دولار أمريكي 3.64ريال
جنيه إسترليني 4.85ريال
يورو 4.07ريال

باحثون في التراث: قطر.. إسهام مستمر في حماية المخطوط العربي

24/04/2022 الساعة 12:20 (بتوقيت الدوحة)
ع
ع
وضع القراءة

من خلال المخطوطات وصلتنا السنة النبوية وذخائر التراث العربي والإسلامي منذ بدء التدوين والكتابة العربية في القرون الأولى للتاريخ الإسلامي، ومنها وصلنا إلى فكر السابقين وإبداعهم، ومستودع رؤيتهم للكون والحياة.

وفي العصر الحديث ازدهرت ثقافة المخطوط في العالم الإسلامي مع نمو مؤسساته التعليمية، ووضعت تقنيات لكافة جوانب الإنتاج المادي للكتاب المخطوط ولنشره وتوزيعه.

وقد اختارت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو)، بمبادرة من معهد المخطوطات العربية، الرابع من أبريل من كل عام يوم المخطوط العربي ليكون يوم توعية إقليمي بالمخطوطات العربية وأهميتها، وتستمر فعالياته طوال شهر أبريل حيث تحتفل به الدول العربية الأعضاء، كما تحتفل به أحيانا جهات إسلامية وأجنبية وجاء شعار احتفالية هذا العام المخطوط في زمن العولمة.

وبهذه المناسبة تستعرض وكالة الأنباء القطرية (قنا) تاريخ المخطوطات العربية في دولة قطر وأهم الجهود القطرية في الحفاظ عليها قديما وحديثا.

منذ زمن بعيد

في البداية يروي السيد محمد همام فكري مستشار التراث والكتب النادرة بمكتب المستشار الثقافي في مؤسسة قطر في حديثه لوكالة الأنباء القطرية (قنا)، تاريخ المخطوط في دولة قطر فيقول: عرفت قطر المخطوط العربي منذ زمن بعيد إذ كان يحرص أهل قطر على اقتناء المخطوط حال ذهابهم لأداء فريضة الحج؛ ففي كل عام كان شيوخ ووجهاء قطر يحرصون على جلب هذه المخطوطات ليتدارسونها في مجالسهم طوال العام، ويوصي بعضهم الآخر باقتناء بعض الكتب، ثم سرعان ما انتقلت هذه الظاهرة لينشئ البعض مكتبات خاصة كان المخطوط له نصيب منها.

وأضاف تبارى البعض في الاعتناء بالمخطوط والقيام بتحقيقه فكان يعهد لعدد من الباحثين القيام بتحقيق المخطوط ثم طباعته على نفقة شيوخ قطر، مشيرا إلى تميز حكام قطر عن غيرهم بأنهم كانوا يوقفون المخطوطات على طلاب العلم، وإعادة تحقيق ونشر المخطوطات على الطلاب والباحثين في مختلف البلدان الإسلامية، منوها بإسهام الشيخ المؤسس جاسم بن محمد بن ثاني طيب الله ثراه، واعتنائه بالمخطوط الإسلامي كمصدر للدرس والعلم ومن بعده ابنه الشيخ عبد الله بن جاسم آل ثاني الذي أوقف عددا من المخطوطات والكتب المطبوعة على طلاب العلم، وكذلك الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني الذي عرف بحبه للعلم وبشكل خاص طبع العديد من الكتب من مصدر المخطوط إلى المطبوع ثم توزيعها على طلاب العلم في مختلف البلدان، وعندما انتهت فترة حكمه كان أوقف كتبه في مكتبة دار الكتب القطرية ومكتبات أخرى في بلدان مجاورة في كل من الأحساء والبحرين.

