نشرت صحيفة " واشنطن بوست" مقالاً لأستاذ العلوم السياسية والشؤون العامة ومدير الدراسات الأوروبية بجامعة ويسكونسن الأميركية مارك كوبيلوفيتش، سلط الضوء خلاله على صحة التكهنات الواسعة التي تقوب بأن الدولار الأمريكي سيفقد دوره المهيمن كعملة أولى في العالم.
وقال مارك "إن هذه التكهنات تنتشر كثيرا وقت التغيرات الكبيرة والأزمات والحروب والكوارث، فقد انتشرت عندما تولى الرئيس الأميركي جو بايدن منصبه، وعندما انتشرت جائحة "كوفيد-19″، وعندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على روسيا عقب استيلائها على شبه جزيرة القرم، وخلال الأزمة المالية عام 2009، وحاليا بسبب الحرب في أوكرانيا.
العملة الاحتياطية
وأوضح الكاتب أن الدولار لم يفقد وضع العملة الاحتياطية، والعملات الاحتياطية هي العملات التي تحتفظ بها الحكومات والبنوك المركزية والمؤسسات الخاصة على نطاق واسع لإجراء التجارة الدولية والمعاملات المالية، ويشترك الدولار في هذا التمييز مع عدد قليل فقط من العملات الرئيسية الأخرى، بما في ذلك اليورو والين الياباني والفرنك السويسري والجنيه الإسترليني والدولار الكندي والدولار الأسترالي والرنمينبي الصيني.
وأكد أن وضع الدولار باعتباره العملة الاحتياطية العالمية المهيمنة، أصبح الآن أقوى من أي وقت مضى وأصبح أكثر رسوخا في أعقاب جائحة فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية.
واستمر كوبيلوفيتش ليقول إن الدولار ليس فقط عملة احتياطية عالمية، بل هو العملة الاحتياطية العالمية المهيمنة، ففي عام 2019، كان 62% من احتياطيات النقد الأجنبي الرسمية للحكومة/البنك المركزي بالدولار على نطاق العالم، وجاء اليورو ثانيا في الترتيب عند 20%، والين الياباني في المرتبة الثالثة عند 5%، والجنيه الإسترليني عند 4.5%، والعملات الأخرى جميعها بما في ذلك الرنمينبي الصيني، كلها أقل من 2%.
سجل هيمنة الدولار
وأضاف أن تقرير بنك التسويات الدولية لعام 2020، سجل هيمنة الدولار بعدة أبعاد؛ فما يقرب من نصف القروض المصرفية عبر الحدود مقومة بالدولار، ثلثها فقط مقوم باليورو، مع قروض بعملات أخرى تمثل أقل من 20%، لكنه أقل هيمنة قليلا في مجالات الاقتصاد العالمي مثل سندات الدين والفواتير التجارية والمدفوعات باستخدام نظام الرسائل المالية (سويفت)، كما أن ما يقرب من 90% من تداول العملات الأجنبية ينطوي على الدولار في جانب واحد من الصفقة.
ببساطة، يقول الكاتب إن الاقتصاد العالمي يعمل بالدولار، كان هذا صحيحا منذ عقود، على الرغم من التكهنات المتكررة بالتغيير الوشيك، وها هي 5 عقود قد انقضت منذ التنبؤات الرهيبة بزوال الدولار، والتي يعود تاريخها إلى عام 1971 على الأقل، عندما أنهى الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون إمكانية تحويل الدولار إلى ذهب.
ومع ذلك، في كل مرة تحدث أزمة مثل الوباء أو حرب أوكرانيا، يزعم الناس أن هذه المرة مختلفة، لكننا شهدنا كيف عزز الوباء مركزية الدولار بدلا من إضعافه.
أسس هيمنة الدولار
وأشار الكاتب إلى أن المتشائمين بشأن الدولار يتجاهلون الأسس العميقة والمتينة لهيمنة الدولار، مثل حجم الاقتصاد الأميركي، والأسواق المالية الخاصة العميقة والسائلة التي لا مثيل لها والحماية القوية لحقوق الملكية في الولايات المتحدة، لأن أميركا أكثر استعدادا بكثير من الاتحاد الأوروبي أو الصين أو اليابان للعمل كملاذ أخير للإقراض في الأزمات المالية العالمية، وبنية الشبكة الهرمية الراسخة بعمق في النظام النقدي والمالي العالمي.
وقال إنه لا توجد دولة أخرى تتمتع بهذه المزايا، ولا توجد عملة أخرى على استعداد لملء هذه الأدوار، فالاتحاد الأوروبي هو أكبر اقتصاد في العالم، لكن منطقة اليورو ليست اتحادا ماليا ولا سياسيا، وهذا يجعل من الصعب إقناع الآخرين بأنه يمكنهم الاعتماد على اليورو في الأوقات الصعبة، والصين آخذة في الصعود، والرنمينبي يتحول ببطء إلى عملة احتياطية عالمية، ومع ذلك، لا تزال الصين تفتقر إلى الأسواق المالية الخاصة العميقة والسائلة، ولا تسمح بالتدفقات الحرة لرأس المال.
وختم كوبيلوفيتش مقاله بأنه قد يأتي يوم يفقد فيه الدولار دوره المركزي باعتباره العملة الاحتياطية العالمية المهيمنة، ولكنه ليس هذا اليوم، بل ليس حتى هذا العقد، ومن المحتمل جدا ألا يكون هذا القرن، ولن يصبح الأمر محتملا حتى يصبح الاتحاد الأوروبي اتحادا ماليا وسياسيا حقيقيا، أو حتى تطور الصين حكومة ليبرالية خاضعة للمساءلة وأسواق مالية خاصة أكثر تطورا وتقبل في النهاية حرية حركة تدفقات رأس المال، ولا يبدو أن أيا من هذه السيناريوهات سيحدث قريبا.