يبدأ حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى زيارة دولة لمملكة إسبانيا الصديقة، وذلك في إطار جولة سموه الأوروبية.
ويلتقي سمو الأمير المفدى خلال الزيارة مع جلالة الملك فيليب السادس ملك إسبانيا، لبحث مجمل العلاقات الوطيدة بين البلدين الصديقين وسبل دعمها وتطويرها في مختلف المجالات.
وتشكل زيارة سمو الأمير لمدريد والمباحثات التي ستجرى خلالها والاتفاقيات التي ستوقع أثناءها مناسبة هامة لتطوير وتعزيز علاقات الشراكة بين الطرفين وفتح المزيد من الآفاق الرحبة أمامها بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين وشعبيهما الصديقين.
علاقات تاريخية
وترتبط دولة قطر ومملكة إسبانيا بعلاقات تاريخية تستمد عمقها وقوتها من العلاقات القائمة بين حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى وجلالة ملك إسبانيا، وقد شهدت العلاقات الثنائية خلال السنوات الأخيرة تطورًا كبيرًا شمل مختلف الأصعدة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية.
بدأت مسيرة علاقات الشراكة المتنامية والقوية بين دولة قطر ومملكة إسبانيا منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1972، ثم جاء افتتاح السفارة القطرية بمدريد عام 1981، وتمثلت أهدافها منذ البداية بدفع عجلة العلاقات الثنائية وتعريف الساسة ورجال الأعمال الإسبان بدولة قطر وسياساتها وإمكاناتها ومواقفها.
كما تحرص السفارة على تقوية العلاقات الاقتصادية بين الطرفين من أجل تحقيق التنوع بمصادر الدخل بما يتوافق مع رؤية دولة قطر 2030 ويحقق في نفس الوقت لمملكة إسبانيا المنفعة عبر المزيد من التعاون والتبادل التجاري والاقتصادي وزيادة الاستثمارات الأجنبية. وقد نظمت السفارة العديد من النشاطات الرامية لتوطيد العلاقات بين الدولتين، حيث نظمت عدة رحلات لرجال الأعمال وأعضاء الأحزاب السياسية الإسبانية إلى دولة قطر، كذلك تم تنظيم رحلات للوفود القطرية إلى إسبانيا، وازدادت أهمية هذه النشاطات والفعاليات خلال السنوات الأخيرة في ظل المتغيرات الدولية علاوة على الدور السياسي والاقتصادي البارز الذي أصبحت تلعبه قطر على الصعيدين العربي والدولي.
تبادل الزيارات
وتحرص دولة قطر ومملكة إسبانيا على التواصل المستمر، والزيارات المتبادلة وعلى أعلى المستويات من جانب الوفود والمسؤولين القطريين ونظرائهم الإسبان، وقد استقبل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، جلالة الملك فيليب السادس ملك إسبانيا بمقر الوفد الدائم لدولة قطر لدى الأمم المتحدة في نيويورك، وذلك على هامش الدورة الحادية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة. وجرى خلال المقابلة بحث العلاقات الثنائية والسبل الكفيلة بتطويرها في شتى المجالات لتعزيز التعاون القائم بين البلدين.
وفي سبتمبر الماضي استقبل حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى، بمكتب سموه بالديوان الأميري، سعادة السيد خوسي مانويل الباريس بوينو وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون بمملكة إسبانيا الصديقة، والوفد المرافق له بمناسبة زيارته للبلاد، وتم خلال المقابلة استعراض علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين وآفاق تعزيزها، بالإضافة إلى مناقشة المستجدات الإقليمية والدولية، خاصة الأوضاع في أفغانستان، وفي هذا الشأن نقل سعادة الوزير شكر وتقدير جلالة ملك إسبانيا ودولة السيد بيدرو سانشيز رئيس الوزراء، لسمو الأمير المفدى على دور دولة قطر ومساهمتها الفعالة بعمليات إجلاء المواطنين الإسبان، وجهودها في دعم عملية السلام بأفغانستان.
كما اجتمع سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، مع الوزير الإسباني، واستعرض معه علاقات التعاون بين البلدين، والأوضاع الإنسانية في أفغانستان وآخر التطورات الميدانية هناك بشقيها الأمني والسياسي.
زيادة التنسيق
وفي أكتوبر من عام 2020، وبهدف زيادة التنسيق بين البلدين الصديقين، عقدت جولة مشاورات سياسية بين وزارتي الخارجية بدولة قطر ومملكة إسبانيا، عبر تقنية الاتصال المرئي، تم خلالها استعراض العلاقات الثنائية والموضوعات ذات الاهتمام المشترك. وهناك مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تنظم العلاقات بين الدوحة ومدريد تشمل الثقافة والشباب والرياضة والسياحة والنقل الجوي وأمن الطاقة.
وقد شهدت العلاقات القطرية الإسبانية تطورًا كبيرًا خلال السنوات القليلة الماضية، خصوصا في المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية والرياضية والسياسية أيضًا.
