أكد سعادة السيد فهد بن محمد العطية سفير دولة قطر لدى المملكة المتحدة، أن زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، إلى بريطانيا تعزز أواصر الروابط التاريخية بين البلدين، وترفع التعاون المشترك بينهما إلى مستويات أرحب في مختلف المجالات.
محطة لانطلاقات أوسع
وقال سعادته في تصريحات لوكالة الأنباء القطرية (قنا): إن هذه الزيارة تُعَد الأولى بعد جائحة كورونا (كوفيد - 19)، مضيفًا أن زيارة سمو الأمير مُرحَّب بها دائمًا من الجانب البريطاني، وتكون دائمًا محطة لانطلاقات أوسع لدفع مسيرة التعاون المشترك إلى آفاق أكبر وأوسع، وبالتالي نعمل على أن تكون هذه الزيارة ناجحة بكل المقاييس، حيث ستكون هناك نقاشات بشأن العديد من مجالات التعاون، سواء كانت على المستوى الثنائي أم الإقليمي، إلى جانب التطرق إلى الكثير من الملفات التي تهم البلدين.
وحول نظرة دوائر صُنع القرار في بريطانيا لزيارة سمو الأمير، قال سعادة السفير: إنه يتم النظر إليها بعين من الترحيب والاهتمام الكبيرين، حيث ترى دوائر صُنع القرار أن هذه الزيارة تأتي في وقت حرج، خاصة في ظل الأوضاع الجيوسياسية في شرق أوروبا، بما يحتم على العالم التعاون المشترك لنزع فتيل الأزمات التي قد تتطور وتتعدى الحدود الضيقة، فالأزمة بين روسيا وأوكرانيا ليست أزمة محلية، وإنما أزمة عالمية أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة في العالم، وطفرة في أسعار الغذاء كنتيجة مباشرة للحرب والصراع القائم.
وأضاف: "أيضًا هناك صراع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وكيف لهذا النزاع أن يستمر بعد مرور أكثر من 70 عامًا من الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، حيث يأتي دور قطر للتحاور مع بريطانيا والقوى الكبرى في العالم؛ من أجل تمكين حق الفلسطينيين في أرضهم وحقوقهم المشروعة"، مشيرًا إلى أن هذه الزيارة تأتي لتسليط الضوء ورفع مستوى التعاون في هذه النزاعات لإيجاد حلول جذرية تحقق السلام والاستقرار الدائم.
قطر سبَّاقة في الوساطة
وحول دور دولة قطر في قضية الملف النووي بين إيران والغرب، وهل سيكون على طاولة المفاوضات خلال زيارة سمو الأمير للندن؟ قال: إن الجميع يعلم أن قطر سبَّاقة في الوساطة لحل النزاعات في العالم، وأن الملف الإيراني من أهم الملفات الشائكة في المنطقة، والذي سبّب كثيرًا من المعضلات في مسألة الاستقرار بالمنطقة، ومن ثم فإن التوصل لحل للنزاع النووي الإيراني بشكل جذري سيكون من مصلحتنا ومصلحة المنطقة بشكل كامل.
وأضاف أن دور دولة قطر يتركز في خلق أفق سياسي يمكن الوصول من خلاله لحل نهائي لهذه الأزمة، ودولة قطر ترى دائمًا ضرورة إيجاد حل جذري للملف النووي الإيراني مع الدول الأعضاء الأخرى المنخرطة في التفاوض مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والأمم المتحدة، ومن المتوقع التطرق لهذا الملف خلال زيارة سمو الأمير لبريطانيا، لمحاولة التوصل إلى تفاهمات مشتركة بين الجميع، تُسهّل الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، حيث يأتي دور قطر مكملًا للدور الدولي وداعمًا للوصول إلى حل لهذا الملف.
وعن الحوار الاستراتيجي المقرر بين البلدين، قال: إنه لم يتم عقد الحوار الاستراتيجي بعدُ، ولكن سيتم عقد الاجتماع الأول للحوار الاستراتيجي بين قطر وبريطانيا عقب زيارة سمو الأمير، مضيفًا أن هذا الحوار يأتي تجسيدًا لأهمية العلاقات بين البلدين، فبريطانيا والولايات المتحدة هما الدولتان اللتان توجد لهما منصة للتفاهم تحت اسم الحوار الاستراتيجي، حيث سيشمل هذا الحوار كل المجالات السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والثقافية، والتعليمية، والرياضية، وأوجه التعاون كافة، وسيكون من أولوياته النظر في كيفية رفع مستوى التعاون المشترك في هذه الأطر كافة، "ونحن في انتظار تحديد التواريخ من الجانبين، وأتوقع أن يكون ذلك في النصف الثاني من شهر يوليو".
تطور مستمر
ولفت سعادة السيد فهد بن محمد العطية سفير دولة قطر لدى المملكة المتحدة في تصريحاته لـ(قنا) إلى أن العلاقات القطرية - البريطانية تشهد تطورًا مستمرًّا في المجالات السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والرياضية، والثقافية، مشيدًا في الوقت نفسه بالتعاون الإقليمي بين البلدين.
وأشار سعادة السفير إلى أن هناك تعاونًا كبيرًا أيضًا في المجالات العسكرية والأمنية، مضيفًا: "يمكنني أن أقول إن العلاقات القطرية - البريطانية لم تبدأ منذ 50 عامًا فقط، بل بدأت قبل هذا التاريخ بأكثر من قرن من الزمان.. فالعلاقة بدأت بالاتفاقية الأولى مع الجانب البريطاني في عام 1868، ومنذ ذلك الوقت تتطور العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، وعلى صعيد التعاون الإقليمي".