جمع المخطوط العربي والإسلامي

وأوضح السيد محمد همام فكري، أن المجموعة التي أوقفها الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني كانت نواة لقسم المخطوطات في دار الكتب القطرية؛ ليتواصل الاهتمام بالمخطوط من أبناء قطر، لاسيما الميسورين منهم، مشيرا إلى أنه في العصر الحديث تبني عدد من أبناء قطر مشاريع كان القصد منها جمع المخطوط العربي والإسلامي وجلبه إلى قطر والاهتمام به وترميمه، وتكوين مجموعات ذاع صيتها بين الناس ومن أهمها كانت مكتبة الشيخ حسن بن محمد آل ثاني التي أصبحت المجموعة التراثية في مكتبة قطر الوطنية وتشتمل على أكثر من أربعة آلاف مخطوط من عيون ونفائس المخطوطات العربية والإسلامية التي تتميز بها مكتبة قطر الوطنية الآن.

وأشار مستشار التراث والكتب النادرة، إلى وجود مجموعات خاصة لدى محبي وجامعي التراث في قطر ومنهم الشيخ حمد بن عبدالله بن محمد بن جاسم آل ثاني الذي استطاع أن يجمع مجموعة ثمينة من المخطوطات ذات الصبغة المتحفية، إذ تشتمل على نوادر المخطوطات في مجالات العلوم والفنون المختلفة، كما كان هذا الحال عند العديد من أبناء قطر، داعيا إلى أن إجراء المزيد من التحقيق والدراسة للمخطوطات العربية لاكتشاف كنوز المعرفة حيث شملت المخطوطات مجالات علوم القرآن و اللغة العربية والعلوم الإسلامية والعلوم الطبيعية.

نقل اجتهادات العلماء

ومن جانبه أكد السيد عبدالعزيز البوهاشم السيد الباحث في التراث، في تصريح مماثل لـ/قنا/، أن الأهمية التاريخية والعلمية للمخطوط العربي تكمن من حيث أن هذا المخطوط نقل العلوم والفنون من حقبة تاريخية وحضارية للبشرية إلى حقبة أخرى استمرت في التطوير العلمي والأدبي إلى المستوى الذي وصلنا له اليوم، كما حافظ المخطوط العربي على اللغة العربية سليمة ولم تتعرض لأي تغيير أو تشويه منذ الحالة الأصلية، بالإضافة إلى أن المخطوط عمل على نقل اجتهادات العلماء وأصول الدين والعلوم المنبثقة منها من مصادرها الأولية إلى يومنا هذا.

وقال البوهاشم السيد أن المخطوط العربي نظرا لأهميته فهو موجود ليس في العالم العربي فقط بل في عدد من المكتبات العالمية، ففي بريطانيا قرابة 15 ألف مخطوط سواء في مكتبة المتحف البريطاني القديم، أو تلك الموجودة في المكتبة التابعة لمكتب الهند، والتي كانت جزءا من وزارة الخارجية البريطانية سابقا، مشيرا إلى أن أهم الدول التي يوجد فيها مخطوطات عربية بعد تركيا هي إيران حيث تقدر بحوالي مئتي ألف مخطوط.

تسجيل وترميم المخطوطات

ودعا إلى ضرورة تسجيل وترميم المخطوطات والمحافظة عليها بشكل علمي، وعمل فهارس بما هو موجود من تلك المخطوطات لدى المتاحف والمقتنيين والأفراد، مع أهمية فتح مجال التحقيق وإعادة طباعة تلك المخطوطات وايضا تبني الجامعات القطرية دعم المهتمين في تحقيق المخطوطات المتوفرة في قطر.

وأشار إلى أهمية حرص دار الكتب القطرية على إعادة قسم الترميم وفتحه أمام الراغبين في ترميم مخطوطاتهم، وقسم يهتم بتصوير تلك المخطوطات لمن يرغب بنشرها بغية تحقيقها، وأن تقوم وزارة الثقافة بعمل رابط أو تطبيق لتسجيل المخطوطات العربية في العالم.

