دولار أمريكي 3.64ريال
جنيه إسترليني 4.58ريال
يورو 3.8ريال

بعد قرار تحديد إجراءات معاملات "الغاز والنفط" مع أوروبا بالروبل

هل تنجح روسيا في فرض عملتها على الغرب؟

24/03/2022 الساعة 23:24 (بتوقيت الدوحة)
ع
ع
وضع القراءة

يتربع الدولار الأمريكي على عرش الاقتصاد العالمي، منذ عشرات السنين، وسيلة وحيدة للتبادل التجاري بين الدول.

وترسخت هيمنة الدولار منذ أن قررت منظمة الدول المصدر للنفط (أوبك) عام 1975، اعتماده عملة وحيدة لشراء النفط، حيث نجحت واشنطن منذ ذلك الحين بربط الدولار بالنفط بدلا من الذهب، الذي كان معمولا به إبان اتفاقية "بريتون وودز" عام 1944.

ولطالما اعتبر الكثيرون أن الدولار سيد عملات العالم، لكن الأمر لم يعد كذلك في روسيا بعد أن أعلن الرئيس فلاديمير بوتين تحويل مدفوعات إمدادات النفط والغاز نحو أوروبا إلى عملة روسيا المحلية (الروبل).

قاعدة جديدة

الروبل مقابل النفط والغاز، قاعدة جديدة يحاول الرئيس الروسي إقرارها في تعامله مع دول القارة العجوز، التي تعتمد على موارد الطاقة الروسية بشكل يصعب تعويضه.

بوتين أصدر تعليماته للبنك المركزي ولمجلس الوزراء، أمس الأربعاء، بـ"تحديد إجراءات المعاملات مع أوروبا بالروبل في غضون أسبوع، مشددا على أنه "لا معنى لتوريد السلع الروسية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتلقي المدفوعات باليورو والدولار".

القرار الروسي المفاجئ، ترددت أصداؤه في الغرب على الفور، وأدى إلى ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا بنسبة تتراوح بين 15 و20% بسبب المخاوف من أن يفاقم هذا التحرك، غير المتوقع، أزمة الطاقة في القارة، التي تستورد 40% من احتياجاتها من الغاز من روسيا.

لكن ما هي التأثيرات الحقيقية لهذا القرار الذي وصفه بعض الخبراء بأنه خطة روسية "ذكية" للالتفاف على العقوبات الغربية غير المسبوقة؟ وهل سينجح فعلا في تخفيف الضغط عن موسكو المحاصرة اقتصاديا وماليا، منذ بدء الحرب في أوكرانيا قبل شهر من الآن؟

الروبل يصعد

العملة الروسية "الروبل" كانت أول المستفيدين من القرار، حيث استعادت عافيتها مقابل الدولار، بعد أن فقدت نحو ربع قيمتها مع بدء الحرب في أوكرانيا وفرض الغرب عقوبات على موسكو تضمنت تجميد أصول البنك المركزي الروسي في الخارج، ليرتفع الروبل بنسبة 12% (مساء الأربعاء)، ووصل سعر صرف الدولار إلى أقل من 95 روبلا، كما هبط سعر صرف "اليورو" إلى نحو 110 روبلات لليورو الواحد.

وتواجه روسيا أخطر أزمة اقتصادية منذ أكثر من 20 عامًا، وتوقع بنك "جولدمان ساكس" أن ينكمش اقتصادها بنسبة 10% هذا العام، وتصل نسبة التضخم إلى 20%، بسبب العقوبات الغربية غير المسبوقة.

ورأى خبراء اقتصاديون أن بوتين، يريد من خلال هذا القرار، إجبار الغرب على التعامل مع البنك المركزي الروسي، وإعادة الحياة إلى الحسابات الروسية المجمدة، لأن البنك لا يستطيع بيع "الروبل" ما دامت الحسابات الروسية مجمدة، ويريد بوتين أيضا من الغرب شراء العملة الروسية، ولذلك من المتوقع أن يواجه العملاء مشكلة، لأنه بات المطلوب منهم تأمين مبالغ كبيرة من "الروبل" لدفع ثمن الواردات الروسية، وهي المبالغ التي لا يمكن الحصول عليها حاليا من غير البنك المركزي الروسي.

خرقٌ للعقود

ألمانيا، التي تعتبر أكبر مستورد في أوروبا للطاقة الروسية، وصفت قرار الرئيس فلاديمير بوتين بأنه "غير قانوني"، وقالت على لسان وزير اقتصادها روبرت هابيك إن القرار الروسي يمثل خرقا لعقود التسليم، مضيفا أنه سيناقش مع الشركاء الأوروبيين ردا محتملا على إعلان موسكو، فيما عبر اتحاد الصناعات الألماني عن حيرته من القرار الروسي.

