ليست مكتبة قطر الوطنية مجرد مستودع لأكثر من مليون كتاب مطبوع وأكثر من 500 ألف مادة إلكترونية متنوعة بين الكتب والدوريات والصحف وغيرها، بل تحمل رسالة ثقافية وفكرية وبحثية جعلت منها منارة للإبداع على المستوى الإنساني والوطني.
وتضطلع مكتبة قطر الوطنية، منذ أن أعلنت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر، عن هذا المشروع في 19 نوفمبر 2012، بمسؤولية الحفاظ على التراث الوطني لدولة قطر من خلال جمع التراث والتاريخ المكتوب الخاص بها والمحافظة عليه وإتاحته للجميع.
كما تقوم المكتبة بوظيفتها كمكتبة بحثية منذ أن افتتحها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، في 16 أبريل 2018، وتعمل على نشر وتعزيز رؤية عالمية أعمق لتاريخ وثقافة منطقة الخليج.
تدعم الإبداع والاستقلال
وانطلاقاً من وظيفتها، تتيح المكتبة لجميع المواطنين والمقيمين في دولة قطر فرصاً متكافئة للاستفادة من مرافقها وتجهيزاتها وخدماتها التي تدعم الإبداع والاستقلال في اتخاذ القرار لدى روادها وتنمية معارفهم الثقافية، ولذلك فإن المكتبة تلعب دوراً ريادياً في قطاع المكتبات والتراث الثقافي في قطر.
وستكون مكتبة قطر الوطنية بمثابة مرجع مهم لزوار وجماهير كأس العالم FIFA قطر 2022، للحصول على جميع المعلومات التي تخص التراث الثقافي سواء لدولة قطر أو المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط.
وتحقيقاً وانسجاماً مع أهداف المكتبة تم تجهيز المبنى لها، الذي صمّمه المهندس المعماري الهولندي الشهير رِم كولهاس، ليكون مناسباً لجميع الزوار بمن فيهم ذوو الاحتياجات الخاصة، كما أنه مزود بتقنيات عالية مثل نظام فرز الكتب الآلي، وشاشات الوسائط التفاعلية، ومحطات الاستعارة والإعادة التلقائية التي تمكن أعضاء المكتبة من استعارة الكتب وإرجاعها بسهولة ويسر.
وتتوزع الكتب في مكتبة قطر الوطنية على ثلاث مناطق رئيسية في جميع الموضوعات، من الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية والعلوم الطبيعية، منها أكثر من 150 ألف كتاب ومجلة في مكتبة الأطفال واليافعين، كما توفر المكتبة أكثر من 200 مصدر إلكتروني يمثل كل منها نافذة على أحدث ما وصلت إليه المعرفة الإنسانية من كتب ومجلات ودوريات أجنبية في مختلف التخصصات.
الاعتماد على الموارد الطبيعية
وتدعم المكتبة مسيرة دولة قطر في الانتقال من الاعتماد على الموارد الطبيعية إلى تنويع مصادر الاقتصاد والحفاظ على استدامته، وذلك من خلال إتاحة المصادر المعرفية اللازمة للطلبة والباحثين وكل من يعيش على أرض دولة قطر لتعزيز فرص التعلم مدى الحياة، وتمكين الأفراد والمجتمع، والمساهمة في توفير مستقبل أفضل للجميع.
وقد أولت المكتبة عناية فائقة للأطفال واليافعين وخصصت لهم مئات الآلاف من الكتب والمراجع، وعشرات المصادر الإلكترونية، كما تنظم لهم العديد من الفعاليات التي تخاطب عقولهم وتنمي شغفهم بالقراءة والتعلم وتذكي جذوة الفضول لديهم، وتثير اهتمامهم بالعلوم والتكنولوجيا وأدواتها.
وتمثل المكتبة التراثية، التي تقع في منتصف المبنى، قلب مكتبة قطر، بتصميم معماري متميز، يجعلها تشبه المواقع الأثرية، وتضم مخطوطات نادرة مرتبطة بتاريخ الحضارة العربية والإسلامية عامة وتاريخ دولة قطر خاصة، حيث تحتوي على أكثر من 50 ألف مادة تاريخية وتراثية، منها أكثر من 4 آلاف مخطوط وأكثر من 1400 خريطة تاريخية وعشرات الأطالس والأدوات الفلكية والآلات الملاحية والصور التاريخية، وغيرها من المقتنيات التراثية.
