يشتاق أهل قطر إلى قدوم موسمي الشتاء والربيع كل عام، لأنه يخرجهم من ضيق الجدران إلى فضاءات الصحراء والسماوات المفتوحة، حيث يقيمون مخيماتهم في الصحراء، أو بالقرب من الشواطئ وذلك ارتباطا بالموروث الشعبي القطري الذي ارتبط قديما بكل من البر و البحر.
ويعتبر التخييم فرصة للتخلص من ضغوطاتالحياة اليومية وأعبائها، والانطلاق نحو آفاق أرحب تسمح بالاستمتاع بأجواء الشتاء والربيع في صحراء قطر، حيث يستمر التخييم من نوفمبر وحتى مايو كل عام.
ويمكن لزائر أي من مناطق التخييم في الدولة من الشمال إلى الجنوب أن يرى الخيام وبيوت الشعر التي كانت الوسيلة الرئيسة في الماضي للتخييم، لتنتقل اليوم إلى العربات والبيوت المتنقلة والمجهزة بمختلف وسائل الراحة، إلى جانب تجهيز الدولة للمرافق في هذه الأماكن ما يجعلها آمنة وهانئة للجميع.
وعندما تذهب إلى الصحراء تراها مكتنزة بالجمال الأخاذ، خاصة في موسمي الشتاء والربيع، وتبدأ الخيام في الانتشار هنا وهناك، في حين يمرح الشباب بمختلف الألعاب، مثل السيارات والدراجات النارية "البطابط" وغيرها، يفضل المخيمون الاستمتاع بروح الحياة البرية التي يصر القطريون على إبقائها توهج شعلة أصالتها، ويمارس آخرون رياضات تراثية مختلفة في أحضان الطبيعة الخلابة.
والتقت وكالة الأنباء القطرية (قنا) مع عدد من رواد المخيمات للتعرف عن قرب على التخييم وأهميته وارتباطه بالموروث القطري، ففي أحد المخيمات بمنطقة أبو نخلة وجدناهم يمارسون الأنشطة الرياضية والألعاب المختلفة، ونيرانهم لا تنطفئ.. فالقهوة والمشروبات الساخنة، جاهزة باستمرار لأي زائر أو ضيف، فإذا حل الليل يجتمع الأهل والأصدقاء حول نار المخيم لينعموا بدفئها، ويتسامرون في مختلف القضايا الاجتماعية، ويمارسون مختلف الألعاب داخل الخيمة المجهزة حديثا بالإضاءة والوسائل التكنولوجية.
ارتبط التخييم بحياتنا السابقة وتاريخنا وهو عادة قطرية قديمة أن يخرج الناس من القرى والحواضر إلى الصحراء في الشتاء
وقال أحد المواطنين من رواد المخيمات:" إن المخيم فرصة لتلاقي الجيران والأهل والأصدقاء، فقد ارتبط التخييم بحياتنا السابقة وتاريخنا وهو عادة قطرية قديمة أن يخرج الناس من القرى والحواضر إلى الصحراء في الشتاء مع حلالهم بحثا عن الكلأ"، موضحا أن التخييم قديما كان بسيطا للغاية فكانت العائلات تحمل فقط بيوت الشعر وتجهيزات بسيطة، لكنه كان أفضل في إمكان الترحل والانتقال من مكان إلى آخر، بخلاف الوقت الراهن فمكان التخييم ثابت.
فيما ذكر مواطن آخر أن المخيمين يطبقون حاليا جزءا من حياة الماضي يجلسون فترة الشتاء والربيع في البر، لأن الحياة في قطر كانت معادلة بين البحر في الصيف وصيد اللؤلؤ ثم الانتقال إلى البر في النصف الثاني من العام، فالتخييم يقدم فيه نموذج العزبة وبها "الحلال"، وفي الوقت نفسه هناك جميع مظاهر الحياة العصرية من مياه وكهرباء وأجهزة حديثة، ما يجعلنا نقيم مجلسا للأهل والأصدقاء، ويمارس الشباب في المخيم مختلف الألعاب من كرة قدم وكرة طائرة وغيرها إلى جانب الألعاب الحديثة، مشيرا إلى أن العنة أو المخيمات الحديثة خاصة في سيلين تناسب الشباب أكثر لأنهم يمارسون فيها الألعاب والرياضات التي تناسبهم سواء كانت رياضات حديثة أو تراثية مثل القنص والصيد الذي يقربهم من حياة الآباء والأجداد.
