دخلت دولة قطر تاريخ كرة القدم والرياضة العالمية من بابه الواسع، مع انطلاق النسخة الاستثنائية من كأس العالم FIFA قطر 2022 غداً الأحد لتدون فصلاً جديداً من فصول استضافة المونديال، كأول دولة عربية شرق أوسطية تحتضن الحدث الكوني الكبير.
اللحظة الفارقة التي تحرّق القطريون شوقاً لها، تأتي الآن ثمرة لجهود مضنية بذلتها كل مؤسسات الدولة على مدار 12 سنة، تم خلالها بناء بلد جديد عصري، لكنه ما زال يعبق بالتاريخ العربي والإسلامي بجذوره الخالدة التي تجسد إرثاً يمجد عادات وتقاليد الأجداد ويفتح الأبواب أمام الاستدامة لأجيال قادمة ستتغنى بالمنجزات التي تحققت عبر النهوض بكل مناحي الحياة، ومن خلال حدث سيبقى عالقاً في الأذهان كمسرّع لرؤية أبصرها المسؤولون ونفذوها بكل وطنية وحب لهذه البلاد.
مرحبا بالجميع
الآن وقد فتحت قطر ذراعيها لكل عاشق لكرة القدم، مرحبة بجميع من قصدها لمتابعة المونديال.. فهي بذلك تبعث برسالة حب وسلام لكل شعوب الأرض من خلال نبراس ثابت مفاده "ستجدون كل احترام وتقدير وستعيشون تجربة استثنائية تاريخية في منطقة طالما أرادت أن تقدم نفسها للعالم"، وبالتالي فقد حملت قطر مشعل تمثيل الشعوب العربية بتقاليدها وعاداتها وبكرمها وطيبها الذي يُسكن الضيف مقل العيون.
ومع تدفق المشجعين ووصول الفرق إلى قطر، بات الجميع يدركون أن كل ما قاله السيد جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا، مع كل خطاب وفرصة سانحة للتحدث، حقيقة دامغة، حيث ما انفك الرجل يؤكد أن كأس العالم FIFA قطر 2022 ستكون الأفضل على الإطلاق، وأن الجماهير ستكون على موعد مع تجربة استثنائية، لإدراكه ومنذ اللحظة الأولى أن التحضيرات والمنجزات التي بدأت منذ إعلان شرف الاستضافة، كفيلة بأن تجعل من المونديال مفخرة للاتحاد الدولي وللدولة المضيفة ولكل العرب، على اعتبار أن الخطاب الرسمي ظل دائماً يؤكد على الهوية العروبية لكأس العالم، ولا عزاء لأصوات النشاز التي طالما بثت سموم حقدها، ولم تفت في عضد المنظمين الذي لم يعيروا بالاً للانتقادات الممنهجة والافتراءات، بل آمنوا بحقيقة ما سيتم رصده على أرض الواقع، وها هي الشهادات المنصفة تأتي من أرض الحدث.
العالم يترقب
وسيقف العالم على رؤوس الأصابع إبان لحظة الانطلاقة الرسمية لكأس العالم FIFA قطر 2022، وذلك عند الساعة الخامسة من مساء غد الأحد على استاد البيت، وسيشهد الجميع الرمزية الكبيرة لاختيار المكان ومسمى الملعب والرسائل التي ستبعث بها قطر للعالم خلال حفل مبهر سيضعها في قلب العالم، من خلال متابعة المليارات من سكان الأرض عبر شاشة التلفاز، فيما سيحظى أكثر من 60 ألفاً بحضور الحفل في الملعب، وسيكون مئات الآلاف يرصدونه عبر شاشات عملاقة منتشرة في كل مناطق الدولة المضيفة إلى جانب شاشات أخرى في مختلف المدن العربية والأجنبية حول العالم.
