يقول يورغن أورستروم مولر وزير الدولة السابق للخارجية الملكية الدانماركية إنه من غير المستبعد عودة الأزمة المالية التي عصفت بالعالم عام 2008-2009، لافتا الانتباه إلى أن الولايات المتحدة تمتص رأس المال من بقية العالم لحل مشاكلها الاقتصادية المحلية، ويتوقع ألا يكون ذلك متاحا المرة المقبلة.
ويوضح الوزير -في مقال له بموقع "ذا ناشونال إنترست" الأميركي (National Interest)- أن إدارة الرئيس جو بايدن أطلقت أكبر توسع مالي على الإطلاق من خلال ضخ 1.9 تريليون دولار في الاقتصاد، وهو ما يعادل حوالي 9% من الناتج المحلي الإجمالي، والجائزة المنشودة هي النمو الاقتصادي عام 2021 بنسبة 6.4%، و3.5% عام 2022، وسيتم خفض معدل البطالة إلى النصف من 8.1% إلى 4.2% إذا سار التوسع المالي وفقا للخطة، لكن هل يمكن أن يحدث هذا؟
تأثير مدمر
ويستمر مولر قائلا إن التأثير على المالية الفدرالية، التي تعاني بالفعل من ضائقة شديدة، سيكون مدمرا، فالعجز الفدرالي بلغ 14.9%، عام 2020، من الناتج المحلي الإجمالي. ومن المتوقع أن يكون حوالي 10% لعام 2021، و4.6% عام 2022، وحتى مع نظرة مستقبلية وردية نسبيا لمستويات النمو ومعدلات الفائدة، فسوف يتقلب بين 3.6% و%5.7 على مدار العام خلال العشر سنوات القادمة.
عام 2019، شكلت الولايات المتحدة 41% من عجز المدخرات العالمية، لكن في ذلك الوقت، كان العجز في الحساب الجاري لميزان المدفوعات 2.2%، ومع توقع 3.9%، يشير الاستقراء إلى 60% و70% عام 2021.
وأشار الكاتب إلى أن الولايات المتحدة تمتص رأس المال من بقية العالم لحل مشاكلها الاقتصادية المحلية. والمدينون الآخرون، وخاصة البلدان النامية، ليس لديهم الكثير من الخيارات، ولكننا نرى أن مدخرات هؤلاء المدينين يتم تحويلها إلى الولايات المتحدة رغم الضرر الذي يلحق باقتصادهم، والنمو الأعلى للولايات المتحدة يعني ارتفاع وارداتها، مما قد يساعد البلدان الأخرى، ولكن بشكل أساسي البلدان الصناعية والغنية بالموارد، مما يترك البلدان الضعيفة، الأقل نموا، بحالة ركود، وهي الأكثر احتمالا للتخلف عن السداد.
تقاعس الاحتياطي الفدرالي
تقول سياسة استهداف التضخم المتوسط لنظام الاحتياطي الفدرالي إن التضخم قد يتجاوز 2% بشكل متواضع ومؤقت لتعويض التضخم المنخفض السابق، ويتبنى مجلس الاحتياطي الفدرالي وجهة نظر معتدلة مفادها أن الارتفاع بنسبة 4.2% في مؤشر أسعار المستهلك لأبريل/نيسان الماضي يتوافق مع هذه السياسة، وقد يكون الاتجاه أقل ملاءمة، فقد كان متوسط التضخم الشهري بين يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان الماضيين 2.5% مقارنة بمتوسط شهري لعام 2020 عند 1.2%، وقد انزعج السوق بسبب تقاعس بنك الاحتياطي الفدرالي، وقد ارتفع معدل الخزانة لأجل 10 سنوات خلال العام الماضي من 0.58% إلى 1.58%.
ويشكك الكاتب في أنه إذا استمر الاتجاه في مؤشر أسعار المستهلك وسعر الخزانة لمدة 10 سنوات فلن يستطيع الاحتياطي الفدرالي التوقف، وقد يكون الاقتصاد الأميركي قادرا على تحمل ارتفاع أسعار الفائدة، على الأقل في المدى القصير.
ولكن قد لا يستطيع ذلك عدد كبير من البلدان، خاصة تلك الضعيفة بالفعل، ونظرا لأن المال لا يمكن أن يكون في مكانين في نفس الوقت، فإن البلدان النامية التي تواجه عبء ديون رهيبا لن تحصل على الأموال لتلبية احتياجاتها الأساسية، وقد تكون النتيجة سيئة.
تفاقم المديونية
إن الدين الخارجي للبلدان النامية يقترب الآن من ثلث الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع أن يرتفع أكثر، وقد يتوقع المرء تقلص المديونية منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008-2009، لكن لم يتم فعل أي شيء من هذا القبيل، لقد تضاعف الدين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، واتخذت تركيبة الدائنين منعطفا نحو الأسوأ، وقبل 10 سنوات، كان هناك ما يقرب من نصف الديون المستحقة لدائنين من القطاع الخاص، والآن حوالي ثلثي الدين مستحق لدائنين من نفس القطاع.
وإذا واجه المدينون المحليون مشكلة، فسيتعين على الحكومة أن تنقذ ولكنها لا تملك المال، ولن ينفتح الباب أمام المؤسسات المالية العالمية لأن الحكومات نفسها مثقلة بالديون.
وسيتردد صدى تخلف معظم الدائنين عن السداد، وهم مؤسسات مالية خاصة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك من يعانون حالات التخلف عن السداد الرئيسية بالولايات المتحدة، من خلال ميزانياتهم العمومية التي تعاني بالفعل من ضغط الاقتصاد المحلي، وقد تكون النتيجة عودة أزمة 2008-09، وفي العادة يُطلب من الحكومة أن تتصرف كمقرض الملاذ الأخير (لأنها أكبر من أن تسقط) لكن هذه المرة الحكومة الأميركية مثقلة بالديون.
وينتهي المقال بأن النتيجة ستكون أن الولايات المتحدة يجب أن تقبل تقصير المؤسسات المالية الكبرى لتسمح باستمرار الحياة.