خصص مؤتمر الدوحة لحوار الأديان في نسخته الرابعة عشرة التي انطلقت اليوم الثلاثاء، جلسة عامة لمناقشة أسباب ظاهرة خطاب الكراهية ودوافعها، وسبل مواجهتها على صعيد المجتمعات المحلية والعالمية.
وركز المشاركون خلال الجلسة التي عقدت تحت عنوان "خطاب الكراهية.. الأسباب والدوافع والمخاطر"، على تشخيص الأسباب الكامنة وراء تفشي هذه الظاهرة، سواء ما كان منها ذا طابع سياسي، أو فهم مغلوط للنصوص الدينية، أو التعصب والسلطوية أو التصورات الخاطئة عن الآخر، وطرحوا بعض المرئيات لمحاصرتها على مختلف المستويات.
ظاهرة خطاب الكراهية
وأجمع المتحدثون على أن ظاهرة خطاب الكراهية تتنامى بشكل خطير في الوقت الراهن.. محذرين مما يترتب عليها من تهديدات تقوض الأمن المجتمعي والسلم العالمي.
وأشاروا إلى أن خطاب الكراهية يتنافى مع المبادئ والتعاليم الدينية، ويتعارض مع القيم الإنسانية، وينتهك حقوق الإنسان، ويقود إلى التطرف والعنف والجريمة المنظمة، ما يهدد السلمي والأمن الدوليين.
وفي هذا السياق، قال الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، وعضو هيئة كبار العلماء بمصر، إن خطاب الكراهية خطر محدق بالإنسانية، وينم عن مذهب منحرف أو تطبيق أعوج لقيم الأديان وتعاليمها السمحة التي تدعو إلى المحبة والسلام.. مشيرًا إلى أن من أسباب خطاب الكراهية "حالة الشك والتربص بين الناس، والتي أفرزتها مفاهيم مغلوطة أصلتها في الناس أجندات مشبوهة وخطط ممولة".
كما حذر من الدعوات العنصرية التي تدعو إلى البغض والإقصاء تحت شعارات حرية الرأي والتعبير.. وقال "حرية الرأي والتعبير حق كفلته الأعراف والمواثيق الدولية لكنها قد تكون سببا في نشر خطاب الكراهية حين تختبئ وراء الحرية روح عنصرية".
الاستغلال السيئ للأديان
بدوره قال السيد فيصل بن عبدالرحمن بن المعمر الأمين العام لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، إن الأديان لم تكن يومًا جزءًا من المشكلة، بل هي دومًا جزء من الحل، وإن الانحرافات الراهنة نجمت عن الاستغلال السيئ للأديان.
إلى ذلك، قال الشيخ الدكتور محمد أحمد حسين المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، إن الخروج عن القيم التي جاءت بها الأديان أدى إلى ظهور خطاب كراهية مظلم.. مرجعا ذلك إلى الجهل بالدين، والتأويل الخاطئ للنصوص والتعصب المقيت، والشعور بالظلم تجاه قضايا سياسية واجتماعية ودينية وغير من ذلك من الأسباب.
وأضاف أن خطاب الكراهية أفضى إلى شر مستطير تفشى في أصقاع العالم أجمع، واستُهدفت به الأقليات الدينية والاثنية والعرقية والأجانب، وكان سببًا في حروب استعرت في بلدان عديدة وأعمال إرهابية هزت العالم.
ونبه إلى أن خطاب الكراهية يزداد خطورة عند صدوره من القيادات السياسية والدينية فتصبح الحاجة ماسة إلى الحزم، وإزالة أستار تدليسه على الناس مع معالجة أسبابه وتجفيف منابعه.
مشكلة أمنية
وبدورها رأت الدكتورة مريم آيت أحمد رئيسة قسم حوار الأديان والثقافات بجامعة ابن طفيل في المغرب، أن خطاب الكراهية يعد مشكلة أمنية في حد ذاتها، كونه من أخطر مهددات الأمن العام والسلم الاجتماعي خصوصا في هذه المرحلة من تاريخ العالم التي تتسم بالصراع الحضاري السياسي الضمني والمكشوف.
إلى ذلك، قال القس مالخاز سونجو شفيلي من الكنيسة الجورجية، إن الأديان بريئة من ظاهرة خطاب الكراهية، لكن الاستغلال السيئ للدين هو الذي قاد إلى هذه الظاهرة.. لافتا إلى أن الحروب التي شهدها ويشهدها العالم لم تكن سوى نتيجة لخطاب الكراهية والحقد الأعمى.
ودعا المتحدثون إلى مواجهة خطاب الكراهية من خلال تفعيل دور المؤسسات التربوية والدينية والإعلامية والمجتمعية للقيام بدورها في التنشئة الاجتماعية وتحفيز قوى المجتمع نحو التعاون والمحبة والسلام.
كما حثوا على استقصاء أسباب ودوافع خطاب الكراهية، وتقصي المفاهيم المسؤولة عن هذا الخطاب، مشددين على ضرورة تضافر الجهود الحكومية والأهلية من أجل المواجهة الواعية مع هذه الظاهرة الخطيرة.
تضافر جهود المؤسسات الدينية
ونبهوا أيضًا إلى ضرورة تضافر جهود المؤسسات الدينية والمراكز المعنية بالحوار للتضامن والحديث بصوت واحد في المحافل العالمية وطرق باب المنظمات الدولية من أجل وضع حد لخطابات الكراهية التي أصبحت ظاهرة مقلقة تقود إلى العنف والجريمة، بما انعكس سلبًا على العلاقات بين أتباع الأديان والطوائف المختلفة وعلى أوضاع الأقليات الدينية في دول مختلفة حول العالم.
وخصص مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان مؤتمره هذا العام لموضوع "الأديان وخطاب الكراهية بين الممارسة والنصوص"، في محاولة لاستعراض أسباب هذه الظاهرة التي تنامت في السنوات الأخيرة بشكل خطير، وبحث سبل مواجهتها قانونيًا ودينيًا وأخلاقيًا.
ويركز المؤتمر على ثلاثة محاور أساسية يتعلق الأول بخطاب الكراهية من حيث مفهومه وأسبابه ودوافعه، ويتناول المحور الثاني أنماط وأشكال خطاب الكراهية، بينما يركز المحور الثالث على بحث وسائل مواجهة هذا الخطاب.