وأشار إلى وجود أوجه كثيرة للتعاون الثنائي؛ أهمها في مجال الطاقة، حيث تُعَد دولة قطر من أهم الدول التي يعتمد عليها الجانب البريطاني في توريد مصادر الطاقة النظيفة، لا سيما الغاز المسال الطبيعي الذي يُعَد أهم مورد بالنسبة لبريطانيا.
ولفت إلى أن دولة قطر استثمرت منذ ما يقارب 20 عامًا في تطوير هذه العلاقة مع بريطانيا، لتشمل مجالات أخرى من الطاقة النظيفة، مضيفًا أن هناك تعاونًا مهمًّا بين البلدين في مجالات اقتصادية واستثمارية، حيث تُعَد قطر من أكبر المستثمرين في الاقتصاد البريطاني، كما يوجد أيضًا ثاني أكبر عدد جالية بريطانية بقطر على مستوى دول الخليج، إلى جانب عمل أكثر من 2300 شركة بريطانية مسجلة في الدوحة في النشاط الاقتصادي، وهو ما يعكس قوة ومتانة العلاقات بين البلدين في الجوانب الاقتصادية.
الطاقة مصدر مهم
وبشأن وجود اتفاقيات جديدة خاصة في مجال الطاقة على خلفية الوضع في أوكرانيا، قال: إن التعاون بين البلدين مستمر بغض النظر عن النزاعات السياسية في العالم، حيث تقوم سياسة دولة قطر على عدم تسييس قطاع الطاقة، فالطاقة مصدر مهم للجميع، وأثبت التاريخ أن قطر مصدر يُعتَمد عليه في هذا الصدد، وأننا من الدول التي لا تقحم النزاعات السياسية في هذا المنتج الذي هو من الموارد الاستراتيجية الدولية.
وأكد أن تطور العلاقات الثنائية في مجال الطاقة لا يقتصر على الغاز فقط، لافتًا إلى أنه تم الاستثمار العام الماضي مع شركة رولز رويس في مجال إنتاج الكهرباء من الطاقة النظيفة، لتصبح انطلاقة جديدة للتحول إلى طاقة خالية من الكربون، وهو مجال توليه قطر اهتمامًا، حيث نظمت عام 2012 مؤتمر الأمم المتحدة لتغيّر المناخ "كوب 18"، والذي كان من أهم المحطات التي تعكس اهتمام الدولة بهذا المجال البيئي والتغيّر المناخي، مضيفًا: "نحن سبّاقون، وبالتالي نجد أن هناك فرصًا للتعاون مع الجانب البريطاني في مجال الطاقة النظيفة".
وحول استثمارات قطر في مجال الطاقة النظيفة عبر شركة رولز رويس، التي تعتزم إنشاء مفاعلات نووية صغيرة قادرة على إنتاج الكهرباء، وهل يمكن أن تحصل قطر في القريب العاجل على جزء من إنتاج هذه الشركة للتحول إلى الطاقة النظيفة بالكامل؟ قال: إن هذا المشروع يُعَد من أهم الاستثمارات القطرية في مجال الطاقة النظيفة، وتسعى قطر دائمًا إلى تنويع مصادر الطاقة، وتخفيف الانبعاثات الكربونية، حيث يأتي هذا المشروع تنفيذًا لهذه الاستراتيجية، وعند انتهائه سيكون بإمكان دولة قطر ودول العالم كافة الحصول على هذه المفاعلات الصغيرة القادرة على إنتاج الكهرباء، فضلًا عن وجود مشروع قطري كبير لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في منطقة الخرسعة.
تعاون تجاري
وبخصوص التعاون التجاري بين البلدين، أشار سعادته إلى أن التجارة البينية زادت فوق الخمسين في المئة خلال العامين الماضيين، مضيفًا أنها كانت تتعلق أكثر بمجال الطاقة، معربًا عن أمله في أن تزيد التجارة البينية بين البلدين في المستقبل، لتشمل مجالات أخرى غير الطاقة، الأمر الذي سيدعم العلاقات التي بُنيت على مدار عقود مع الجانب البريطاني، ويجعلها تنمو في مجالات أخرى.
وحول المكتب الاقتصادي الجديد في الدوحة وانعكاسه على العلاقات الاقتصادية، قال: إنه منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وهي تحاول إيجاد منصات منفردة لتطوير علاقاتها الاقتصادية مع العالم، مشيرًا إلى أن هذا المكتب يأتي في إطار هذه السياسة، كما أن هناك أيضًا حوارًا خليجيًّا بريطانيًّا لإنشاء منطقة تجارة حرة بين الجانبين.
وفي المجال التعليمي والثقافي، قال: إنه يوجد أكثر من 4 آلاف طالب قطري في بريطانيا، حيث تُعَد المحطة الأولى في التعليم للقطريين، فضلًا عن التعاون الكبير مع الجامعات البريطانية في الاختصاصات كافة.
وفيما يخص المجال الرياضي، قال سعادة السفير: إن هناك تعاونًا فيما يتعلق بتنظيم كأس العالم FIFA قطر 2022 ، حيث عملت العديد من الشركات البريطانية مع قطر في هذا الشأن لإنجاز استضافة البطولة في أفضل صورة أمام العالم.
وتابع: "سنثبت للعالم أننا سننظّم أفضل نسخة للبطولة، ويكمن التعاون بين البلدين في التعاون الفني سواء في المجالات التنظيمية أو الأمنية في حماية تنظيم كأس العالم".