في السابق كنا نعتمد على بيوت الشعر والسدو وغيرها وهي موجودة معنا لكن الخيمة الرئيسية الحالية حديثة ومجهزة بمختلف الأدوات من تلفزيون وأجهزة حديثة
في حين قال آخر، "إن التخييم حاليا يتم في خيام حديثة ومجهزة بخلاف السابق، حيث كنا نعتمد على بيوت الشعر والسدو وغيرها وهي موجودة معنا أيضا، لكن الخيمة الرئيسية الحالية حديثة ومجهزة بمختلف الأدوات من تلفزيون وأجهزة حديثة بما يجعل هناك تنوع في الأنشطة للمخيمين الذين يلتفون حول" شب الضو" في الشتاء ويعقدون مجالسهم، مؤكدا أن التخييم أصبح ضرورة حياتية للقطريين فهو متنفس ومتسع للاستمتاع بالطبيعة".
وحول أهمية التخييم، قال السيد محمد بن نهار النعيمي مدير مكتب محميات الدولة الخارجية بوزارة البيئة والتغير المناخي، في حديثه مع وكالة الأنباء القطرية (قنا) إن التخييم في المجتمع القطري عادة قديمة ارتبطت بطبيعة الحياة حيث يخرج الكثيرون إلى الصحراء للاستمتاع بأجوائها الخلابة، مشيرا إلى أنه مع تزايد الأعداد المقبلة على التخييم كان التدخل التنظيمي من الدولة ممثلة في وزارة البيئة العمل على توفير موسم تخييم صحي للجميع على مختلف المستويات، من خلال توفير المرافق كافة التي تحقق متطلبات التخييم في وقتنا الحالي.
محمد النعيمي: يجب الالتزام بأحكام القوانين والقرارات الوزارية المختصة بالتخييم وتحديدًا المتعلقة بحماية البيئة البرية والبحرية
وأضاف: "كان التوجه لوضع الضوابط التي تجعل من المخيمات في مختلف الأماكن بيئة مناسبة للجميع، مثل تحديد أماكن التخييم، والأعداد المناسبة لكل منطقة، وعدم جواز الحصول على أكثر من ترخيص، وأن يضع المرخص لافتة مغلفة في مكان ظاهر برقم المخيم، كما يجب إبراز الترخيص للمفتشين المختصين عند الطلب، والالتزام بأحكام القوانين والقرارات الوزارية المختصة بالتخييم، وعلى وجه الخصوص المتعلقة بحماية البيئة البرية والبحرية، كما يُحظر استخدام موقع التخييم في غير النشاط المرخص له".
استطعنا تخصيص بيئة آمنة متكاملة بكل مواردها التي يمارس بها محبو المقناص والرحلات هوايتهم المفضلة
وعن دور المحميات الخارجية في تحقيق موسم تخييم ناجح مرتبط بالتراث القطري، قال السيد محمد النعيمي: إننا من خلال محمية الجنوب استطعنا تخصيص بيئة آمنة متكاملة بكل مواردها التي يمارس بها محبو المقناص والرحلات هوايتهم المفضلة، وتعزيز هواية المقناص لدى الشباب، باعتبار هواية المقناص والرحلات جزءاً من الهويّة القطرية ومن أهم هوايات أهل قطر، وفي إطار سعي المحمية للحفاظ على الحياة الفطرية يتم إطلاق طرائد صيد يتم إنتاجها من مزارع قطرية ومرقمة تحت معاينة إدارة المحمية، ويأتي ذلك تعويضاً عن الطرائد الطبيعية لندرتها في البيئة القطرية وحفاظاً عليها وإتاحة المجال لتزايدها.
وقال: يمنع في المحمية استخدام المركبات الخاصة، وعلى ضوء ذلك خصصت سيارات صديقة للبيئة، حفاظاً على طبيعة المحمية فهي تجربة فريدة من نوعها ليس على مستوى قطر فحسب بل على مستوى العالم، مشيرا إلى أن المحمية حريصة على توفير مخيمات متميزة للراغبين بها حيث يتم تجهيزها بالخدمات واللوازم الضرورية كافة التي يحتاجها المخيمون خلال فترة تواجدهم في المحمية.
