منذ اللحظة الأولى للإعلان عن فوزها باستضافة بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، شرعت دولة قطر في حشد إمكانياتها، وتوظيف خبراتها وتجاربها، وتعزيز تعاونها الإقليمي والدولي لتأمين هذا الحدث الرياضي العالمي، لتكون هذه النسخة من البطولة هي الأكثر أمنا وأمانا.
وتمتلك دولة قطر تجارب ملهمة، ورصيدا لا يستهان به من الخبرة والحنكة والحكمة في استضافة الأحداث الدولية الضخمة، والفعاليات الكبرى، التي تقتضي إدارة الحشود، وتحقيق أقصى درجات الأمن والسلامة للمشاركين والزوار من مختلف الأجناس والأعراق.
أحداث رياضية كبرى
وفي تاريخها القريب نجد مئات المؤتمرات والمنتديات العالمية، والتظاهرات الرياضية الكبرى ولعل من أضخم تلك البطولات دورة الألعاب الآسيوية الخامسة عشرة "آسياد 2006"، التي وصفت بأنها "ألعاب العمر" وذلك بالنظر لنجاحها الاستثنائي تنظيما وتأمينا، وفي القائمة نجد كذلك بطولة العالم لألعاب القوى 2019، وكأس آسيا 2011، ومونديال كرة اليد 2015، وغيرها من البطولات الرياضية التي تربو على 500 بطولة إقليمية ودولية نظمت على مدى عقد ونصف من الزمان.
وهذا النجاح في تأمين التظاهرات الرياضية ليس غريبا على دولة تتمتع بالاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي ودرجة الأمان العالية كما تؤكد ذلك المؤشرات الدولية التي تصنف الدولة بأنها واحدة من أكثر الدول أمنا في العالم، وتسجل المراتب الأولى في الأمن والسلام، وفق تلك المؤشرات.
وبلغة الأرقام، حققت دولة قطر المركز الأول على مستوى دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفقا لمؤشر السلام العالمي 2022، بينما حلت في المرتبة (23) عالميا من بين (163) دولة شملها التقرير على مستوى الحالة الأمنية، متقدمة بـ (6) مراكز عن العام السابق باعتبارها الأكثر أمنا وأمانا.
ويعتمد تقرير مؤشر السلام العالمي (GLOBAL PEACE INDEX) الصادر عن معهد السلام والاقتصاد (IEP) العالمي في أستراليا على 3 معايير رئيسية تشمل (مستوى الأمن والأمان في المجتمع، والصراع المحلي والعالمي، ودرجة التزود بالقوة العسكرية)، وذلك بالإضافة إلى مجموعة من المعايير الأخرى التي تدور حول عدة محاور منها الشؤون الداخلية والخارجية للدول.
وحافظت قطر على ترتيبها المرتفع في عدة مؤشرات أمنية تضمنها التقرير منها: (معدل الجريمة بالمجتمع، معدل النشاط الإرهابي، جرائم القتل، السلامة والأمن، الصراعات الداخلية المنظمة، الإرهاب والاستقرار السياسي).
قطر الأكثر أمانًا
وفي مؤشر الأمن العام بمفهومه الشامل، احتلت دولة قطر المرتبة الأولى عالميا وعربيا وعلى مستوى الشرق الأوسط في هذا المؤشر لعام 2022 الصادر عن قاعدة البيانات العالمية نامبيو (numbeo).
وتؤكد كل هذه المؤشرات أن بسط الأمن والأمان هو أولوية لا محيد عنها، ونهج ثابت في مختلف الأحوال، وحق لكل من يعيش في هذه البلاد، أو يحل ضيفا عليها، واستنادا إلى ذلك وضعت الدولة أمن كافة المشاركين في بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 من منتخبات ومشجعين وزوار في صدارة أولوياتها الأساسية، لتستعد مبكرا لتأمين هذا الحدث وضمان الجاهزية المثلى على مختلف المستويات اللوجستية والبشرية والفنية.
ولتحقيق هذه الغاية، أطلقت لجنة عمليات أمن وسلامة البطولة حزمة من الخطط والبرامج والدورات التدريبية والتأهيلية والتمارين المشتركة، لرفع قدرات الكادر البشري تنفيذا لما جاء في الاستراتيجية الأمنية للبطولة.
ومن أهم البرامج التدريبية التي صممت للأمن الحكومي والخاص؛ برنامج أمن وسلامة الجماهير الرياضية الذي شمل عدة برامج تدريبية مثل أمن وسلامة الملاعب، والحس الأمني، وإدارة الحشود، وحقوق الإنسان، والإسعافات الأولية، والتعاون مع الجمهور، بالإضافة إلى برنامج سياسات وإجراءات البطولة حسب كل موقع والذي غطى التدريب على إخلاء المنشأة والتدريب على سيناريوهات محتملة.