السرية تحيط طبعاً بكافة تفاصيل الحفل، لكن إشارات خرجت من مسؤولين في الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا تؤكد التميز والتفرد الذي سيكون عليه، ومن بينهم فاطمة سامورا الأمين العام للاتحاد الدولي لكرة القدم التي قالت إن الحفل سيكون الأكثر إبهاراً في تاريخ كأس العالم، وسيكون الأجمل على الإطلاق.. مشيرة إلى أن أنظار العالم كلها ستكون مصوبة نحو قطر البلد الذي سيشهد مهرجاناً وشهراً كروياً مليئاً بالاحتفالات، واصفة المونديال بالفرصة الفريدة لمشجعي كرة القدم حول العالم ليأتوا ويشاهدوا أكبر عرض كروي على الإطلاق، بعد ما عاشه العالم في العامين الماضيين في ظل جائحة كوفيد-19.
اللحظة المنتظرة
ساعات قليلة إذن وتنطلق كأس العالم FIFA قطر 2022 النسخة الفريدة من المونديال، بمعايير مختلفة، تجعل منها الاستثناء بالمقاربة مع كل النسخ السابقة، وبمزايا لم تعد تخفى على أحد، يأتي في مقدمتها ذاك التقارب الذي يقدم تجربة غير مسبوقة من منافسة كبيرة بحجم المونديال لتقام في محيط لا تزيد أطول مسافة بين أركانه عن 75 كيلومتراً، فلا حاجة للتنقل بالطائرات ولا تغيير مقار السكن وأماكن التدريب، في وقت تم فيه إعداد هذا المحيط بطريقة محكمة تضمن سلامة وسلاسة التنقل، وفق خطط مدروسة ستذهل العالم بطريقة استيعابها لكل المتنافسين بدءاً من المشجعين الذين يعتبرون المستفيد الأكبر من ذلك التقارب عندما يتسنى لهم متابعة أكثر من مباراة في يوم واحد، ما يجسد حضور المونديال على أرض الواقع، وليس مشاهدة مجموعة من المجموعات الثماني بحكم ترامي أماكن التنافس على مساحات كبيرة، تحتاج إلى تكبد عناء السفر كما حصل في الولايات المتحدة عام 1994 أو جنوب إفريقيا 2010 والبرازيل 2014 ومن ثم روسيا 2018.
وإذا كان اللاعبون هم المقصد الأول في توفير أجواء مثالية للتنافس، فإن هؤلاء أقروا قبل الجميع بالتفرد الذي تحظى به كأس العالم FIFA قطر 2022، فلن يكون عليهم أن يعانوا الأمرين عند خوض المباريات، كما أنهم سيكونون أمام فرص أطول لالتقاط الأنفاس واسترجاع اللياقة البدنية في أسرع وقت ممكن، ذلك أن العودة من الملعب إلى مقر السكن تحضيراً للمواجهة الموالية لن تحتاج سوى إلى ساعة واحدة فقط بدون سفر، مع الأخذ في الاعتبار ميزة الموعد التي تخدم اللاعبين في المقام الأول، فأن تُقام المنافسة أواخر نوفمبر حتى منتصف ديسمبر، فهذا يعني بأن اللاعبين في أوج العطاء، ما يجعل جماهير العالم على موعد مع واحدة من أقوى نسخ كأس العالم فنياً وتنافسياً كما يقول خبراء كرة القدم في العالم.
وما زال هناك من الخصوصية التي تحظى بها النسخة الحالية، المزيد، وهو ما يخص الملاعب التي ستحتضن المباريات، فلم يسبق لدولة مضيفة عبر تاريخ كأس العالم أن بنت سبعة ملاعب من الصفر، شُيدت خصيصاً للحدث، إلى جانب أيقونة ثامنة تمت إعادة بنائها من أجل أن ترتدي ذات حلة بقية الاستادات ونقصد هنا استاد خليفة الدولي، وبالتالي فسيضمن اللاعبون أن يتنافسوا على ميادين عصرية من طراز عالمي خاص، وعلى أرضيات تواكب أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا، إلى جانب مدرجات فارهة تضمن الراحة ومتعة المشاهدة، فلم يبق أمام اللاعبين سوى إطراب العالم بكرة قدم مختلفة بعد توفير كل السبل التي تؤمن الظهور الاستثنائي.
