في العام 2007 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاحتفال باليوم العالمي للتوحد، الذي يوافق الثاني من شهر أبريل من كل عام، بناء على اقتراح تقدمت به دولة قطر إلى الجمعية العامة؛ بهدف التوعية بمرض التوحد وتحسين جودة حياة المصابين به، وهو المرض الذي يصيب -وفقا لإحصاءات منظمة الصحة العالمية- واحدا من كل 100 طفل حول العالم باعتلالات متنوعة مرتبطة بنمو الدماغ، مصحوبة بضعف في التفاعل الاجتماعي والتواصل مع الآخرين.
وكان ذلك تحديدا في 26 مارس 2007، عندما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع اقتراحا تقدمت به دولة قطر، لاعتماد يوم عالمي للتوحد في الثاني من أبريل من كل عام، وهو المقترح الذي صادقت عليه الجمعية بموجب قرارها رقم 62 / 139، ما يعكس الحضور القوي والفعال لدولة قطر داخل أروقة الأمم المتحدة.
تنفيذ المقترح القطري
وفي عام 2008، بدأ نفاذ اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وبذلك تم التأكيد من جديد على مبدأ أساسي من مبادئ حقوق الإنسان العالمية للجميع، ويتمثل الغرض منها في تعزيز جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع الأشخاص ذوي الإعاقة وحمايتها، وضمان تمتعهم الكامل بها على قدم المساواة، وتعزيز احترام كرامتهم المتأصلة، وهي أداة راسخة لتعزيز مجتمع يرعى ويشمل الجميع، ويكفل تمكن جميع الأطفال والبالغين المصابين بالتوحد من عيش حياة كاملة وذات مغزى.
وقد تقدمت قطر بالمقترح المذكور يقودها الإيمان العميق بأن الأيام والأسابيع الدولية أداة فعالة لتثقيف الجمهور بشأن القضايا العالمية، وحشد الإرادة السياسية والموارد لمعالجة هذه المشاكل، ويحدوها الأمل في نشر الوعي والتثقيف بخطورة مرض تعتبر معدلات الإصابة به مرتفعة في جميع مناطق العالم، ويترتب على عدم فهمه تأثير هائل على الأفراد والأسر ومجتمعاتهم المحلية.
جهود ذات صلة
وقد كان من نتائج هذه الجهود القطرية أن شجع قرار الجمعية العامة بقية الدول الأعضاء بالأمم المتحدة على اتخاذ التدابير اللازمة لرفع مستوى الوعي حول مرض التوحد في مجتمعاتهم، وتسليط الضوء على حاجة المصابين به للمساعدة في تحسين حياتهم وتقليل معاناتهم؛ حتى يتمكنوا من عيش حياة كاملة وذات مغزى كجزء لا يتجزأ من المجتمع.
وبرعاية الوفد الدائم لدولة قطر لدى الأمم المتحدة وبعثتي بولندا وتركيا ومؤسسة "التوحد يتحدث" ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) وجامعة حمد بن خليفة، تم في شهر مايو الماضي تنظيم حدث افتراضي لبحث ومناقشة موضوع الصحة الرقمية للأطفال الذين يعانون من تأخر النمو والإعاقة" خلال هذا العام، على اعتبار أن تطبيقات الصحة الرقمية والذكاء الاصطناعي والتعليم الآلي تساهم في تحديد، وتقييم احتياجات الأطفال الذين يعانون من تأخر في النمو والإعاقة وتقديم الرعاية والدعم والتدخل بعد تشخيص الحالات في وقت مبكر.
مندوب قطر الدائم بالأمم المتحدة: قطر من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي تم اعتمادها عام 2006
وأكدت سعادة السفيرة الشيخة علياء أحمد بن سيف آل ثاني، المندوب الدائم لدولة قطر لدى الأمم المتحدة، في كلمة افتتاحية لها أمام هذا الحدث، على أن من أولويات دولة قطر دعم الأطفال الذين يعانون من تأخر في النمو والإعاقة.. لافتة إلى أن دولة قطر كانت من أوائل الدول على مستوى المنطقة والعالم التي صادقت في عام 2008 على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي تم اعتمادها في عام 2006.
