دولار أمريكي 3.63ريال
جنيه إسترليني 4.61ريال
يورو 3.85ريال

"الثريد" و"الهريس" سيدا المائدة القطرية في رمضان

03/04/2022 الساعة 21:44 (بتوقيت الدوحة)
ع
ع
وضع القراءة

يؤكد القطريون اعتزازهم بتراثهم الثقافي بمختلف مكوناته وعناصره، ومن أبرز هذه العناصر المأكل؛ فهو يرتبط بالتراث كونه جزءًا لا يتجرأ من هويتهم.

ومع دخول شهر رمضان المبارك يكون الاحتفاء بهذا التراث بارزًا على المائدة القطرية فتتسيّد الأكلات الشعبية مثل الهريس والثريد وغيرهما المائدة، بل تطرد نظيرتها الوافدة من ثقافات مختلفة، حيث تفضل العائلات القطرية في رمضان تناول طعامين رئيسيين على موائد الإفطار اليومية هما "الثريد" و"الهريس"، وهما من أهم الأكلات الشعبية التي تحظى بقبول كبير لدى القطريين، حيث تكاد لا تخلو مائدة أسرة قطرية من هاتين الأكلتين.

ونبحث في السطور التالية عن تاريخ هذه الأكلات، وسر تمسك العائلات القطرية بهذا التراث والموروث حتى اليوم.

وتقول الباحثة مريم جاسم الخليفي خبيرة البحوث والدراسات الثقافية بوزارة الثقافة سابقًا: إن ارتباط القطريين بهذه الأكلات ارتباط قديم نابع من الارتباط بهذه البيئة، حيث يُعَد الثريد من أشهر المأكولات المعروفة منذ القِدم، وقبل مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي الجاهلية كانت المرأة تقوم بتقطيع الخبز قطعًا صغيرة ثم تسلق اللحم، وتأخذ مرقه لتضيفه إلى الخبز، وورد في بعض المصادر التاريخية، ومنها كتاب "الأوائل" لأبي هلال العسكري، أن أول مَن صنع الثريد هو سيدنا إبراهيم عليه السلام، كما أنه من الوجبات التي كانت العرب تقدمها قديمًا للضيوف على سبيل الكرم.

وأضافت أن الثريد طبق عربي قديم جدًّا مُعَد من خلال إسقاء الخبز مرق اللحم حتى يلين، وورد أن الرسول الكريم أُهدي إليه ثريدًا من السمن واللبن عند وصوله المدينة مهاجرًا من مكة، ثم أُهدي ثريدًا من خبز ولحم، وقد ذكر صلى الله عليه وسلم أن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، ما يدل على قيمة الثريد الذي ينعكس على الصحة؛ كونه مشبعًا وذا قيمة غذائية كبيرة.

طبق الدول العربية

وأضافت أن الثريد طبق مشهور في جميع الدول العربية باختلاف أسمائه من دولة لأخرى، فيطلق عليه في ليبيا "المثروده" وفي المغرب "الشخشوخة" وفي بعض الدول العربية اسمه التشريب أو الثريد، وفي مصر والشام يُطلَق عليه "فته"، ومع التطور واختلاف الوصفات وتعددها بدأ الجميع يضيف إليه إضافات حسب الرغبة، فمنهم من أضاف إليه الأرز، ومنهم من أضاف إليه الخضراوات، مشيرة إلى أنه مع بساطة مكونات الثريد فإن قيمته الغذائية التي توفر النشاط والصحة للجسم كبيرة جدًّا؛ لما يحتويه هذا الطبق من بروتينات وكربوهيدرات وفيتامينات في حال أضيف الخضار للمرق.

وحول الهريس، قالت الباحثة مريم الخليفي: "تذكر بعض المصادر أن الهريس ظهر تقريبًا في القرن السابع عشر الميلادي، وهو أكلة حضرمية المنشأ، ثم انتقلت إلى الهند قبل مائة عام تقريبًا، لتعود إلى دول الخليج العربي عن طريق التجار العرب والمسلمين".

وأضافت: لقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل وجبه الهريس التي كانت تُسمّى بـ "الدليم"، وقالت: "كان طبخ الهريس مقصورًا على الأغنياء الذين كانوا يوزعونه على الجيران، حيث يُقدَّم الهريس في المناسبات والأعياد وشهر رمضان خاصة، وغيرها من المناسبات"، لافتة إلى أن له عدة مسميات مثل: الهريس والهريسة أو سيدة المائدة أو الطلوع.