وشارك في هذه البرامج التي نفذها خبراء متخصصون من الشرطة الأوروبية ومنظمة “يوروبول” 49 ألف مشارك بواقع 32 ألفا من الأمن الحكومي و17 ألفا من الأمن الخاص.
تأكيد الجاهزية الأمنية
ولقياس وتأكيد الجاهزية الأمنية، نظمت اللجنة الأمنية لبطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، في نوفمبر من العام الماضي، التمرين المشترك “وطن” بمشاركة كافة الجهات العسكرية والمدنية والتنظيمية والخدمية بالدولة كل حسب اختصاصه، وبمشاركة 13 من الدول الشقيقة والصديقة.
وكان تمرين "وطن" الأمني هو الأضخم من نوعه سواء من حيث عدد الجهات المشاركة فيه داخليا وخارجيا، أو من حيث تطور أحداثه لتجمع بين الشق الأمني والعسكري والتنظيمي والخدمي، بجانب تنوع وتدرج سيناريوهاته المختلفة التي حاكت جميع أنواع المخاطر الداخلية والخارجية المحتملة خلال البطولة.
ونوهت وزارة الداخلية حينها، بأن التمرين يهدف كذلك إلى "تعزيز التعاون الوثيق مع القوات الشقيقة والصديقة المشاركة فيه، وبما يضمن تكامل الجهود والتعاون المشترك لتحقيق أفضل التجارب الأمنية في الأحداث والفعاليات الرياضية الكبرى التي تستضيفها دولة قطر".
وقالت لجنة "عمليات أمن وسلامة بطولة كأس العالم قطر 2022" إن تمرين "وطن" يمثل تكاملا لأدوار الجهات العسكرية والمدنية، وإن رسالة هذه الجهات واحدة، ومفادها أن "قطر جاهزة.. وطن آمن.. وأجهزة متناغمة وأفراد مستعدون لأجل بطولة آمنة".
وعلى صعيد التعاون الخارجي، عززت دولة قطر تعاونها مع شركائها الإقليميين والدوليين حيث وقعت اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع دول ومنظمات دولية مختلفة، مثل: (الإنتربول، والمركز الدولي للأمن الرياضي (ICSS)، وكالة الشرطة الأوروبية اليوروبول (Europol)، لضمان تبادل المعلومات الأمنية والشراكة في الخبرات والتجارب بما يعزز أمن البطولة ويترك إرثا عالميا تستفيد منه الدول التي تتطلع إلى استضافة الفعاليات الرياضية الكبرى.
خطط واستراتيجيات أمنية
وشكل مؤتمر "الميل الأخير" الذي نظمته لجنة عمليات أمن وسلامة كأس العالم FIFA قطر 2022 في مايو 2022 شاهدا آخر على حرص دولة قطر على متابعة تنفيذ الخطط والاستراتيجيات الأمنية بالتعاون مع الشركاء على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وتعزيز التعاون المشترك في هذا الميدان، والوقوف على آخر الاستعدادات الأمنية اللازمة.
كما شهد المؤتمر توقيع اتفاقية بين دولة قطر ومنظمة الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) لتمديد تعاون لـ(مشروع استاديا) الذي أنشأه الإنتربول عام 2012 بتمويل ودعم من دولة قطر، بهدف خدمة الدول الراغبة في استضافة الفعاليات الرياضية الكبرى، كما تم التوقيع على (الإعلان المشترك) بين دولة قطر وعدد من الدول المشاركة في المؤتمر لإنشاء المركز الدولي للتعاون الشرطي.
وفي سياق التعاون الدولي كذلك والحرص على تحقيق أعلى درجات الأمن خلال بطولة كأس العالم 2022؛ افتتحت دولة قطر في العام 2019 مركز التنسيق الشرطي الدولي IPCC، وذلك مع انطلاقة بطولة كأس العالم للأندية وهو بمثابة غرفة عمليات تشرف عليه لجنة عمليات أمن وسلامة البطولة، وتم تزويده بأحدث الوسائل التكنولوجية المتطورة وتوفير البنية التحتية اللازمة من أجل أداء المركز لدوره وتحقيق أهدافه، ويضم مجموعة من العناصر الوطنية الشابة من الضباط ذوي المهارات المتميزة في العمل الأمني.