وأشارت إلى أن دولة قطر من الدول القليلة في المنطقة التي لديها قوانين وسياسات ومؤسسات مناسبة للاستجابة الكاملة لاحتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، وتعزيز اندماجهم الكامل في المجتمع.. موضحة أن القدرات البحثية لجامعة حمد بن خليفة تعمل على إدخال مبتكرات التكنولوجيا، مثل: الذكاء الاصطناعي، والتعليم الآلي على تحسين مدى التعلم، والانتباه للأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد.
الخطة الوطنية للتوحد
وبالموازاة مع الحشد الدولي الذي تزعمته قطر للتوعية بمخاطر المرض وتبنته الأمم المتحدة، سخرت الدولة على الصعيد المحلي كل السبل الممكنة لرعاية الأشخاص ذوي الإعاقة، ومن ضمنهم ذوو التوحد، فدشنت في أبريل 2017 الخطة الوطنية للتوحد الهادفة إلى تحسين سبل حياة الأفراد ذوي اضطراب طيف التوحد وأسرهم، والمتضمنة 44 توصية لتنفيذها كاملة بحلول العام الجاري، منها توصيات ذات علاقة بالأهداف قصيرة المدى تم تنفيذها في العام الأول من إطلاق الخطة.
كما تركز بعضها على برامج عملية وتأهيلية لزيادة الوعي العام، وتسهيل التشخيص المبكر، وتحسين جودة عمليات التدخل والخدمات، بالإضافة إلى استمرارية الرعاية وتطوير هادف في التعليم والمشاركة الاجتماعية.
ويعكس إطلاق الخطة الوطنية للتوحد الاهتمام الكبير الذي توليه دولة قطر لكافة فئات المجتمع، وحرصها على أن يحظى ذوو التوحد بالرعاية والاهتمام الكافيين، وأن توفر لهم الخدمات اللازمة، وتتاح لهم الفرص المناسبة للتعليم والتدريب وممارسة الحياة الطبيعية.
ويبرز في الوقت نفسه جانبا من التزام الدولة بأن يكون للأفراد ذوي التوحد الحق في تلقي الرعاية والدعم حاليا ومستقبلا، والحصول على الفرص نفسها المتاحة لغيرهم، في مجتمع يتقبلهم كما هم، ووفقا لما تشير إليه رؤية قطر الوطنية 2030، في هدف "تأمين استمرار العيش الكريم لشعب قطر جيلا بعد جيل".
اهتمام قطري متواصل
وقد انعكس هذا الاهتمام تقدما ملحوظا في تحقيق أهداف الخطة الوطنية للتوحد، كان من ثماره دمج المصابين في المدارس، وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية كافة لهم، ليبلغ عدد مراكز ذوي الإعاقة نحو 28 مركزا في دولة قطر، تقدم خدمات متنوعة من الرعاية الطبية والتعليمية إلى الإرشاد والتوعية.
كما تجلى في إصدار مجلس الوزراء الموقر القرار رقم (26) لسنة 2019 المتعلق بإنشاء اللجنة الوطنية المعنية بشؤون المرأة والطفل وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة، والتي اشتملت مهامها على "رصد أوضاع حقوق ذوي الإعاقة"، بالدولة ومن بينهم ذوو التوحد، وضمان تطبيق السياسات الداعمة لهم.
وتكشف بيانات جهاز التخطيط والإحصاء بالدولة أن عدد المصابين بطيف التوحد المسجلين بمراكز ذوي الإعاقة في قطر بلغ 1465 شخصا في العام 2020، بواقع 599 قطريا (480 ذكرا و119 أنثى)، بينما بلغ عدد غير القطريين نحو 866 مصابا يتوزعون بين (687 ذكرا و179 أنثى).
د. هلا السعيد: قطر حققت تقدمًا ملحوظًا في أهداف الخطة الوطنية للتوحد وثمار جهودها برزت في دمج المصابين بالمدارس وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية لهم
وفي هذا السياق، قالت الدكتورة هلا السعيد، مديرة مركز الدوحة العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة، وخبيرة شؤون الأشخاص ذوي الإعاقة، في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية "قنا": إن دولة قطر حققت تقدما ملحوظا في جميع أهداف الخطة الوطنية للتوحد (2017 / 2022)، لافتة إلى أن ثمار هذه الجهود برزت من خلال دمج المصابين في المدارس، وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية كافة لهم.