وتابعت: "قبل رمضان كانت النساء يجتمعن ويطحن الحبوب في المنحاز، وهو وعاء أسطواني خشبي يبلغ طوله مترًا تقريبًا، ومجوف من الداخل، ويبدؤون بعملية ضرب الحبوب حتى الطحن، وعادة يقوم بها نساء شديدات وذوات بنية قوية، وتكون هذه العملية شاقة ويصحبها إيقاع وغناء، لتسهيل هذه العملية على النساء، مؤكدة أن الاهتمام بالأكلات الشعبية في قطر، خاصة الثريد والهريس، ما زال قائمًا؛ لأنها من الأكلات المتوارثة عن الأجداد، وتنتقل ضمن الموروث الشعبي إلى الأبناء ثم الأحفاد؛ نظرًا لتميّز لذتها وحُسن مذاقها، ورمضان من أكثر الأوقات التي يقوم الناس فيها بطهيها وتوزيعها على الأهل والأقارب والجيران.

أكلة صحية ومشبعة

ومن جانبها، أكدت الكاتبة وخبيرة الطهي عائشة التميمي، التي ألفت أكثر من كتاب عن الأكلات الشعبية، اهتمام العائلات القطرية بالأكلات الشعبية، خاصة الثريد والهريس، وقالت: إن المائدة القطرية على الرغم من تنوع الأكلات، فإنها لا تخلوا منهما؛ كونهما من الأكلات الصحية والمُشبِعة، موضحة أن الثريد ورد في فضله الكثير خاصة في السنة النبوية، وكان يتم طهيه بالحليب أو بمرق اللحم، لكن في قطر يتم طهيه بمرق اللحم مع الخضار، وتكون حباته كبيرة، وهذه خاصية الثريد القطري، مشيرة إلى أنه يتم إعداده بواسطة خبز الرقاق؛ حيث كان يتم إعداده في المنزل، على "التاوة"، وتوضع كل مجموعة في كيس، ووقت إعداد الثريد يتم اختيار الرقاق على حساب عدد الأسرة، ليوضع عليه المرق، ويكون اللحم مع الخضار.

وحول أكلة "الهريس"، قالت: "تتكون من حبوب القمح، ولا بد أن يكون الحب كاملًا، ويكون مع أطيب أنواع لحم الضأن"، مشيرة إلى أنه على الرغم من بساطة الطبخ، فإنه يأخذ وقتًا طويلًا؛ لأنه تتم تسويته على نار هادئة، فقد كانت أمهاتنا الأوليات يطبخنه على الحطب ثم الفحم، وحاليًا على الغاز أو المواقد الكهربائية، وذلك حتى ينضخ اللحم بشكل كامل، بعد أن يكون تم سلقه أولًا، بعد أن يتم غسل القمح ونقعه في ماء منذ الليل، ليتم وضعه على نار هادئة قد تستمر ست ساعات؛ حيث يتم لفه بالخيش قديمًا حتى يحتفظ بالبخار الذي يساعد على النضج الكامل.

سر الاختلاف

وأضافت التميمي: "هناك تطور في أدوات الطهي حاليًا، فمثلًا هناك مَن يستخدم القدر الضاغط لتقليل زمن الطهي، لكن أن الهريس الجيد هو الذي يُصنَع على نار هادئة"، مشيرة إلى أن هناك اختلافًا عن القدماء بعد اكتمال النضح، فكنا نستخدم المضرب الخشب لضرب الهريس وطحنه ليكون ناعمًا، موضحة أن تميّز هريس سيدة عن أخرى كان بمدى ضربه جيدًا، فكانت هذه السيدة هي الماهرة في المطبخ، بخلاف الأخرى التي لا تطحنه جيدًا.

وقالت: حاليًا يتم استخدام الخلاط اليدوي والكهربائي لضرب الهريس تبعًا للتطورات، وارتباط ربة المنزل بالعمل.

وأشارت التميمي إلى ارتباط القطريين بالأكلات الشعبية في رمضان، سواء في الفطور أو السحور أو الغبقة التي تتميّز كذلك بالأطباق الرئيسية والحلويات الخاصة القطرية، ومنها: البرنيوش (المحمر) الذي يُصنَع من الخبز المكرمل بالسكر، ويميل لونه إلى الاحمرار، وترجع قصته إلى أيام الغوص فكانوا يأخذون دبس التمر، ويتم غليه ويوضع فيه الخبز، ليتطور بعد ذلك فيتم إعداده بالسكر، ويقدم هذا فقط مع السمك، وهو من الأطباق الرئيسية في شهر رمضان.

كما تتميّز المائدة القطرية بمختلف الأكلات الشعبية، مثل: المضروبة والجريش، وغيرهما.

جميع الحقوق محفوظة لمرسال قطر 2024

atyaf company logo