غداً الأحد.. سيكون يوماً مشهوداً بما للكلمة من معنى، والأنظار ستكون مسلطة على المنتخب القطري بشكل خاص، وهو يخوض أولى منافساته في كأس العالم.
رهان مختلف
الاهتمام بالأدعم لن يكون بصفته صاحب الأرض الذي سيستفيد من دعم استثنائي للأنصار فحسب، بل من أجل رهان مختلف متمثل في السؤال الذي سيطرحه المراقبون والمتابعون وهو: هل سينسحب النجاح الذي تحقق تنظيمياً في كأس العالم على نجاح فني للمنتخب القطري على المستوى التنافسي من خلال تأمين مقعد في الدور الثاني وتجنب تجربة منتخب جنوب إفريقيا الذي ما زال المضيف الوحيد في تاريخ المونديال الذي لم يتعد دور المجموعات؟.
ولهذا الأمر تحديداً، أعد المسؤولون عن المنتخب القطري خطة تحضيرية طويلة الأمد استمرت لسنوات من خلال لبنة أساسية تمثلت في جيل شاب حقق النجاح في منتخبات الفئات العمرية، وأبان عن نفسه كي يكون مشروع الفريق الذي سيتم تجهيزه لكأس العالم، فجاب المنتخب الجديد الأرض شرقاً وغرباً وخاض عديد المناسبات الكبيرة، وأثبت حسن الظن فيه عندما تُوج بطلاً للقارة الآسيوية عام 2019 ثم مضى نحو الظهور في معتركات مختلفة منها كوبا أمريكا 2019 والكأس الذهبية 2021 ثم التصفيات الأوروبية بصفة اعتبارية دون احتساب النتائج إلى جانب عديد المباريات الودية الأخرى.
العنابي مستعد
ويمكن القول إن المنتخب القطري بات على أهبة الاستعداد بعد تلك الرحلة الطويلة، لكنّ اللاعبين وربانهم الإسباني فيليكس سانشيز مدركون أن كل الخبرات التي راكمها الفريق، وجب أن تظهر في منافسات المجموعة الأولى، رغم صعوبة المهمة بطبيعة الحال، لأن المنتخبات الثلاثة الأخرى في المجموعة تملك تاريخاً وتقاليد عريقة.
ضربة البداية غدا أمام المنتخب الإكوادوري تحظى بأهمية بالغة لأنها تشكل "مفتاح" تعبيد الطريق نحو الدور الثاني، فالفوز سيفتح الآفاق نحو قادم أفضل من النواحي المعنوية، وسيبقى المنتخب القطري طرفاً فاعلاً في معادلة السباق نحو بلوغ الدور الثاني قبل المواجهتين المواليتين الصعبتين أمام المنتخب السنغالي بطل إفريقيا، ثم المنتخب الهولندي وصيف العالم ثلاث مرات من قبل.
ويؤكد المدرب سانشيز أن المنتخب القطري بات جاهزا للمنافسة في كأس العالم، بعدما أعد العدة عبر سنوات من أجل الوصول إلى تلك اللحظة التاريخية، مدركاً في الوقت نفسه أن المهمة لن تكون سهلة على الإطلاق، ما يتطلب من أشباله أن يكونوا في قمة الحضور الذهني والبدني لمجاراة المنتخبات الأخرى في المجموعة، لافتاً إلى أن التعامل سيكون مع كل مباراة على حدة، مقدراً الميزة التي سيحظى بها المنتخب القطري عندما يجد المؤازرة من الجماهير التي لن تألو جهداً في دعم اللاعبين وشحذ هممهم لتسجيل ظهور مشرف.
