عديدة هي العادات والمفردات التراثية التي ترافق شهر رمضان الفضيل من المشرق إلى المغرب، تختفي طيلة أيام وأشهر السنة، وتطل من جديد مع أول أيام الصوم، حيث يتلهف الجميع لقدومها وعودتها في فرح وابتهاج، وعلى رأسها مدفع رمضان.
ويعتبر مدفع رمضان عادة رمضانية تراثية بامتياز تكاد جل الدول الإسلامية تشترك في هذا الموروث، ومن بينها دولة قطر، حيث يعمد عدد من الجهات إلى اتخاذ مكان مميز له طيلة الشهر، ومن بينها سوق واقف والمؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا)، وتتحول هذه القذيفة التي كانت تثير الذعر والخوف أيام الحرب، إلى قذيفة تنشر الفرح والانشراح أيام السلم، مثل الطلقات المدفعية التي تطلق عند استقبال كبار الضيوف في الدولة، أو أيام الاحتفالات الوطنية الكبرى.
وقال السيد خالد عبدالرحيم السيد مدير الشؤون الثقافية والفعاليات بالمؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا) في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، إن مدفع رمضان، سيكون ضمن الفعاليات الرئيسية في رمضان لهذا العام، وهو من ضمن ما تجهز له المؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا) ضمن رزنامة فعالياتها الثرية خلال هذا الشهر الفضيل.
خالد السيد: كتارا استطاعت أن تكون أهم وجهة سياحية في قطر بما تقدمه من برامج وفعاليات تناسب جميع الفئات
وأضاف "استطاعت المؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا) أن تكون أهم وجهة سياحية في دولة قطر بما تقدمه من برامج وفعاليات تناسب جميع الفئات والأعراق لتحقق شعارها الدائم كتارا ملتقى الثقافات، وتعزيزًا لدورها الثقافي والسياحي تهتم كتارا بتوفير أجواء رمضانية خاصة كل عام تجمع بين جوانب الثقافة والترفيه والترويح النفسي مما يبعث في نفوس الزائرين الطمأنينة وسط أجواء إيمانية خالصة".
وأوضح السيد أن مدفع رمضان له مكانة خاصة في نفوس المواطنين والمقيمين، ويستقطب جمهورًا غفيرًا قبيل لحظات أذان المغرب في رمضان، نظرًا لرمزيته الكبيرة، كما أن القطريين لهم ذكريات مع هذه العادة الحميدة التي ارتبطت في الوجدان مع وقت الإفطار، حيث كان الذين يتعذر عليهم سماع صوت الأذان، تتيح لهم طلقة المدفع معرفة نهاية يوم الصوم، وإيذانًا بالطعام والشراب.
خليفة السيد: للمدفع استخدامات شتى منها الإعلان عن دخول شهر رمضان وانصرافه ودخول عيد الفطر وفي المناسبات
من جهته، أوضح السيد خليفة السيد الباحث في التراث القطري في تصريح مماثل لـ"قنا"، إن للمدفع استخدامات شتى، منها الإعلان عن دخول شهر رمضان وانصرافه ودخول عيد الفطر وفي المناسبات، أو عندما يحل بالبلد ضيف كبير، بالإضافة إلى احتفالات الزواج في (العرضة)، والاستعداد للحرب.
ونوه إلى أنه بفضل الهدوء الذي كان يسود الأرجاء في السابق، حيث لا هدير محركات السيارات أو المكيفات، فإن دوي طلقة المدفع المجلجلة كان يسمع من بعيد، لافتًا إلى أنه كان في مدينة الدوحة مدفع واحد، بالإضافة إلى مدينتي الوكرة والخور.
وذكر خليفة السيد، أن اسم طلقة المدفع كانت تسمى الواردة، حيث إنها تطلق طلقة واحدة عند أذان المغرب للإخبار بنهاية يوم الصوم، وأيضًا قبيل أذان الفجر (الإمساكية)، من أجل إعلام الصائمين بالإمساك عن الطعام والشراب، مشيرًا إلى أنه في العيد كانت تطلق إما 3 أو 7 طلقات.
مدفع رمضان أضحى معلمًا من معالم التراث يزوره يوميا الكثير من العائلات في سوق واقف وكتارا
ونظرًا للتقدم والتطور الذي عرفه المجتمع، أشار الباحث في التراث القطري، إلى أن مدفع رمضان، أضحى معلمًا من معالم التراث، حيث إن الشخص يصحب أبناءه قبيل أذان المغرب إلى سوق واقف أو كتارا من أجل مشاهدة المدفع وسماع دوي طلقته.