وقد توجت دولة قطر جهودها تلك باستضافة بطولة كأس العرب FIFA قطر 2021 التي كانت محطة مهمة لقياس الجاهزية الأمنية واللوجستية والتنظيمية، وشكلت اختبارا حقيقيا لقياس جودة الخدمات الأمنية التي ستقدم لجمهور كأس العالم والمشاركين بشكل عام في تجربة ملهمة جديدة تقدم للعالم.
النسخة الأكثر أمانًا
وكان العقيد جاسم السيد من لجنة عمليات أمن وسلامة بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، قد أكد في تصريحات خلال سبتمبر الماضي حول مستجدات رحلة مشجعي مونديال قطر؛ أن "كأس العالم المقبلة لن تكون الأكثر نجاحا من حيث التنظيم فحسب، بل ستكون الأكثر أمانا وأمنا".. مضيفا " تمت الاستفادة بشكل كبير من تنظيم البطولات السابقة من حيث الأمور الأمنية".
وقد حظيت جهود قطر الأمنية للاستعداد للبطولة بثناء الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، حيث أكد هيلموت سبان، مدير الأمن والسلامة وإدارة الدخول في الاتحاد، خلال مؤتمر "الميل الأخير" على أن مستوى التكامل والشراكة الذي تم تحقيقه مع لجنة عمليات أمن وسلامة بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، "يضع الاتحاد الدولي لكرة القدم في موضع الراحة والطمأنينة بأن التحضيرات ستؤدي بنا إلى تنظيم بطولة متميزة".
وقال إن دولة قطر لم تدخر جهداً في مجال التعاون الدولي، الأمر الذي حرص الفيفا على دعمه منذ البداية".. مضيفا "في ضوء الجهود التي بذلتها دولة قطر في مجالات التخطيط، فإن الفيفا على يقين بإنجاز بطولة آمنة وسالمة تعكس مستوى حقيقيا للأمن لدى جميع المشاركين".
وأكد سبان على مشاركة الفيفا كونه الجهة المنظمة للعبة، بشكل كبير في التحضير لهذه البطولة في دولة قطر" فمنذ العام 2012 ومنذ تأسيسها؛ ارتبط الفيفا بالعمل مع لجنة عمليات أمن وسلامة البطولة".
مشروع استاديا القطري
وفي سياق متصل، يأتي مشروع (استاديا) وهو مشروع قطري بدأ عام 2012، بالتعاون مع منظمة الإنتربول، واحدا من أهم المشاريع التي تبلورت مع استحقاق دولة قطر لاستضافة المونديال، وهدفه مساعدة البلدان الأعضاء في المنظمة على وضع تدابير شرطية وأمنية، وتنفيذها في إطار التحضير للأحداث الرياضية الكبرى، ويسهم هذا المشروع الممتد لـ12 عاما في الترتيبات الشرطية والأمنية لبطولة كأس العالم 2022 في قطر، كما سيخلِّف إرثا دائما لأوساط إنفاذ القانون في العالم.
وحول المشروع ودوره في تأمين الفعاليات الكبرى، قال السيد فلاح الدوسري مدير عام مشروع “استاديا”، في تصريحات على هامش مؤتمر "الميل الأخير" إن دولة قطر استطاعت تأهيل كوادرها الوطنية على أعلى مستوى، مما جعل المشروع يسترشد بالكوادر القطرية ويرشحها للمشاركة في الفعاليات الرياضية الدولية، للاستفادة من المعرفة التي وصلت إليها أجهزة إنفاذ القانون في قطر في تأمين هذه الفعاليات الكبرى، مضيفاً أن جميع المعطيات تدل على أن بطولة كأس العالم المقبلة ستكون هي الأكثر أمناً وسلامة.
وأوضح أن نجاح "استاديا" كان حافزاً لتوقيع اتفاقية التمديد لمدة سنتين تنتهي في 2024، في ضوء الحاجة الملحّة لمثل هذا المشروع الذي يعمل على ترك إرث دولي مشترك.
تعمل دولة قطر بحكمة وحنكة وبرؤية متعددة الأبعاد في استعداداتها الأمنية لبطولة كأس العالم، جسدت من خلالها فلسفتها في تنمية كوادرها الأمنية التي ستتولى هذه المهمة الوطنية، وبناء شراكاتها الإقليمية والدولية للاستفادة من الخبرات والتجارب، وتبقى عزيمة الشعب القطري والمقيمين على هذه الأرض الضمانة الأساسية لتأمين البطولة لتثبت قطر من جديد أنها الأكثر أمانا في العالم، والأجدر باستضافة هذا الحدث العالمي.