وأطلق جل اللاعبين في الأيام الأخيرة تصريحات، تمزج بين الثقة والحذر في آن معاً، حيث يدرك نجوم المنتخب القطري أنهم أمام معترك طالما كان بالنسبة لهم حلماً منذ الصغر، مقدرين في الوقت نفسه حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم باعتبارهم أول جيل يمثل المنتخب القطري في كأس العالم.
وبعيداً عن المنتخب القطري، وكما هو الحال في كل نسخة من المونديال، وضع كل المراقبين والمتابعين والجماهير التكهنات جانباً، خصوصاً بعدما جاءت ساعة حقيقة الميدان بانطلاق منافسات كأس العالم FIFA قطر 2022 وسط آمال عريضة في أن يكون المستوى الفني استثنائياً كما هو الحدث سواء بمكان إقامته أو موعده الذي يأتي فيه مع وصول اللاعبين إلى أوج العطاء مع انتصاف الموسم الكروي في العالم وخصوصاً في الدوريات الأوروبية التي عرفت برمجة تاريخية من أجل المونديال.
نجوم تتنافس
أسماء كبيرة تدخل المنافسة بثوب المنتخبات المؤهلة لنيل اللقب، منها مرشحة تقليدية بشكل دائم مع كل نسخة، كما المنتخب البرازيلي الذي يتربع على عرش كرة القدم العالمية كونه الأكثر تتويجاً في التاريخ، بخمس مناسبات ويسعى للسادسة، والأمر نفسه ينسحب على المنتخب الألماني صاحب الألقاب الأربعة، والمنتخب الفرنسي حامل لقب النسخة الماضية من المونديال (روسيا 2018)، وكذلك الأرجنتين.
الصراع الأوروبي الأمريكي الجنوبي يبقى قائماً، خصوصاً بعدما بات ينظر إلى كأس العالم FIFA قطر 2022 على أنها الفرصة السانحة لعملاقي أمريكا الجنوبية (الأرجنتين والبرازيل) لكسر هيمنة أوروبا على اللقب منذ 2006، عندما تُوجت إيطاليا باللقب، ثم نالت إسبانيا الكأس في جنوب إفريقيا 2010، فيما توج المنتخب الألماني باللقب في عقر دار البرازيليين عام 2014 وأخيراً نالت فرنسا الكأس في روسيا 2018، وبالتالي فإن آخر لقب أمريكي جنوبي يعود إلى مونديال كوريا الجنوبية واليابان عام 2002، وهو أول مونديال يقام في القارة الصفراء.
الأرجنتين تدخل المنافسة بعد سلسلة رائعة من المباريات المتتالية لم تتلق فيها الخسارة بلغ عددها 37 مباراة على مدى ثلاثة أعوام، حيث توجت بلقب كوبا أمريكا، وذلك بالاعتماد على جيل جديد بتوليفة يقودها أفضل لاعب في العالم سبع مرات، ليونيل ميسي الذي يريد أن يضيف كأس العالم للمرة الأولى إلى سجله الرائع من الألقاب والإنجازات جلها مع ناديه السابق برشلونة الإسباني، وبالتالي فإن كتيبة المدرب ليونيل سكالوني، تحظى بترشيحات كبيرة من أسماء وازنة من مدربين ولاعبين سابقين يأتي على رأسهم المدرب الإسباني بيب غوارديولا مدرب مانشستر سيتي الإنجليزي، الذي يرى أن المنتخب الأرجنتيني سيكون قادراً على الظفر باللقب.
مرشح فوق العادة
وكما هي العادة دوماً، يدخل المنتخب البرازيلي المنافسة مرشحاً فوق العادة للتتويج باللقب، بيد أن المعطيات تبدو مختلفة هذه المرة، فالأمر لا يعتمد على اسم المنتخب فحسب، بل بوجود توليفة تمزج بين عناصر شابة صنعت الفارق مع أنديتها الأوروبية، إلى جانب لاعبين أصحاب خبرة يتقدمهم النجم نيمار لاعب باريس سان جيرمان الفرنسي.
