ناقش أحدث تحليل اقتصادي لمجموعة بنك قطر الوطني "كيو إن بي QNB"، الدلالات الاقتصادية للتطورات في أسواق السندات الأمريكية.
ثلاث رسائل
وقال التحليل الأسبوعي للمجموعة الصادرة اليوم، إن أسواق السندات ترسل ثلاث رسائل حول الاقتصاد الأمريكي، تشير أولها إلى أن النمو في الولايات المتحدة بلغ ذروته بالفعل في الربع الثاني من عام 2021، بعد عدة أرباع من النشاط القوي للغاية، أي أن أسواق السندات تشير إلى تباطؤ كبير في التعافي الاقتصادي للولايات المتحدة، حيث من المقرر أن تعود نسب النمو إلى المعدل الطبيعي الذي يبلغ حوالي 2 بالمئة سنويا.
الرسالة الثانية
وأوضح أن الرسالة الثانية تتلخص في أن سوق السندات ترى أن الضغوط التضخمية الحالية قد تستمر على المدى المتوسط، لكنها ستتراجع على المدى الطويل، وسيكون ذلك مصحوبا بانخفاض النمو، معتبرا أن منحنى العائد المتسطح (ارتفاع معدلات العائد قصيرة المدى بشكل أسرع من المعدلات طويلة المدى) يشير إلى أن التضخم ما هو إلا مصدر قلق على المدى المتوسط، حيث ارتفعت توقعات التضخم الضمنية للسندات لأجل 10 سنوات (معدل تكافؤ التضخم) بشكل معتدل فقط بمقدار 60 نقطة أساس، لتظل تحت السيطرة نسبيا عند حوالي 3 بالمئة، وذلك أقل بكثير من تضخم أسعار المستهلك الحالي البالغ 8.5 بالمئة لشهر مارس 2022.
ملاذ آمن
وفيما يتعلق بالرسالة الثالثة، لفت إلى أن سندات الخزانة الأمريكية تعتبر بمثابة "ملاذ آمن" في أوقات الاضطرابات الجيوسياسية في أوروبا وآسيا، فضلا عن كونها أداة منخفضة المخاطر للمراهنة على اقتصاد أكثر قوة، فمع كل رفع لأسعار الفائدة في الولايات المتحدة، تتسع فروق أسعار الفائدة عالميا، مما يجعل سندات الخزانة الأمريكية استثمارا أكثر أمانا من منظور المخاطر والعائدات.
ورأى أن هذا الأمر يؤدي إلى ارتفاع الطلب على سندات الخزانة الأمريكية، مما يحد من أي زيادة في عائدات سندات الخزانة، كما أن المدخرين في البلدان الأوروبية واليابان، حيث ظل النشاط الاقتصادي أكثر تباطؤا وظلت أسعار الفائدة منخفضة، يزيدون مخصصاتهم لسندات الخزانة الأمريكية مع ارتفاع عائدات السندات الأمريكية بشكل أكبر. ويؤدي ذلك إلى وضع سقف للعائدات طويلة الأجل.
عائدات السندات الأمريكية
وذكر أن عائدات السندات الأمريكية شهدت ارتفاعا قويا في الأرباع الأخيرة، بموازاة مع بدء منحنى العائد والهوامش المرتبطة به في الاستقرار في أبريل 2021، مما يشير إلى تراجع التوقعات الاقتصادية وتوقعات التضخم في المدى الطويل، والتي تعتبر أقل من التضخم الحالي، فضلا عن تراجع الأداء المتفوق للولايات المتحدة مقابل الاقتصادات المتقدمة الأخرى.
ونوه إلى أن الاقتصاد الأمريكي يشهد تسارعا في الأداء، حيث تشير تقلبات الأسواق إلى تغيرات سريعة وتحولات غير متوقعة إذ دخلت عملية إنعاش الاقتصاد من التداعيات الكبيرة للجائحة (2020 - 2021)، والتي تشير إلى التعافي الاقتصادي المدفوع بتدابير التحفيز التي أنقذت الاقتصاد الأمريكي من التراجع الحاد، التاريخ باعتبارها من أكبر الأحداث على مستوى الاقتصاد الكلي على الإطلاق.
معدلات النمو
وأضاف أنه بعد التراجع الحاد في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بسبب الجائحة في الربع الثاني من عام 2020، انتعشت معدلات النمو بقوة، ومكنت الاقتصاد من تجاوز الاتجاه الذي كان سائدا قبل الجائحة على مدار العامين الماضيين. وخلال هذه الفترة، شهدت الأسواق الأمريكية ارتفاعا استثنائيا، حيث سجلت مؤشرات الأسهم أداء قويا، وعوضت السلع شديدة التأثر بالعوامل الدورية عن خسائرها السابقة لتحقق ارتفاعات جديدة في وقت قصير نسبيا.
وبين أن سندات الخزانة الأمريكية التي تتأثر بشدة بعوامل الاقتصاد الكلي أكدت هذه الخلفية الإيجابية، خصوصا بعد أن أدت المخاوف من الركود والصدمة الناتجة عن كورونا /كوفيد-19/ إلى انخفاض عائدات سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات بشكل حاد لأكثر من عام، حيث بدأ الانتعاش الاقتصادي يعزز العائدات بشكل كبير في الفترة بين أغسطس 2020 وأبريل 2021.
تراجع المخاوف
وذكر أنه بعد أن استقرت العائدات لبضعة أشهر بين مايو وديسمبر 2021، ارتفعت مجددا على خلفية تراجع المخاوف بشأن متحورات كورونا في الغرب، وتجدد المخاوف بشأن التضخم، وانتقال بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى "التشديد".
ومع ذلك، فإن منحنى عائد سندات الخزانة الأمريكية، أو الفارق بين العائدات قصيرة الأجل وطويلة الأجل، يوضح تفاصيل أكثر دقة على المستوى الكلي. فخلال الفترة من أغسطس 2020 إلى أبريل 2021، ظلت عائدات السندات تشير إلى استمرار العوامل الإيجابية الداعمة للاقتصاد الأمريكي، فقد اتسع الهامش الرئيسي بين سندات الخزانة لأجل 10 سنوات وسندات الخزانة لأجل سنتين، مما أدى إلى انحدار جيد من منحنى العائد، وكان ذلك دليلا إيجابيا على حدوث توسع اقتصادي، حيث إن انخفاض العائدات قصيرة الأجل في المنحنى يعني ضمنا وجود تحفيز نقدي، بينما يشير ارتفاع عائدات السندات الأطول أجلا إلى تعزز توقعات النمو أو التضخم.
تزايد المخاطر
وعلاوة على ذلك، ارتفعت نسبة السعر بين سندات الشركات ذات العائد المرتفع وسندات الخزانة الأمريكية، مما يشير إلى تزايد شهية المخاطرة بين مستثمري السندات أو وجود بيئة من "الإقبال على المخاطر".
ولفت تحليل "كيو ان بي QNB"، إلى أن أسواق السندات بدأت تتصرف بشكل مختلف بعد أبريل 2021، مع استقرار منحنى العائد وتراجع الرغبة في المخاطرة.
وتسارعت هذه العملية بعد اجتماعات لجنة السوق المفتوحة التابعة لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في يونيو وديسمبر 2021، عندما فاجأ بنك الاحتياطي الفيدرالي السوق بموقف أكثر "تشددا" وتوجيهات لبدء عملية "تطبيع السياسة النقدية" بشكل أسرع.