بدوره، قال الدكتور علي عفيفي علي غازي، الكاتب والباحث في التاريخ في تصريح مماثل لـ"قنا"، عن حكاية مدفع رمضان، إن الروايات اختلفت في تأريخ حكاية مدفع الإفطار، فتقول رواية إن السلطان المملوكي خشقدم (1460 ـ 1467) كان يجرب مدفعًا جديدًا وتصادف ذلك وقت غروب الشمس بالقاهرة في أول يوم من شهر رمضان عام 865هـ - 1467م، وعلى ما يبدو أن السلطان قد استحسن الفكرة، فأصدر أوامره بإطلاق مدفع الإفطار يوميًا وقت أذان المغرب في رمضان، وبين في رواية أخرى أن محمد علي باشا والي مصر (1805 ـ 1848)، أثناء تجربة قائد الجيش لأحد المدافع المستوردة، انطلقت قذيفة مصادفة وقت أذان المغرب في شهر رمضان، ليستخدم المدفع بعد ذلك في التنبيه لوقتي الإفطار والسحور.
وفي رواية ثالثة، قال علي غازي إن بعض جنود الخديوي إسماعيل (1863 ـ 1879) كانوا ينظفون أحد المدافع، فانطلقت منه قذيفة دوت في سماء القاهرة وقت أذان المغرب في أحد أيام شهر رمضان، ومن هنا جاءت الفكرة.
القطريون مع اقتراب الغروب يرددون عبارة ثارت الواردة أو ما ثارت في كناية عن طلقة المدفع التي يدوي صوتها في الآفاق
وكان القطريون مع اقتراب الغروب، وتحلقهم حول مائدة الإفطار يرددون عبارة ثارت الواردة أو ما ثارت، في كناية عن طلقة المدفع التي يدوي صوتها في الآفاق، معلنة دخول وقت الإفطار، حيث إن مدفع رمضان أو الواردة وهي القذيفة التي يطلقها المدفع وفق المفردة الشعبية في قطر، كانت متداولة إلى وقت قريب، ويتزامن وقت إطلاقها مع صوت الأذان، وكانت تتيح للذين تتواجد بيوتهم بعيدًا عن المساجد، معرفة إعلان أذان المغرب، وذلك من أجل التحقق والتيقن التام، وذلك حرصًا على عدم ضياع فريضة الصوم، وكانت النساء يطلبن من الصغار الخروج إما إلى الحوش أو الصعود فوق سطح البيت لحظات قبل الغروب لترقب سماع صوت القذيفة، أو مشاهدة وميضها ودخانها المتصاعد في السماء، وإبلاغهن بدخول وقت الإفطار.
مدفع رمضان كان يتم نصبه سابقا في عدد من المناطق من قبيل قلعة الكوت بجانب مصلى العيد بالجسرة ومنطقة السلطة القديمة
وإذا كان مدفع رمضان يتواجد في السنوات الأخيرة في كل من سوق واقف والجهة الجنوبية لكتارا، فإنه في السابق كان يتم نصبه في عدد من المناطق من قبيل قلعة الكوت بجانب مصلى العيد بالجسرة ومنطقة السلطة القديمة ومنطقة الريان الجديد ومنطقة الخليفات، وإلى عهد قريب على الكورنيش (قرب ساحة البريد).
وحاليًا، عندما يحين موعد أذان المغرب في أيام شهر رمضان، ينصب المدفع وسط الحضور في كل من سوق واقف وكتارا، الذين يحضرون لرؤيته من جميع الشرائح خاصة الأطفال، وعلى جانبيه أربعة عسكريين بزيهم الرسمي عن اليمين وعن الشمال وقد وقفوا في ترتيب عسكري خلفه ينتظرون الآمر بإعطاء شارة إطلاق القذيفة مع انطلاق صوت أذان المغرب، وما إن يأتي الأمر للعسكريين بصوت جهوري من القائد قائلًا: "مدفع، ارمي"، حتى يجلس أحد العساكر على كرسي المدفع ويهوي بقبضة يده على أحد أزرار المدفع عند سماع "اضرب"، معلنًا انطلاق القذيفة التي يجلجل صوتها في الفضاء راسمة من فوهة المدفع وهجًا أصفر ممزوجًا باللون الأحمر، سرعان ما تتلاشى لتعلوها كومة من الدخان تتلاشى تدريجيًا في الفضاء، يتبعها تصفيق الصغار ابتهاجًا وسرورًا بهذا المشهد الرائع، وليتسابق بعدها الأهالي لالتقاط صور تذكارية مع المدفع لتبقى معهم ذكرى رمضانية يتقاسمون لحظاتها الجميلة في ما بينهم.