الخريطة التنافسية تحتمل صداماً بين المنتخبين البرازيلي والأرجنتيني ربما في نصف النهائي، ما يفتح الباب أمام وجود منتخب أوروبي في المباراة النهائية، ما قد يفرض نهائياً أوروبياً - أمريكياً جنوبياً يجسد الصراع الأزلي بين القارتين، خصوصاً في ظل وجود منتخبات قوية، كالمنتخب الفرنسي حامل اللقب الذي يملك أسماء مميزة ومدرباً مستقراً، إلى جانب المنتخب الألماني الذي يملك التقاليد العريقة بغض النظر عن مستواه الفني قبل انطلاق المونديال.
وعلى غرار ميسي سيكون مونديال قطر الأخير للنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، في إشارة إلى ختام المنافسة بين الثنائي الذي أبهر العالم على مدى سنوات طويلة ولفت الأنظار إلى الدوري الإسباني إبان تواجد اللاعبين في برشلونة وريال مدريد، ورغم المعضلات التي عانى منها رونالدو مع فريقه مانشستر يونايتد الإنجليزي، لكنه سيكون على رأس توليفة قوية في المنتخب البرتغالي الذي يعج بالنجوم التي تنشط في كبرى الدوريات الأوروبية، وبالتالي سيكون البرتغال بطل أوروبا 2016 من بين المرشحين.
مشاركة عربية
وبدورها، تدخل المنتخبات العربية الثلاثة، السعودية والمغرب وتونس، منافسات كأس العالم FIFA قطر 2022 بميزة تاريخية لم تحظ بها من قبل، تتمثل في اللعب على أرض عربية، لتغدو وكأنها تلعب على أرضها في ظل دعم جماهيري كبير ستجده خلال البطولة، ما يعزز من حظوظها في المنافسة والتأهل إلى الدور الثاني، باعتبار ذلك هدفاً إن تحقق فسيكون للمرة الثانية بالنسبة للسعودية والمغرب، والأولى بالنسبة للمنتخب التونسي.
ويعد المنتخب السعودي أكبر المستفيدين من إقامة المونديال على أرض قطر، وذلك بحكم الجوار، ما يجعل الجماهير السعودية تزحف بأعداد كبيرة من أجل مؤازرة منتخبها، ما سيشكل أفضلية سعودية على منتخبات المجموعة الثالثة القوية التي تضم الأرجنتين والمكسيك وبولندا، وبالتالي سيظهر المنتخب السعودي وكأنه يلعب على أرضه وبين جماهيره، أملاً في تكرار إنجاز مونديال الولايات المتحدة الأمريكية عندما بلغ الدور الثاني في الظهور الأول في كأس العالم آنذاك.
ولن تكون مهمة أشبال المدرب الفرنسي هيرفي رينارد سهلة بطبيعة الحال، على اعتبار أن المجموعة تضم منتخبات متمرسة في كأس العالم وبتاريخ عريق، ناهيك عن أن الاستهلال سيكون أمام المنتخب الأرجنتيني ونجمه ليونيل ميسي المرشح لنيل اللقب، بيد أن الحظوظ في العبور تبقى قائمة عطفاً على المستويات التي قدمها المنتخب السعودي في التصفيات المؤهلة إلى المونديال.
المنتخب المغربي يعتبر أقوى المنتخبات العربية، قياساً بما يملكه من لاعبين ينشطون في أندية كبيرة في الدوريات الأوروبية الخمسة الأولى، ما يعني أن الفوارق ستكون ضيقة مع منتخبات المجموعة السادسة التي تضم كرواتيا وصيف النسخة السابقة وبلجيكا التي تملك جيلاً ذهبياً وكندا الطموحة بعد العودة إلى كأس العالم بعد غياب طويل، رغم قوة تلك المنتخبات.
