أكد تقرير بنك قطر الوطني QNB أن الظروف غير مهيأة بعد لحدوث تراجع كبير في قوة الدولار الأمريكي، مشيرا إلى ارتفاع قيمة الدولار في الأشهر الأخيرة، مقابل العملات الرئيسية لمستويات لم نشهدها منذ عقود.
وذكر التقرير الأسبوعي لبنك قطر الوطني أن مؤشر الدولار الأمريكي (DXY)، وهو معيار مرجعي تقليدي يقيس قيمة الدولار الأمريكي مقابل سلة مرجحة من ست عملات رئيسية، شهد ارتفاعا بأكثر من 16% من مستويات ما قبل جائحة كوفيد-19، وبأكثر من 17% في السنة حتى تاريخه، وبأكثر من 27% بالمقارنة مع المستويات المتدنية للغاية المسجلة بعد الجائحة في مطلع عام 2021.
عوامل قوة الدولار
وأرجع التقرير ذلك إلى ثلاثة عوامل، أولها توقع أن تظل شهية المخاطرة منخفضة على خلفية تزايد المخاطر السياسية والجيوسياسية والمخاطر الأخرى التي تهدد التوقعات الاقتصادية العالمية. وذلك يشمل الصراع الروسي الأوكراني والتوترات في الشرق الأقصى والمخاوف بشأن الاستقرار المالي. ومع تأثر ثقة المستثمرين والمستهلكين بالأخبار السلبية، أصبح الدولار الأمريكي أداة "ملاذ آمن" ضد الاضطرابات في أوروبا وآسيا.
ولفت التقرير إلى إحدى الطرق الشائعة لفحص "تقييمات" العملات هي تحليل أسعار الصرف المرجحة بالتجارة والمعدلة حسب التضخم، أي أسعار الصرف الفعلية الحقيقية، ومقارنتها بالمتوسط طويل الأجل أو المعدلات التاريخية.
ويعتبر مقياس سعر الصرف الفعلي الحقيقي أكثر دقة من أسعار العملات الأجنبية التقليدية لأنه يأخذ في الاعتبار التغيرات في أنماط التبادل التجاري بين البلدان بالإضافة إلى الاختلالات الاقتصادية المتمثلة في التضخم وفروقاته.
توقعات النمو القوية
أما العامل الثاني يتمثل في توقعات النمو في الولايات المتحدة التي تبدو أقوى من نظيرتها في الاقتصادات المتقدمة الرئيسية الأخرى، ويبرز هذا بشكل خاص بسبب التأثير غير المتناسب للأزمة الجيوسياسية وأزمة الطاقة الحالية على أوروبا وغيرها من مستوردي الطاقة الرئيسيين.
النمو النسبي الأسرع في الولايات المتحدة يشجع الاستثمارات ويجذب رؤوس الأموال من الخارج بما يشكل دعمًا للدولار
وبحسب التقرير، عادة يؤدي النمو النسبي الأسرع في الولايات المتحدة إلى تشجيع الاستثمارات داخل الولايات المتحدة، وجذب رؤوس الأموال من الخارج، مما يدعم الدولار الأمريكي.
فيما يتعلق العامل الثالث بأسعار الفائدة الحقيقية المتوقعة، والتي تعمل على تعديل سعر الفائدة متوسط الأجل من خلال مقاييس التضخم الاستشرافية، تتحرك أيضا في اتجاه داعم للدولار الأمريكي. ويرجع هذا الأمر إلى تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لسياسته النقدية، واحتمال أن يكون التضخم في الولايات المتحدة قد بلغ ذروته فعلا.
تضخم متزايد
في المقابل، ظلت توقعات التضخم تتزايد في منطقة اليورو واليابان، فالبنوك المركزية هناك مقيدة بدرجة أكبر من حيث مدى قدرتها على تشديد السياسة النقدية لمكافحة التضخم، وذلك بسبب ضعف اقتصاداتها وارتفاع مستويات الدين. وتعتبر فروق أسعار الفائدة الحقيقية محركا رئيسيا لتدفقات رؤوس الأموال، حيث يسعى المستثمرون إلى تخصيص مواردهم في الأصول ذات العوائد الحقيقية المرتفعة والمعدلة حسب المخاطر.
واعتبر التقرير أن الدولار الأمريكي يبدو أنه مقيم بسعر مبالغ فيه، إلا أن التوقعات المرتبطة به تظل قوية مع احتمال حدوث ارتفاع إضافي في قيمته بسبب التوترات الجيوسياسية والأداء الاقتصادي القوي نسبيا للولايات المتحدة وعائداتها الحقيقية الأكثر جاذبية. وتوقع أن تظل قيمة الدولار مرتفعة، حيث يرجح أن تبقى الاقتصادات المتقدمة الأخرى في وضع أكثر هشاشة.