جهود رسمية وشعبية
ونوهت بأهمية تضافر الجهود الرسمية والشعبية للاهتمام بشريحة طيف التوحد من حيث التدخل المبكر، وإدراك حجم المشكلة والتكيف معها، مضيفة أن عدد مراكز ذوي الإعاقة بلغت نحو 28 مركزا في دولة قطر، حيث تقدم خدمات متنوعة من الرعاية الطبية والتعليمية والإرشاد والتوعية، وهذا يعكس اهتمام الدولة بهؤلاء المصابين.
وأشارت الدكتورة هلا السعيد إلى أن طيف التوحد يصنف إلى ثلاثة أنواع: بسيط، ومتوسط، وشديد، وأن التدخل المبكر يساهم بشكل فعال في معالجة الحالات البسيطة، ويضع أسسا عملية وتربوية للتعامل مع بقية الحالات، وتستمر لمراحل حتى استكمال عملية الدمج الكامل لفئة طيف التوحد، مشددة على ضرورة زيادة الوعي المجتمعي للأسر في التعامل مع حالات طيف التوحد، وتجاوز حالات الجهل والخجل الاجتماعي.
غرف مونديالية لأطفال التوحد
ويدخل في اعتراف دولة قطر بحقوق هذه الفئة، الاستعدادات التي اتخذتها لاستقبال مشجعي رياضة كرة القدم من الأشخاص ذوي الإعاقة؛ لضمان أن تكون بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 الأكثر تسهيلا لهذه الفئة في تاريخ البطولات العالمية، حيث زود عدد من ملاعب المونديال بغرف حسية مخصصة لذوي الإعاقة الذهنية، توفر أجواء مثالية تلائم أطفال التوحد والاضطرابات العصبية السلوكية ليستمتعوا بأجواء المباريات في مساحة آمنة مجهزة بجميع الأدوات والأجهزة المتطورة.
ومن ضمن هذه التسهيلات تخصيص صالة تحمل اسم مركز /الشفلح/، بمطار حمد الدولي لاستقبال الجماهير القادمة من خارج دولة قطر، تقدم خدماتها للجماهير من ذوي الإعاقة والتوحد، وتم تجهيزها بأحدث وسائل التكنولوجيا المساعدة والمعدات التعليمية والتأهيلية الهادفة إلى توفير أفضل تجربة سفر يستحقونها.
واحتفت دولة قطر هذا العام بهذه المناسبة، تحت شعار "التعليم الجيد الشامل للجميع"، تعبيرا عن إيمانها العميق بضرورة نشر الوعي والتثقيف بخصوص مرضى التوحد، والتأكيد على أهمية دمجهم وتمكينهم ليصبحوا ثمرة وإضافة إيجابية في عملية التنمية الشاملة، التي تسعى لها دولة قطر، وأقرتها في رؤية قطر الوطنية 2030.
اليوم العالمي للتوحد
ويستهدف الاحتفال باليوم العالمي للتوحد تعريف الأفراد بماهية التوحد؛ لكي يكون لكل فرد دوره في تقديم العون لمصابي اضطرابات التوحد وأسرهم، وتعزيز ثقتهم في أنفسهم، وتحسين جودة حياتهم، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للشخص المتوحد ودمجه في المجتمع، فضلا عن التوعية بحقوق هذه الشريحة ونشر الوعي بضرورة الاهتمام بهم، وبذوي الاحتياجات الخاصة بوجه عام.
وفي رسالة بهذه المناسبة، أكد السيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، أن الأمم المتحدة تدعم حقوق الأشخاص المصابين بمرض التوحد في المشاركة الكاملة في المجتمع طبقا لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وانسجاما مع خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
أنطونيو غوتيرش: خطة 2030 تمثل التزامًا بالحد من عدم المساواة عن طريق الإدماج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لجميع الأشخاص بمن فيهم ذوو الإعاقة
ويؤكد غوتيريش أن خطة عام 2030 تمثل التزاما بالحد من عدم المساواة عن طريق الإدماج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لجميع الأشخاص بمن فيهم ذوو الإعاقة، وذلك متجسد في تعهدها بألا يترك أحد خلف الركب، ومع ذلك، لا يزال العديد من الأشخاص المصابين بمرض التوحد يعيشون في عزلة يعانون فيها من التمييز والانفصال عن مجتمعاتهم داخل المؤسسات بل وحتى في منازلهم.