وسيكون المنتخب المغربي مدعوماً بالأنصار، سواء الذين جاؤوا من المغرب أو المقيمون في قطر والذين قدموا مثالاً واضحاً على الدعم الكبير خلال كأس العرب FIFA قطر 2021.
وبدوره يملك المنتخب التونسي، الذي يعد مزيجاً بين عناصر تلعب في أوروبا وأخرى تلعب في دوريات عربية ومحلية، الحظوظ في المنافسة من أجل كسر حاجز دور المجموعات الذي لازم المنتخب منذ مشاركته الأولى.
ورغم وجود المنتخب الفرنسي حامل اللقب في المجموعة الرابعة التي يلعب فيها المنتخب الفرنسي، إلا أن المنتخبين الآخرين أستراليا والدنمارك ليسا بنفس قوة حامل اللقب وبالتالي يمكن للمنتخب التونسي أن يدافع عن حظوظه أمامهما من أجل بلوغ الدور الموالي.
ملاعب المونديال
تبقى الملاعب هي الحلقة الأقوى في ملف التنظيم القطري للنسخة الـ22 من المونديال، بعدما أصبحت الأيقونات الثمانية جاهزة قبل نحو عام من ضربة البداية لتنجح قطر بكسب الرهان وتتفوق على جميع الدول التي نالت شرف الاستضافة في النسخ السابقة.
الملاعب الثمانية التي صُممت وفق أعلى معايير الجودة، وشكلت في طياتها انعكاساً للإبداع القطري وتراث الآباء والأجداد يفوح منها عبق التاريخ وعراقة الماضي والتي تجسدت في كل تصاميمها، تحاكي الثقافة القطرية والفن المعماري بجانب التركيز على مفهوم الاستدامة.
ملاعب: خليفة، والجنوب، والثمامة، و974، والمدينة التعليمية، وأحمد بن علي، ولوسيل، والبيت، كانت استثنائية بكل تفاصيلها الداخلية والخارجية، رائعة بمرافقها الصديقة للبيئة، وباتت قطر الدولة الأولى التي تستضيف كأس العالم على ملاعب شُيدت من الصفر.
وبالتأكيد لم يغب عن منظمي المونديال العديد من الجوانب خلال مرحلة البناء لهذه الملاعب المتقاربة من بعضها، وجاءت الحلول المبتكرة التي حولت مسار المونديال من الصيف إلى الشتاء لأول مرة من خلال تكنولوجيا التبريد المطورة التي أعطت هذه الملاعب طابعا خاصا ونكهة مميزة لتوفير أجواء مناخية مثالية للاعبين، وقد مرت هذه الملاعب بتجارب ناجحة عبر استضافتها للكثير من المباريات الدولية والبطولات القارية.
إرث المونديال
ولم يقتصر الأمر على ذلك بل شكل الإرث جانبا مهما في هذه الملاعب لمرحلة ما بعد البطولة، سواء من خلال الملاعب التدريبية المحيطة بها أو في الحدائق العامة والمسارات المختلفة والمراكز الرياضية والترفيهية التي تضمها والتي مكنت أهل المناطق المتاخمة للملاعب من الاستمتاع بهذا الإرث والذي سيستمر للأجيال القادمة.
كما أن الملاعب المونديالية باتت تشكل حجر الزاوية في أي ملف استضافة تتقدم به قطر لتنظيم حدث رياضي، والجميع شاهد النجاح بنيل استضافة دورة الألعاب الآسيوية في العام 2030 إلى جانب الفوز مؤخراً بتنظيم كأس أمم آسيا لكرة القدم للمرة الثالثة، ولا يزال القوس مفتوحاً لإنجازات رياضية قادمة في ظل إبداء قطر رغبتها في استضافة الألعاب الأولمبية ودخول مرحلة التنافس في نسخة العام 2032.
