يجدد الفلسطينيون في قطاع غزة إظهار فرحتهم بقدوم شهر رمضان المبارك عبر طقوس تتمثل بالتجهيزات المكثفة لاستقبال الشهر الفضيل، رغم الحصار الجائر الممتد منذ أكثر من خمسة عشر عامًا من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وتدني مستويات المعيشة وارتفاع نسب البطالة واتساع دائرة الفقر المدقع في القطاع
وفي حركة نشطة تسبق بداية شهر رمضان، بدت المحلات التجارية والبسطات العشوائية في الأسواق المركزية في قطاع غزة بالتزين بشرائط الزينة، فيما تنتشر بسطات بيع الفوانيس والزينة، وأحبال الإضاءة، والألعاب النارية التي يلهو بها الأطفال في الفترة المسائية، فضلا على منتجات الزينة القماشية والبلاستيكية الجديدة ذات الألوان المتداخلة والتي تشكل بصمة فنية لا بد من اقتنائها لدى جميع سكان قطاع غزة.
وبدأت المحلات التجارية بعرض منتجاتها المختلفة بصورة بهيحة وألوان زاهية لا تظهر إلا خلال شهر رمضان لتعطي صورة إيحائية جميلة لرغبة فلسطينيي غزة بالحياة وإصرارهم على الفرح.
سوق الزاوية هو أحد أهم الأسواق التراثية القديمة في غزة بمحاله التجارية القديمة وبضائعه المتنوعة وطريقة عرضها، وشكله المتناسق الذي يجلب آلاف الفلسطينيين في شهر رمضان.
تنافس بين المحال
وتتنافس محلات العطارة في مختلف أسواق القطاع بشكل عام وفي سوق الزاوية بشكل خاص بعرض منتجاتها من التمور والمخللات والأجبان فيما ينتشر عشرات الباعة المتجولين على جوانب الشوارع الفرعية ببسطات متواضعة يبيعون فيها الفوانيس والتمور والمخللات بأسعار منافِسة للمحلات الشهيرة.
يقول أحد قاطني مخيم الشاطئ: "أتيت إلى سوق الزاوية في مدينة غزة القديمة للتسوق مع بداية الشهر الفضيل لأن الأسعار سترتفع خلال الأيام القادمة، وهذه فرصة كبيرة الآن في ظل التنافس بين الباعة وقبل نفاد بعض الأصناف وخاصة ألعاب الأطفال وفوانيس رمضان".
ويرى فلسطيني آخر ذو 33 عامًا من مدينة غزة، أن الأسواق مكتظة بمختلف أصناف البضائع والمنتجات ورغم تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يمرّ بها سكان القطاع جراء الحصار وعدم انتظام الرواتب إلا أن الغزيين مصرين على إعطاء الشهر نكهته الخاصة، معتبرا أن الكثيرين يوفرون من مرتباتهم وأجورهم طوال العام من أجل متطلبات شهر رمضان والعيد أيضًا.
من جهته، أوضح أحد الباعة من مدينة رفح جنوب قطاع غزة، أن حركة البيع الأولية نشطة ومبشرة رغم كافة الظروف المحيطة والأوضاع الاقتصادية المتدهورة.
وأضاف: "خلال الفترة الماضية قام العديد من التجار باستيراد منتجات وبضائع شهر رمضان فيما يحاول صغار الباعة وهم بالمئات استغلال الشهر المبارك للانتفاع ماديا من السيولة التي تتوفر في أيدي المواطنين الذين يتجرؤون على شراء الكثير من المنتجات المخصصة لهذا الشهر.
في حين شككت إحدى الغزيات في قدرة أهل غزة الشرائية، وقالت إن الأوضاع في قطاع غزة سيئة وأن هذا الازدحام في الأسواق غير حقيقي وأن المواطنين يأتون فقط للمشاهدة واستطلاع الأسعار.
قوة شرائية ضعيفة
ونوهت إلى أن الأسعار لا تختلف كثيرًا عن أسعار العام الماضي، حيث إن القوة الشرائية ضعيفة، والناس يخشون من تطورات الأوضاع على الصعيد العالمي وتفضل أن تحتفظ بمدخراتها للقادم "والذي قد يكون أسوء".
وليست الأسواق المزدحمة هي المظهر الوحيد من مظاهر الشهر الفضيل، فمدينة غزة خاصة، وفلسطين عامة كغيرها من البلدان العربية والاسلامية، تصحو على صوت (المسحراتي) بطقوسه الممتزجة بصوت الطبول والأناشيد الرمضانية والذكر لإيقاظ الناس، بطريقة تشد الناس إلى حنين أيام ماضية.
وفي هذا الصدد يقول المسحراتي يونس، إنه توارث هذه المهنة عن والده وإنها فرصة جيدة بالنسبة له لكسب الرزق حيث يدفع له الناس بعد نهاية شهر رمضان المبارك ما تيسر من مال، مشيرا إلى أنه يشعر بمتعة كبيرة وهو يمارس هذا الدور ويقوم بهذه المهمة.
وتجعل ظاهرة المسحراتي في غزة، الفلسطينيين يشعرون بطعم للصوم وبتقاليده الموروثة رغم التكنولوجيا الحديثة والمتطورة اليوم وما توفره من مسببات للاستغناء عن دوره.
كما ترتبط حلوى القطايف وهي أحد أنواع الحلويات العربية الأصيلة ارتباطًا وثيقًا بشهر رمضان المبارك، وتقدم بعد تناول الإفطار مباشرة، حيث اشتهر الفلسطينيون في غزة، تاريخيا، بصناعة القطايف والكنافة العربية، ويتم إنتاجها بكميات كبيرة خلال شهر رمضان نظرًا لسعرها المنخفض ومذاقها المتوارث والمعروف.
وما أن يتم الإعلان عن رؤية هلال شهر رمضان، حتى تصدح المساجد بالدعاء والابتهالات، ويتجه المصلون إلى المساجد ليؤدوا صلاة التراويح، ويخرج الأطفال حاملين الفوانيس التي تعد من التقاليد القديمة الجديدة، التي تدخل البهجة على نفوس الأطفال.
جدير بالذكر، أن قطاع غزة لا يزال يستقبل شهر رمضان بمظاهره المختلفة بترحاب كبير فيما يشبه الحنين إلى الماضي والتراث والجذور ولو عبر التمسك بمثل تلك المظاهر التراثية، فيما يصر فلسطينيو غزة على إعطاء الشهر الفضيل لونا مختلفا عبر تعبيرات حياتية واحتفالية مبهجة وكأنها رسالة للعالم بأنهم يعشقون الحياة ويصرون عليها، رغم ويلات الحصار الجائر المفروض عليهم منذ أكثر من 15 عامًا.