح ذراعيه وأبوابه لاستقبال جميع اللاجئين القادمين من أوكرانيا، وذلك ردًا على تقارير عن تمييز واستخدام معايير مزدوجة في التعامل مع اللاجئين عند الحدود الأوكرانية البولندية، وقد اشتكت عدة دول أفريقية من تمييز عنصري في التعامل مع رعاياها وطلابها عند تلك الحدود بسبب لون بشرتهم، وقالت إنهم منعوا من ركوب القطارات والحافلات أو عبور النقاط الحدودية.
فتح الحدود
وقد حثت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، السلطات بالدول المجاورة لأوكرانيا على فتح حدودها وإتاحة اللجوء والحماية والأمان لكل الفارين من الحرب بغض النظر عن الجنسية والأصل العرقي.
ويواجه اللاجئون الأوكرانيون وغيرهم من الرعايا الأجانب الفارين من الحرب ظروفًا صعبة على الحدود الأوكرانية قبل الانتقال للجانب الآخر، حيث التكدس والازدحام والفوضى ودرجات الحرارة الشديدة البرودة، وقد يستغرق عبور الحدود والوصول إليها عدة أيام.
ولاحظت تقارير إعلامية غربية أن غالبية اللاجئين الأوكرانيين هم من النساء والأطفال وكبار السن وذلك لأن الرجال الأوكرانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عامًا يخضعون للتجنيد الإجباري ويمنعون من مغادرة البلاد، وفي مشهد لافت باتت حدود الاتحاد الأوروبي، التي تم إغلاقها بشكل أكثر إحكامًا أمام معظم اللاجئين منذ التدفق الكبير من سوريا وأفغانستان عامي 2015 - 2016، باتت اليوم مفتوحة أمام الأوكرانيين.
أما العدد الفعلي للذين يرغبون بعبور الحدود الأوكرانية والمدة التي ينوون بقاءها بالخارج، فيعتمد على التطورات العسكرية للحرب الدائرة هناك، ويقول غالبية المهاجرين الأوكرانيين إنهم يرغبون بالعودة إلى وطنهم وإعادة بنائه عندما تنتهي الحرب، لكن لا أحد يعرف كيف أو متى سيحدث ذلك.