مع اقتراب شهر رمضان المبارك، كل عام، تشهد الأسواق إقبالا غير مسبوق، وتفتح المجمعات التجارية باب المنافسة، وتتبارى في تقديم العروض للمستهلكين، حتى تحول الشهر الفضيل إلى مناسبة للتنافس في "الاستهلاك" والإنفاق غير المحسوب على الطعام والشراب من بعض الأسر.
وقال خبراء اقتصاديون إن معدل الإنفاق في شهر رمضان المبارك يرتفع بنسبة تتراوح بين 70 و100% مقارنة مع غيره من شهور السنة، وهو ما يعني أن الشهر الذي شرع صيامه للتخفيف من الارتباط بـ"الدنيا" وتزكية النفس وتربيتها، أصبح موسما لـ"إرهاق" ميزانيات الأسر، بشكل غير مبرر، لا دينيا ولا اقتصاديا.
حزمة نصائح
وأوصى الخبراء والمختصون بحزمة من النصائح التي يجب أن تقتدي بها الأسر تتمثل في إعداد خطة مالية بميزانية شهرية محددة والالتزام بها والموازنة بين الدخل والمصروفات ورصد دقيق لاحتياجات الشهر الفضيل من السلع والأغذية الرمضانية بالتركيز على السلع الأساسية، فضلاً عن وضع تقديرات أولية لاحتياجات أفراد العائلة من الطعام ومراقبة انتهاء تاريخ الصلاحية للسلع.
د. خالد الكواري: معدل الإنفاق الاستهلاكي في شهر رمضان يرتفع قياساً بالأشهر العادية بنسب تتراوح بين 70 و100%
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور خالد بن أرحمة الكواري، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، إن معدل الإنفاق الاستهلاكي في شهر رمضان يرتفع قياساً بالأشهر العادية بنسب تتراوح بين 70 و100%، ويلتهم قدرا كبيرا من الدخول.
طعام مُهدر
وأضاف أن نسب الطعام المهدر في الدول العربية تتراوح بين 20 و30% مع تفاوت من دولة إلى أخرى حسب العادات والتقاليد ومستوى المعيشة ومعدلات الدخل ودرجة الوعي المجتمعي، مشيرا إلى أنه مع اقتراب شهر رمضان المبارك يلاحظ تزايد الإقبال على الأسواق بالتزامن مع بدء سريان عروض وتخفيضات المراكز التجارية لأسعار السلع الغذائية مما يؤدي إلى تكدس السلع والمنتجات الغذائية لدى المستهلكين نتيجة للعادات الخاطئة جراء قيامهم بشراء سلع أكثر من احتياجاتهم الفعلية.
وشدد الكواري على ضرورة تعامل الأسر في رمضان بخطة مالية تعتمد على تخصيص ميزانية مدروسة للشهر الفضيل، وإعداد قائمة بالاحتياجات من السلع الرمضانية، والاكتفاء بشراء الاحتياجات اليومية أو الأسبوعية حتى لا تفسد السلع قبل أن تستخدم، فضلاً عن التحقق بشكل مستمر من انتهاء تاريخ الصلاحية، ووضع تقديرات لاحتياجات الطعام لأفراد العائلة.
سلع مخفضة
وفي هذا السياق، ثمن الكواري مبادرة وزارة التجارة والصناعة بشأن طرح قائمة السلع الاستهلاكية المخفضة لشهر رمضان المبارك لهذا العام، بالتنسيق مع المجمعات الاستهلاكية الكبرى، والتي تشمل أكثر من 800 سلعة من السلع الأساسية التي يحتاجها المستهلك خلال الشهر الفضيل مثل الطحين، والسكر، والأرز، والمعكرونة، والدجاج، والزيت، والحليب وغيرها.
هذا بالإضافة إلى السلع غير الغذائية مثل المناديل الورقية، وورق القصدير (الألمنيوم)، والمنظفات بأنواعها، ومساحيق الغسيل وغيرها من السلع ذات الأهمية النسبية للمستهلك والتي يكثر استهلاكها خلال الشهر المبارك.