أكبر أرشيف رقمي
وتفاعلاً مع تكنولوجيا العصر، أتاحت مكتبة قطر الوطنية الكثير من المخطوطات والكتب التاريخية والتراثية في مكتبة قطر الرقمية، حيث تمت رقمنة ما يقرب من 13 مليون مادة، لتحتوي بذلك على أكبر أرشيف رقمي متخصص في تاريخ الشرق الأوسط على مستوى العالم للوثائق والصور الفوتوغرافية، ويضم مجموعة فريدة من أهم التقارير والمراسلات والمخطوطات والخرائط والصور التاريخية والتسجيلات الصوتية المتعلقة بمنطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية والمناطق المجاورة.
كما تضم المكتبة الرقمية آلاف الصور الفوتوغرافية التاريخية منذ بدء عصر التصوير الفوتوغرافي وحتى الآن، منها خرائط وصور فريدة التقطها أعضاء البعثات العلمية والأثرية، وصور بورتريه للشخصيات، وصور أخرى تعكس المحاولات الأولى لصحافة الصور الفوتوغرافية، وصور وثائقية فريدة تغطي أحداثاً تاريخية مهمة شهدتها المنطقة (مثل الحربين العالميتين الأولى والثانية والحكم الاستعماري وتطور البنية التحتية في المنطقة)، وأمثلة لصور الهواة التي تقدم منظوراً فريداً عن الحياة اليومية في منطقة الشرق الأوسط.
وقد تجاوز عدد المستفيدين من الأرشيف الرقمي للمكتبة هذا العام حاجز المليونين، من زائري مكتبة قطر الرقمية، حيث تتيح المكتبة الرقمية لجميع المستخدمين في أنحاء العالم الاطلاع المجاني على المواد المرقمنة من مقتنيات المكتبة التراثية، بالإضافة إلى بعض المختارات من مجموعات الشركاء، ما يؤكد التأثير العالمي لمكتبة قطر الوطنية التي تبوأت منذ اللحظة الأولى الصدارة في قطاع المكتبات محلياً وإقليمياً في نشر المعرفة والحفاظ على التراث وإتاحة وصول المعلومات للجميع.
الحفاظ على التراث الثقافي
وقد نجحت المكتبة في الحفاظ على التراث الثقافي في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط وذلك منذ اختيارها عام 2015 من قبل الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات (الإفلا)، لتكون المركز الإقليمي لصون المواد التراثية في العالم العربي والشرق الأوسط والمحافظة عليها، وذلك قبل افتتاحها رسمياً في مارس عام 2018.
ونتيجة لجهودها في حفظ هذا التراث جاء تجديد الاتفاق بين /الإفلا/ ومكتبة قطر الوطنية هذا العام، لفترة جديدة مدتها ثلاث سنوات تعزيزاً لجهودها على مدى ست سنوات في المحافظة على التراث العربي وتراث المنطقة.
واستطاعت المكتبة أن تؤدي دورها في الحفاظ على التراث سواء تراث المكتبة أو المكتبات العربية أو الإقليمية، عبر مجموعة من المختبرات التي تعمل على تحقيق هذه المهام، فهناك مختبر للصيانة والحفظ ومختبر علمي، بالإضافة إلى مختبرين آخرين تستخدم فيهما تقنية حديثة جداً لإزالة الحموضة من الأوراق والمقتنيات بكميات كبيرة، حيث تعتبر الحموضة من أهم المشاكل التي تؤثر على الحفظ للمقتنيات التراثية. وتعمل هذه المختبرات على صيانة مقتنيات المكتبة الوطنية، كما تقدم عبر موقعها الإلكتروني خدمة باسم /اسأل أخصائي الصيانة/ يتم فيها الإجابة بشكل فني عن المشكلات التي يتعرض لها التراث الخاص بالعائلات والمخطوطات والوثائق القديمة، وتقديم المعلومات الفنية التي يمكن من خلالها الحفاظ على التراث.
دور ريادي
وتقوم المكتبة بدور ريادي في تنسيق جهود ومبادرات الحفظ والصيانة بين الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث جاء اختيار المكتبة لهذا الدور بعد منافسة مع عدد من المؤسسات في مختلف الدول وذلك منذ 2015، ثم تم التجديد في 2018، وليتجدد الاتفاق مرة أخرى هذا العام حتى عام 2024، وذلك بناء على المشاريع التي قدمتها مكتبة قطر.