إدارة المحمية تؤكد ضرورة التزام كل الزائرين للمخيم بالتعليمات التي تتضمن منع الاقتراب من مخيمات العائلات بأي شكل من الأشكال
وشدد النعيمي على أن إدارة المحمية تؤكد ضرورة التزام كل الزائرين للمخيم بالتعليمات التي تتضمن منع الاقتراب من مخيمات العائلات بأي شكل من الأشكال، والمحافظة على نظافة المخيم طوال فترة الحجز، ومنع رمي المخلفات أثناء التجول في المحمية أو بجانب المخيم، والتزام الزائرين بالحفاظ على كامل تجهيزات المخيم الداخلي والخارجي وعدم تعريضها للتلف أو الضياع، فضلاً عن مراعاة شروط السلامة في عملية إشعال النار وأن يكون فقط بالموقد الخاص بها داخل الخيمة وخارجها.
وأشار إلى أن إدارة المحمية توفر طرائد متنوعة للمقناص على أن يتم البحث عنها واصطيادها عن طريق زوار المحمية للطرائد المسموح باصطيادها في المحمية وهي ( الحبارى، والظبي، والأرنب، والكروان) ، كما أن وسائل الصيد المصرح بها هي الصقور وكلاب الصيد فقط، علماً أن العدد اليومي المسموح صيده محدد للحيلولة دون الصيد الجائر.
المواطنون أصبح لديهم وعي بيئي ويمارسون التخييم انطلاقا من حبهم للطبيعة وبالتالي فهم يحافظون على بيئتهم
وحول مدى الوعي المجتمعي بالمحافظة على البيئة خلال التخييم، أكد أن المواطنين أصبح لديهم وعي بيئي ويمارسون التخييم انطلاقا من حبهم للطبيعة، وبالتالي فهم يحافظون على بيئتهم بما يوفر لهم الاستمتاع سواء في المحميات أو غيرها.
ومن جانبها، قالت السيدة سلمى النعيمي الباحثة في التراث والمستشارة الثقافية بالمؤسسة العامة للحي الثقافي "كتارا" إن التخييم من الموروث الشعبي في قطر، وحاليا هو استمرار للعادات القطرية القديمة، حيث كان القطريون يخرجون إلى البر في أوقات الشتاء بحلالهم، فكانت هذه هي الحياة الطبيعية في قطر فالخروج إلى البر لم يكن للاستمتاع فقط بل ممارسة الحياة من صيد وبحث عن نبات للحلال (ويقصد به الحيوانات من إبل وغنم)، وبالتالي التخييم حاليا هو حنين للماضي وإحياء لهذا الموروث.
وأضافت أن حتى العزب القطرية حاليا هي نوع من إحياء هذا الموروث، موضحة أن التخييم كلمة جديدة وأن هذا الفعل كان يسمى قديما النزوح إلى البر، فالمجتمع ينتقل بكامل أفراده من حياة البحر بعد موسم الصيد للؤلؤ، إلى حياة البادية بكل ما فيها من تفاصيل فالحياة البرية كانت جزءا من المعيشة الحياتية قبل كثرة العمران والازدحام الذي يجعل الناس يفكرون في العودة إلى أحضان الطبيعة.
محمد الخنجي: التخييم يهدف إلى استمتاع المواطنين بالبيئة حيث اللجوء إلى الطبيعة والخروج من دوائر العمران إلى فضاءات ومساحات شاسعة يكون لها تأثيرها الإيجابي على النفس
وبدوره، قال السيد محمد أحمد الخنجي نائب المدير التنفيذي لمركز أصدقاء البيئة، إن التخييم يهدف إلى استمتاع المواطنين بالبيئة حيث اللجوء إلى الطبيعة والخروج من دوائر العمران إلى فضاءات ومساحات شاسعة يكون لها تأثيرها الإيجابي على النفس، ولذلك كان هناك اهتمام من وزارة البيئة والتغير المناخي بأن يتحقق هذا الهدف دون إتلاف للبيئة أو التعدي عليها للوصول إلى الاستمتاع بالصحراء ومختلف مناطق التخييم البرية والبحرية التي حددتها الوزارة بدقة، وكذلك التأكد من إزالة المخلفات بعد التخييم.
وأوضح أن مركز أصدقاء البيئة يقوم بالتوعية بالثقافة البيئية بل وتنظيم حملات لتنظيف البر والروض والسواحل، وكذلك زيارة بعض المخيمات للإسهام في رفع الوعي بضرورة المحافظة على البيئة القطرية، فنظهر مثلا تأثير ترك البلاستيك على البيئة البرية وكذلك البحرية لأن هذه المخلفات لها ضرر على الإنسان مستقبلا.
وأضاف أن التثقيف يشمل التوعية للشباب والنشء بأضرار البيئة لأنها لا تظهر مباشرة بل يظهر أثرها بعد سنوات وبالتالي لابد من المواءمة بين الاستمتاع بالتخييم مع المحافظة على البيئة.