بعد أن أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، باتت تؤثر بشكل مباشر على حياتنا وتفاعلنا اليومي مع أنفسنا ومع الآخرين. ومع الانتشار الهائل الذي حققته هذه المنصات، ظهرت بعض الجوانب السلبية التي تؤثر على حياتنا وذاكرتنا وذكرياتنا. نسرد في هذا التقرير وجهات النظر المختلفة تجاه تأثير السوشيال ميديا على مدى تذكرنا لأحداث يومنا وذكرياتنا العامة.
السوشيال ميديا تحسّن ذاكرتنا الشخصية
تؤكد دراسة نُشرت في مجلة "علم النفس الإلكتروني والسلوك والشبكات الاجتماعية" أن مشاركة ذكرياتك الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي قد تكون لها فائدة إضافية في مساعدتك على تذكر تلك اللحظات.
ووجد الباحثون أن التجارب الشخصية تتحسن عند نشرها على السوشيال ميديا تصبح ذكريات يَسهُل تذكرها. فمن المرجح أن يتذكر الناس التجارب التي يشاركونها أو ينشرون عنها على السوشيال ميديا سواء بالكتابة أو بالتصوير. هذا بالتحديد هو ما يسمى "تأثير الذاكرة" لوسائل التواصل الاجتماعي على ذكريات السيرة الذاتية؛ إذ يَسهُل على الشخص الذي يشارك الحدث على وسائل التواصل الاجتماعي تذكره فيما بعد. وجدت دراسة أخرى أيضاً أن نشر أحداث الأسبوع يوماً بيوم على فيسبوك يحسن بشكل ملحوظ مدى تذكر الناس لما فعلوه خلال الأسبوع.
يدفعنا هذا للتساؤل عن السبب وراء ذلك؛ السبب ليس واضحاً بشكل مؤكد، ولكن هناك عدة تفسيرات. واحد منها قد يكون أن الناس أساساً لا ينشرون على مواقع التواصل الاجتماعي إلا التجارب المهمة والتي لا تنسى في حياتهم ولذلك يكونون أكثر قدرة على تذكره. ولكننا، من ناحية أخرى، نرى نسبة ليست قليلة من الشباب صغير العمر يستخدم توتير وإنستغرام وسناب شات بشكل مستمر ومتواصل طوال يومه، سواء لمشاركة حدث مميز في حياته الشخصية أو لمشاركة تفاصيل يومه وروتينه المعتاد. وهو أمر قد يمنعهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي وعيش الحدث نفسه، إذ ينشغلونبتوثيق حياتهم وترسيخ الصورة التي يريدون إظهارها عن أنفسهم أمام متابعيهم. وقد تكون عملية ربط هويتهم الذاتية بالتجارب الشخصية، سواء حقيقة أم مصطنعة، ونشرها على السوشيال ميديا، هذه العملية تجعل تلك الذكريات أقوى وأكثر بروزاً.
تأثير مواقع التواصل على ذاكرتنا ومعايشتنا لتجاربنا الشخصية
تمثل ذاكرتنا، بحسب موقع Psych Central، العمود الفقري لشخصياتنا وتشكل إطاراً لكيفية تعاملنا مع التجارب الجديدة واتخاذ القرارات المستقبلية. لسوء الحظ، تتعرض ذاكرة العصر الحديث لتحديات جديدة مع تدفق وسائل الإعلام الرقمية والسوشيال ميديا إلى حياتنا، والتي لها آثار مهمة على ما يمكننا تذكره. نعم، قد نتذكر أننا عشنا الحدث الفلاني في الماضي بعد أن شاركناه على منصاتنا الاجتماعية، ولكن هل نتذكر تفاصيل الحدث الحقيقية؟ كيف كانت مشاعرنا خلاله؟ كيف عشناه في الواقع؟ وكيف تفاعلنا مع من حولنا؟
في دراسة شهيرة نشرت عام 2013، قام الباحثون بتجربة مع مجموعة من الطلاب. أخذ الباحثون الطلاب إلى رحلة لمتحف كبير، وأعطوا قسماً منهم كاميرات وطلبوا منهم تصوير اللوحات التي أعجبتهم، بينما طلبوا من القسم الآخر الاطلاع فقط إلى اللوحات التي أعجبتهم وأحبوا إطالة النظر إليها. لاحظ الباحثون أن الطلاب الذين انشغلوا بتصوير المتحف واللوحات بشكل عام لم يتذكروا الأعمال الفنية بالقدر الذي تذكره الطلاب الآخرون الذين لم يكن معهم أي كاميرات أو أجهزة لالتقاط الصور. أكد الباحثون أن اعتماد الطلاب على الكاميرا لتذكيرهم بالعمل الفني وبالمتحف أثر على قدرتهم على تذكر الرحلة، ومكان اللوحات، وأكثر ما أعجبهم في تلك اللوحات.
من ناحية أخرى، تتناقض الدراسات التي تؤكد تأثير السوشيال ميديا على تحسين الذاكرة مع دراسات أخرى تربط سهولة الوصول للمعلومات من خلال الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بمشاكلٍ في الذاكرة. أشهرها هي ظاهرة تسمى "تأثير جوجل": وهي انخفاض احتمالية تذكر الأشخاص للمعلومات التي يمكن العثور عليها بسهولة باستخدام جوجل ومحركات البحث الإلكترونية الشبيهة به. تؤكد 4 دراسات أن اعتماد الناس على محرك البحث العملاق جوجل وسهولة الوصول لأي معلومة، صغيرة أو كبيرة أو بسيطة أو معقدة، وعليه تقل قدرتهم على تذكر المعلومات. الأمثلة على ذلك أكثر من أن تعد، فأغلبنا لم يعد يحمل هم تذكر تفاصيل الطريق إلى مكان العمل أو إلى مطعمه المفضل، إذ بإمكاننا الاعتماد على الـGPS وGoogle Maps لنصل إلى المكان الذي نريد. كما أننا نلجأ لمحرك البحث جوجل عندما ننسى اسم الممثل الذي نحب أو المغنية التي غنت الأغنية الفلانية بدلاً من بذل بعض الجهد في محاولة تذكر أسمائهم. هذا بالإضافة إلى أن الكثير من الطلبة في المدارس والجامعات يرون أن جوجل هو الخيار الأمثل حين يحتاجون إلى تذكر أي حدث تاريخي لا يتذكرون تفاصيله أو زمنه وفي البحث السريع عما يريدون معرفته.