وفي العصر الراهن نجد اهتمام مكتبة قطر الوطنية بالمخطوطات العربية وهذا ما وضحته السيدة عائشة حسن الأنصاري رئيس قسم المجموعات التراثية في مكتبة قطر، فقالت : تواصل المكتبة خدماتها للباحثين، حيث أطلقت المكتبة التراثية خدمة الرقمنة حسب الطلب لتمكين الباحثين من الاطلاع على المواد في مجموعاتها دون الحاجة إلى زيارة المكتبة، مبينة أنها مفتوحة لكافة الجمهور للزيارة والاطلاع على معرضها الدائم الذي يحمل عنوان "في البداية كانت اقرأ"، ويضم أكثر من 400 مادة تُعدّ من أندر وأنفس المقتنيات والمجموعات التراثية. مشيرة إلى أن المعرض الدائم يتألأف من 12 قسمًا هي: مكتبات الأجداد، وحكاية القلم، وطريق الكتاب، والرحلة المقدسة، ولحظات الاكتشافات العلمية القديمة، واللغة والآداب، ونساء الشرق، ورسم العالم، والإبحار، والسفر شرقا، ومن خلال العدسة، وقطر عبر الزمن.

دعم البحث العلمي

وأردفت الأنصاري قائلة أن المكتبة إضافة إلى الاقتناء والتنظيم والإتاحة للمواد، تقوم بدعم البحث العلمي في مجال المخطوطات، حيث تقدم المكتبة التراثية لزائريها وللمستفيدين من خدماتها عن بعد، كذلك الخدمة المرجعية اللازمة المتصلة بالمواد التراثية من مخطوطات ووثائق وكتب نادرة وغيرها، فضلا عن مساعدة طلاب الدراسات العليا وهيئة التدريس بالجامعات في أبحاثهم التاريخية والتراثية المتصلة بتحقيق النصوص وعلم المخطوطات.

وبدوره قال الباحث محمود زكي أخصائي المخطوطات في مكتبة قطر الوطنية في تصريح لـوكالة الأنباء القطرية /قنا/، إن جمع التراث، وحفظه، وإتاحته، ودراسته، وتقديمه، في مختلف دوائره الوطنية والإقليمية العربية والإسلامية ثم الإنسانية، هي واحدة من وظائف مكتبة قطر، تبعا لنص القانون الأميري التأسيسي، رقم 11 لسنة 2018، فالمكتبة تسعى إلى إحياء التراث الفكري الإنساني، وتيسير دراسته وتوظيفه في الحياة المعاصرة؛ وذلك من خلال إتاحة المقتنيات الفكرية للقراء، ووضعها تحت تصرف الباحثين الزائرين، والجمهور عالميا عبر المنصات الرقمية، وكذلك الاعتناء بالدراسات والأعمال الخاصة بتاريخ قطر، والخليج العربي ، والعالمين العربي والإسلامي، وما يتصل بالحضارة العربية والإسلامية في شتى المجالات.

وحول الاتفاقيات الدولية التي وقعتها مكتبة قطر لإتاحة المخطوطات، ودعم البحث العلمي في هذا المجال، أوضح أن المكتبة أبرمت العديد من الشراكات مع المؤسسات المحلية والدولية لتنفيذ عدد من المبادرات والاتفاقات طويلة المدى لتبادل المعرفة والخبرات، وتنظيم الفعاليات المجتمعية، ومشاركة الموارد والمصادر فكان من أهم هذه الاتفاقيات ونتائجها هي وجود مكتبة قطر الرقمية وهي منصة متاحة للجميع تستضيف المواد التراثية من مختلف مجموعات العالم. ومشروع التعاون بين المكتبة والمكتبة البريطانية في رقمنة وفهرسة وإتاحة أكثر من مليوني صفحة من وثائق المنطقة، فضلا عن عدد جيد من المخطوطات العربية في مجال العلوم الدقيقة مثل الطب والفلك وغيرها، كما تم توقيع اتفاقات تعاون مع مكتبة الأمة بتركيا، والمكتبة الوطنية الإيرانية وغيرها، وهي خطوة أولى لتفعيل هذه الاتفاقات بخطوات تنفيذية في إتاحة المقتنيات التراثية لهذه المكتبات حسب الطلب لجمهور مكتبة قطر الوطنية.