أما السيد مارك روته رئيس الوزراء الهولندي فقال إن الأمر بحاجة إلى وقت كي يتضح مطلب روسيا وعلاقته بالعقوبات المفروضة عليها، مضيفا في كلمة أمام البرلمان الهولندي "يعود الأمر إلى أطراف السوق الذين يشترون الغاز الطبيعي الروسي وكيف سيتعاملون مع الأمر، ففي العقود التي أبرموها، عادة ما يتم تحديد عملة الدفع، وهو ما لا يمكن تغييره بهذه الطريقة".

وعلى عكس الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا اللتين أعلنتا رسميا حظر استيراد النفط والغاز من روسيا، لم تتمكن دول الاتحاد الأوروبي حتى الآن من فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي بسبب اعتمادها الشديد عليه.

وتدفع الدول الأوروبية، يوميا، ما يصل إلى 880 مليون دولار مقابل وارداتها من الغاز الطبيعي من روسيا، وأظهرت بيانات لشركة "غازبروم" المملوكة للحكومة الروسية، نشرتها في نهاية يناير الماضي، أن نسبة 58% من مبيعاتها من الغاز الطبيعي للدول الأوروبية وغيرها كانت مسعرة باليورو، بينما شكلت المدفوعات بالدولار نسبة 39%، وبالجنيه الاسترليني نسبة 3% فقط.

دول "غير صديقة"

ولا يقتصر القرار الروسي على دول الاتحاد الأوروبي فحسب، بل يتعداها إلى تلك التي وصفها الرئيس بوتين بـ"غير الصديقة"، ويعني بها الدول التي شاركت في فرض عقوبات على موسكو بسبب الحرب في أوكرانيا، ومن بينها اليابان وكندا والنرويج وسنغافورة وكوريا الجنوبية وسويسرا وأوكرانيا، لكن تلك الدول لا تعتمد بشكل كبير على واردات الطاقة الروسية، باستثناء اليابان.

ما دفع وزير المالية الياباني شونيتشي سوزوكي في كلمة أمام البرلمان اليوم، إلى التأكيد على أن حكومته تدرس الموقف مع المؤسسات المعنية، لأنها ما زالت لم تفهم "نية الجانب الروسي وكيف سيتم تنفيذها". وبلغت حصة روسيا من الحجم الإجمالي للواردات اليابانية من الغاز الطبيعي المسال 8.8%، في السنوات الأخيرة.

ولم تعلق شركات الطاقة الأوروبية، بعد، على القرار الروسي، ولم تعلن عن خططها للتعامل معه، ومنها شركات "إيني" الإيطالية و"يونيبر" و"بريتش بتروليوم" و"شل"، وأرجع الخبراء صمت الشركات الأوروبية وعزوفها عن التعليق، إلى انتظار قرار سياسي بهذا الشأن، معتبرين في نفس الوقت أن الدول الأوروبية في وضع محرج للغاية، فليس من السهل على الزبائن الأوروبيين تحويل مدفوعاتهم إلى "الروبل"، خصوصاً مع الأخذ في الاعتبار حجم مشترياتهم (مع أنه لا توجد عقوبات تحول دون دفع ثمن الغاز الطبيعي الروسي بالروبل).

عواقب وخيمة

كما أن التوقف الفوري عن الغاز الروسي ستكون له عواقب وخيمة على الاقتصادات الغربية، التي مازالت تبحث عن بديل للغاز الروسي، الذي تتهم الولايات المتحدة الأمريكية موسكو باستخدامه لابتزاز خصومها في أوروبا.

فهل ينجح القرار الروسي -الاقتصادي بنفس سياسي- في تخفيف حدة العقوبات الغربية على روسيا الطامحة في الأساس إلى التحرر من سطوة الدولار الأمريكي، أم أنه سيكون مجرد رد فعل آني، محدود النتائج؟

وفرضت الدول الغربية عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على روسيا، على خلفية الحرب في أوكرانيا، شملت تجميد ما قيمته 300 مليار دولار من الأصول والأموال الروسية في الخارج، وفصل بنوك روسية عن نظام "سويفت" العالمي، فضلا عن عقوبات أخرى رياضية وثقافية.

ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجميد الدول الغربية للأصول الروسية في الخارج بأنه إجراء "غير مشروع"، وقال إنه دمر الثقة بين روسيا وتلك الدول.

جميع الحقوق محفوظة لمرسال قطر 2024

atyaf company logo