التوعية بمرض التوحد
وقال الأمين العام للأمم المتحدة: "في هذا اليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد، دعونا نعيد تأكيد التزامنا بعالم شامل ومنصف ومستدام للأشخاص المصابين بالتوحد".. مشددا على كيفية دعم الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص المصابين بالتوحد في المشاركة الكاملة في المجتمع، بما يتماشى مع اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وخطة التنمية المستدامة لعام 2030، والتي تتعهد بعدم ترك أحد يتخلف عن الركب.
وبينما تمثل أجندة عام 2030 التزاما بالحد من عدم المساواة من خلال الإدماج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للجميع، بما في ذلك الأشخاص ذوو الإعاقة، قال غوتيريش: "لا يزال العديد من الأشخاص المصابين بالتوحد يعيشون في عزلة، ويتعرضون للتمييز والانفصال عن مجتمعاتهم، أو في المؤسسات أو حتى في منازلهم".
وتابع غوتيريش: "لقد أدت جائحة /كوفيد - 19/ إلى تفاقم العديد من حالات عدم المساواة هذه من خلال فقدان أو تقليل الخدمات في المدرسة والمنزل والمجتمع.. نحن بحاجة إلى ضمان أن تكون حقوق ووجهات نظر ورفاهية الأشخاص ذوي الإعاقة، بمن فيهم المصابون بالتوحد، جزءا لا يتجزأ من البناء قدما بشكل أفضل بعد الجائحة".
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أن الحل يكمن في المزيد من أنظمة الدعم المجتمعية للأشخاص المصابين بالتوحد، وقال: "يجب علينا أيضا إنشاء أنظمة تعليمية شاملة وبرامج تدريبية تمكن الطلاب المصابين بالتوحد من الوصول إلى المسار التعليمي الذي يختارونه. ويجب أن نجعل الحلول التقنية متاحة للأشخاص المصابين بالتوحد للعيش بشكل مستقل في مجتمعاتهم".
وعلى الرغم من التقدم المحرز خلال العقد الماضي نحو زيادة الوصول إلى التعليم بشكل عام، وبالنسبة للأشخاص المصابين بالتوحد على وجه التحديد، تسببت الجائحة في تعطيل التعلم مما أدى إلى تراجع التطورات، وتعميق عدم المساواة في التعليم.
التعريف العلمي للتوحد
ويعد التوحد اضطرابا في النمو العصبي لوظائف الدماغ يستمر مدى الحياة، ويظهر في مرحلة الطفولة المبكرة، بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي، ويتميز بشكل رئيسي بتفاعلاته الاجتماعية الفريدة، والطرق غير العادية للتعلم، والاهتمام البالغ بمواضيع محددة، والميل إلى الأعمال الروتينية، ومواجهة مرضاه صعوبات في مجال الاتصالات التقليدية، واتباع طرق معينة لمعالجة المعلومات الحسية.
والتوحد هو حالة تستمر مدى الحياة، تؤثر على كيفية تواصل الفرد وتفاعله مع الآخرين، وعلى كيفية إدراكه العالم المحيط به، ويستخدم في وصف هذه الحالة تعبير "طيف التوحد"؛ نظرا لأن الأفراد المصابين بها يتأثرون بطرق مختلفة وبدرجات متفاوتة، والسبب في معظم الحالات لا يزال غير معروف.
وعلى الرغم من إمكانية اكتشاف الخصائص في مرحلة الطفولة المبكرة، فإنه غالبا لا يتم تشخيص الإصابة بالتوحد إلا بعد فترة طويلة. وتقول منظمة الصحة العالمية: إن قدرات واحتياجات المصابين بالتوحد تختلف، ويمكن أن تتطور بمرور الوقت.. بينما يمكن للبعض العيش بشكل مستقل، يعاني البعض الآخر من إعاقات شديدة ويحتاجون إلى رعاية ودعم مدى الحياة.