وتقوم المكتبة بدورها في تحقيق هذا الأمر عبر بناء القدرات والدعم الفني من خلال الدورات التدريبية التي تقدمها بشكل دائم بمقرها للتعرف على أهم التقنيات الجديدة في الصيانة والحفظ، إلى جانب تقديم منح للعديد من المكتبات، فضلاً عن الانتقال بالدورات إلى مختلف البلاد، حيث قامت المكتبة بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة / اليونسكو/ بحصر معظم المكتبات التي لديها تراث وثائقي، سواء كانت مكتبات عامة أو حكومية أو قطاعاً خاصاً، فقدمت المكتبة دعمها لمكتبات عامة وخاصة في اليمن والجزائر ومختلف الدول العربية.
ولعل من أهم مشاريع المكتبة في الحفاظ على التراث العربي وفي المنطقة مبادرة /حماية/ التي تعزز دور المكتبة في نشر الوعي في قطر والمنطقة بأهمية مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات التراثية، لا سيما التراث الوثائقي والمخطوطات.
وكذلك مشروع /المرصد/ الذي يترقب التراث المعرض لأي خطر أو كوارث طبيعية بالمنطقة، لتقوم المكتبة الوطنية بمسؤوليتها في رصد الكوارث والأخطار التي تهدد تراث المنطقة الوثائقي عبر التعاون مع المؤسسات والجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات الضرورية والسريعة وتقديم الدعم المتاح.
وقد حرصت المكتبة على تعزيز شراكاتها الدولية عبر إبرام العديد من الشراكات الدولية مع المكتبات والمؤسسات الأرشيفية الوطنية؛ لخدمة المعرفة وإتاحة المحتوى الثقافي والتراثي لديها لشعوبنا في قطر والخليج، ما يعزز قدرة الباحثين والعلماء والدارسين وسائر المهتمين من جميع أنحاء العالم على الوصول للمصادر الرقمية حول التاريخ والتراث والثقافة في دولة قطر ومنطقة الخليج، كما أن وثائق المكتبة ليست مقصورة على اللغة العربية بل هناك وثائق بالإنجليزية، ومن أبرز هذه الشراكات كان التعاون مع المكتبة البريطانية في رقمنة محتوياتها من الوثائق والصور ذات الصلة الوثيقة بتاريخ قطر والخليج، وكان من أبرز ثمار هذه الشراكة إطلاق مكتبة قطر الرقمية.
كما تم توقيع مذكرات تفاهم مع عدد من المكتبات العربية والإسلامية وفي آسيا الوسطى، ومكتبة هولندا الوطنية، والأرشيف الهولندي الوطني، والمكتبة الفرنسية الوطنية، وجامعة نيويورك، كل هذا من أجل تعزيز رقمنة الوثائق والمخطوطات حول قطر والمنطقة والعالم العربي والإسلامي وتبادل مصادر المعرفة.
وفي النهاية يمكن القول، إن رؤية مكتبة قطر الوطنية تسعى إلى جعلها من المراكز المتميزة عالمياً في مجالات التعلم والبحوث والثقافة، وإلى أن تحافظ على تراث المنطقة وتطلق الخيال وتشجع الاستكشاف، كما تهدف رسالة المكتبة إلى الحفاظ على تراث الدولة والمنطقة.
جدير بالذكر أن مكتبة قطر ستفتح أبوابها للجمهور في أيام مباريات كأس العالم FIFA قطر 2022 التي تقام على استاد المدينة التعليمية (22، و24، و26، و28، و30 نوفمبر و6 ديسمبر) من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثانية ظهراً فقط. ولن يُسمح للسيارات خلال تلك الأيام بالدخول أو الخروج من المدينة التعليمية من الساعة 11:00 صباحاً حتى الساعة 8:00 مساءً. وقد أوصت المكتبة الزائرين باستخدام المترو (الخط الأخضر) للوصول إلى محطة مكتبة قطر الوطنية، أو منطقة نزول الركاب بالمحطة، فيما ستكون المكتبة مغلقة يومي الجمعة 2 و9 ديسمبر.