وفي يناير من العام الماضي عقدت رابطة رجال الأعمال القطريين اجتماعًا عبر تقنية الاتصال المرئي مع اتحاد رجال الأعمال الإسباني لتوقيع مذكرة تفاهم والإعلان عن إطلاق مجلس الأعمال القطري الإسباني المشترك، الذي يضم نخبة من رجال الأعمال بالبلدين ويهدف لفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات الاقتصادية بينهما عبر تشجيع التبادل التجاري والاستثمار بشتى المجالات والقطاعات الإنتاجية والخدمية، وتوفير آلية للتعاون المشترك.
شريك استراتيجي
وتعد قطر شريكًا استراتيجيًا لإسبانيا، كما يتضح من أرقام التجارة والاستثمار، إذ يبلغ عدد الشركات الإسبانية التي تعمل حاليا بالسوق القطرية حوالي 210 شركات من بينها 23 شركة مملوكة بالكامل للجانب الإسباني، ويقدر حجم الاستثمارات القطرية في إسبانيا بواحد وعشرين مليار يورو، وتشمل قطاعات عدة مثل الطاقة والرياضة والاستثمار العقاري كما أن جهاز قطر للاستثمار يعد ثاني أكبر مساهم في البورصة الإسبانية.
وقد زادت قطر حصتها لتصبح من أهم مزودي الغاز الطبيعي لإسبانيا، وبلغ حجم التبادل التجاري القطري - الإسباني خلال الفترة من يناير حتى نوفمبر 2020 حوالي 750 مليون دولار على الرغم من الأزمة الاقتصادية العالمية.
وتعتبر إسبانيا وجهة جاذبة للاستثمارات لأنها البوابة الطبيعية لأوروبا والبحر الأبيض المتوسط وأمريكا اللاتينية الأمر الذي يوفر لقطر شريكا موثوقا به لفتح الأبواب أمام الاستثمار بأسواق جديدة، وبالمقابل نجحت بيئة الاستثمار القطرية في جذب العديد من الشركات الإسبانية، التي تعمل وتساهم بمشاريع البنية التحتية المرتبطة بكأس العالم FIFA قطر 2022، ومعالجة المياه وقطاع الرقمنة والتعليم، وتتمتع الشركات الإسبانية بقدرتها التنافسية بالقطاعات المختلفة خاصة قطاعات التنمية المستدامة، والاقتصاد الأخضر، والبنية التحتية والرياضة، وتستطيع أن تساهم بتحقيق التنوع الاقتصادي الذي تطمح له دولة قطر وتعمل على تحقيقه.
وتشمل علاقات التعاون المتنامية بين البلدين القطاعات الفنية والثقافية عبر تنظيم العديد من النشاطات والفعاليات مثل الأسابيع الثقافية والمعارض والحفلات الموسيقية.
فمن الناحية الثقافية، تعد إسبانيا ثالث بلد بالعالم من حيث عدد مواقعها المدرجة بقائمة اليونسكو للتراث العالمي، بعد الصين وإيطاليا، ويتحدث الإسبانية أكثر من 400 مليون شخص بأمريكا اللاتينية.
وتضم إسبانيا عددًا كبيرًا من الجامعات العامة والخاصة، ويعد بعضها من أقدم الجامعات بالعالم، وإسبانيا من البلاد المتفوقة والمتميزة في المجال الرياضي، حيث حازت على عدد من البطولات العالمية، وتعتبر كرة القدم الرياضة الأكثر شعبية هناك، وتنظر إسبانيا بتقدير بالغ للعمل الذي تقوم به دولة قطر في الإعداد لبطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، وتتمنى لها النجاح في تنظيم هذا الحدث العالمي الكبير، وقد عبرت على لسان كبار مسؤوليها عن استعدادها للمساعدة بالخبرات اللازمة في هذا الإطار.
وإسبانيا دولة أوروبية، تطل على البحر المتوسط والمحيط الأطلنطي، تزيد مساحتها قليلا عن خمسمئة ألف كيلو متر مربع، وعدد سكانها أكثر من ستة وأربعين مليون نسمة، وهي ثاني أكبر دولة في غرب أوروبا بعد فرنسا، والاقتصاد الإسباني خامس أكبر اقتصاد بأوروبا بعد ألمانيا والمملكة المتحدة وإيطاليا وفرنسا.
ويستند الاقتصاد الإسباني على أربع قطاعات وهي السياحة والتصنيع والزراعة والطاقة، وتشكل عائدات السياحة حوالي أحد عشر بالمئة من ناتجها العام، وهي ثالث المقاصد والوجهات السياحية العالمية، حيث يزورها سنويا أكثر من خمسة وسبعين مليون سائح، وهي مقر منظمة السياحة العالمية.
وتمتلك إسبانيا أكثر الموانئ انشغالا في البحر المتوسط بمدينة فالنسيا، وثاني أطول شبكة سكك حديدية بالعالم بعد الصين، ويبلغ طولها 3567 كيلومترا.