وأشار إلى أن هذه المبادرة جاءت في الوقت المناسب الذي تتأهب فيه الأسر لشراء مستلزمات رمضان، ويتوقع أن تترك أثراً إيجابياً على استقرار الأسعار في الأسواق كما تشجع الشركات التجارية ومراكز التسوق على تقديم أسعار تنافسية يستفيد منها المستهلكون.
إنفاق متوازن
بدوره، دعا رجل الأعمال والخبير الاقتصادي السيد حمد صمعان الهاجري، إلى ضرورة الموازنة بين الدخل والإنفاق، والتركيز على شراء السلع الأساسية والضرورية والتقليل من الكماليات، مشيراً إلى أن شهر رمضان يعتبر شهراً للصوم، ورياضة لتهذيب النفس البشرية، وفرصة طيبة للتخلص من سموم الجسم، لذا يجب أن يتسم السلوك الشرائي بالواقعية والرشد والابتعاد عن ثقافة التبذير والتباهي.
حمد الهاجري: المستهلكون يجب أن يبادروا بالاتصال بمركز "حفظ النعمة" حال توفرت لديهم مواد أو سلع غذائية فائضة عن احتياجاتهم لفائدة المحتاجين
وشدد الهاجري على أهمية استمرار التوعية المجتمعية من خطر إهدار الطعام، وضرورة الحفاظ على النعمة والاستفادة من شهر رمضان في التأهيل النفسي والروحي، مشيراً إلى أن المستهلكين يجب أن يبادروا، حال توفرت لديهم مواد أو سلع غذائية فائضة عن احتياجاتهم، للاتصال بمركز "حفظ النعمة" حتى يستفيد منها غيرهم من المحتاجين.
مركز حفظ النعمة
وتشير إحصائيات مركز حفظ النعمة في قطر خلال عام 2021 إلى وصول عدد المستفيدين من جميع أنشطة المركز إلى 290.016 مستفيدا، واستطاع المركز متمثلاً بقسم بنك الطعام المسؤول عن استقبال الفائض من الوجبات والتبرعات الغذائية الجافة الحفاظ على 360.504 وجبات استفاد منها 180.725عاملا و22.821 أسرة (أعداد تراكمية).
كما قام المركز بتوزيع ما يزيد عن 26 طنا من الخضراوات والفواكه، 7.874 كيلو من اللحوم، 13.928 كيلو من الدجاج، 19.212 كيلو من الأرز، 24.465 لترا من الزيت، 16.055 كيلو من التمر.
تجنب الإسراف
وفي ذات السياق، أكد رجل الأعمال السيد عبدالله إبراهيم السويدي على أهمية تجنب الإسراف والتبذير وترشيد الاستهلاك، عبر عدة أساليب تتمثل في الالتزام بشراء الاحتياجات المطلوبة، وطهي الأطعمة التي يتم استهلاكها.
وأشار السويدي إلى أن رمضان شهر صوم تقل فيه ساعات تناول الطعام والشراب، كما أن الإسراف والتبذير يمثلان انحرافا عن مفهوم الصوم وغاياته وأهدافه النبيلة التي شرع من أجلها، ورغم ذلك فإن مستوى الإنفاق فيه يتضاعف قياساً ببقية شهور السنة.
عبدالله السويدي: المائدة الرمضانية الأساسية تتركز في الأرز واللحوم والخضراوات والفواكه والمشروبات ولذلك ترتفع وتيرة الشراء على هذه السلع مقارنة مع غيرها
ونوه إلى أن الشهر الفضيل يتميز عن غيره من شهور السنة بالطقوس الدينية الخاصة والتي عادةً ما تكون فيها المأكولات والمشروبات مختلفة عن بقية شهور السنة وتبدو معروفة سلفاً، لافتاً إلى أن المائدة الرمضانية الأساسية تتركز في الأرز واللحوم والخضراوات والفواكه والمشروبات ولذلك ترتفع وتيرة الشراء على هذه السلع مقارنة مع غيرها.