الحفاظ على التراث

وقال الباحث إن المستودع الرقمي، والذي يتيح مواد المكتبة التراثية للجمهور ويشرف عليه مركز الرقمنة في المكتبة، بالتعاون مع المكتبة التراثية، وذلك في سبيل الحفاظ على التراث من خلال تيسير الاطلاع عبر الإنترنت على الكتب والمخطوطات والخرائط والصور الفوتوغرافية وغيرها من مواد مجموعة مكتبتنا التراثية، مشيرا إلى أن مركز الرقمنة بالمكتبة نفذ عدة مشروعات لرقمنة مجموعات أخرى في قطر والعالم وأتاح الوصول إليها من خلال الشراكة مع كل من جامعة نيويورك، ومتحف الفن الإسلامي بالدوحة، ومعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، والأرشيف العثماني، ومجموعة صور العمارة التقليدية في قطر.

وبالنسبة لكيفية الاستفادة من المخطوطات العربية والأرشيف العربي في مشاريع عربية جديدة، اوضح محمود زكي أن المكتبة التراثية تحتوي على مجموعة غنية من النصوص التاريخية والمخطوطات والمواد النادرة القيمة،يستطيع الباحثون ودارسو التاريخ والمهتمون به، والجمهور العام الاطلاع عليها والاستفادة منها، وهي بذلك ترفد رسالة المكتبة التي تسعى لصون التراث العربي والإسلامي والحفاظ عليه لأجيال المستقبل، كما تقوم المكتبة وباحثوها بعدد من المشروعات العلمية المستقلة، وأخرى بالتعاون مع مراكز محلية ودولية، لدراسة مجموعات من مخطوطاتها ووصفها وإتاحتها، والخروج بنتائج بحثية جديدة.

تهيئة المواد الأولية للبحث

وأضاف أن البحث العلمي في مجال المخطوطات الإسلامية مازال في بداياته، وينتظر من المؤسسات والباحثين الكثير دعما وتطويرا، داعيا إلى تهيئة المواد الأولية للبحث، وإتاحة الوصول لمجموعات المخطوطات أصولا ومصورات، والإنجاز في مشروعات الرقمنة، ثم الفهرسة والتعريف. وهو ما تقوم به مكتبة قطر من الإتاحة الحرة المجانية لجميع الرصيد والتصوير المجاني والرقمنة المستمرة، مع إتاحة الاطلاع على الأصول وتسهيله على الباحثين وغيرهم ، مؤكدا أننا بحاجة إلى وجود قاعدة بيانات تحصر التراث المطبوع والمخطوط، ومن ثم تحديد ما خدم منه نشرا ودرسا.

واختتم أخصائي المخطوطات في مكتبة قطر الوطنية بالقول : إننا بحاجة إلى وضع خارطة للبحث العلمي في مجال المخطوطات وذلك من خلال تطوير ببليوجرافيات الإنتاج الفكري في علوم المخطوط، وما يتبعها من تحليل ودرس وتأسيس وتطوير مكتبة أو مكتبات مركزية لجمع دراسات علوم المخطوط وفهارسها وإتاحتها للباحثين، ومكتبتنا التراثية نواة ممتازة لمثل هذا، داعيا إلى ضرورة تأسيس مركز أو مراكز محلية وإقليمية، بحثية لعلم المخطوطات، وكذلك تأسيس مركز وطني لتحقيق النصوص والدراسات في علوم المخطوطات، والاتجاه لنشر النصوص التراثية والدراسات بدور النشر الأكاديمية ومراكز الأبحاث، والتوجه بمنهجية بتكليف مختصين، واستقطاب الأعمال المميزة المقدمة ودعم النشر والمشروعات العلمية في المجال، كما يمكن عمل جائزة في تحقيق النصوص التراثية.

WhatsApp Image 2022-04-24 at 12.31.17 PM.jpeg
WhatsApp Image 2022-04-24 at 12.31.17 PM (3).jpeg
WhatsApp Image 2022-04-24 at 12.31.16 PM.jpeg

جميع الحقوق محفوظة لمرسال قطر 2024

atyaf company logo