على صعيد متصل، كان من الواضح ومنذ نيل شرف الاستضافة، الحرص على إعادة تأهيل البنية التحتية لشبكات الطرق، فتحولت الدوحة والمناطق المتاخمة لها إلى خلية نحل متكاملة، فأحدثت ثورة هائلة في بناء شبكة طرق حديثة، وتسارعت وتيرة العمل بهدف تطوير شبكة الطرق الداخلية والسريعة في أنحاء البلاد، لتحسين سهولة الحركة والوصول لكافة ملاعب البطولة، ومن أبرز هذه الطرق المجد والخور ولوسيل والدائري السابع ومحور صباح الأحمد، بالإضافة إلى إنشاء أكثر من 16 جسراً وخمسة أنفاق للمشاة، فتحولت الدوحة إلى مدينة عصرية.
القلب النابض
وبالمرور إلى كورنيش الدوحة الذي يعد القلب النابض للاحتفالات والفعاليات خلال المونديال فقد شهد طوال الفترة الماضية مرحلة إعادة تأهيل متكاملة على اعتبار أنه سيستضيف أحد أهم الكرنفالات خلال البطولة والمتمثلة بمهرجان الفيفا للمشجعين، وكانت اللمسات الفنية حاضرة في جميع أرجاء الكورنيش الذي يشكل الواجهة البحرية لمدينة الدوحة.
إلى جانب ذلك، تسارعت الخطوات في مدينة لوسيل الحديثة منذ العام 2005 لبناء مدينة عصرية متكاملة والتي شكلت امتداداً لمدينة الدوحة، لتعكس لوسيل التي ستستضيف المباراة النهائية على الملعب الذي يحمل اسمها يوم 18 ديسمبر المقبل رؤية الدولة وطموحاتها للمستقبل.
مرحلة التطوير الشاملة في مناطق الدوحة، أعقبتها خطوات عديدة بالتركيز على المعالم السياحية والأثرية والتي تعد مقصداً مهماً لزوار المونديال فتم العمل على إعداد برامج متكاملة في كل من سوق واقف والمتاحف القطرية وجزيرة اللؤلؤة وقطيفان الشمالية وفي كافة المعالم الأخرى التي أعلنت جاهزيتها لاستقبال جميع المشجعين للاستمتاع بتجربة اكتشاف قطر عن قرب ومعايشة الأجواء المونديالية بطابع قطري وعالمي.
إلى هنا بقيت قطر مستمرة في رحلة المثابرة في البنية التحتية المتطورة تجسيداً لمخططاتها التنموية من أجل الإيفاء بوعود قطعتها بتنظيم نسخة استثنائية، وكانت تدرك أن الجزء الأكثر حيوية في ملف الاستضافة لابد من أن ينجز بحرفية عالية، بهدف خيارات سريعة وفعالة للمشجعين، وذات إرث مستدام للأجيال المقبلة، وذلك من خلال تطوير شبكة متكاملة من وسائل النقل الحديثة والصديقة للبيئة، وتعود بالفائدة على أفراد المجتمع.
وأيقنت قطر أن بناء شبكة المترو يعد الحل الأبرز في قطاع النقل خلال المونديال، لتسهيل عملية الوصول للجماهير وبالفعل وضعت اللبنة الأولى وانغمس الجميع في بناء شبكة جديدة للمترو تربط بين خطوطها خمسة من الاستادات المونديالية ضمت 37 محطة وأسطولاً يتكون من 110 قطارات و18 تراماً تعمل في معظم ساعات اليوم.
وبدون أدنى شك شكلت هذه الخطوة إضافة رائعة لقطاع النقل في قطر وتجربة فريدة من نوعها خلال المونديال قادرة على خدمة أكثر من مليون مشجع.
خطط واضحة
وكل شيء في النسخة الـ22 للمونديال لم يترك للصدفة فقد كان كل شيء مبرمجاً وفق خطط واضحة المعالم وعدم ترك الأمور للمفاجآت، ولهذا كانت المساعي كبيرة من أجل توفير تجربة خاصة لمشجعي البطولة لمعايشة البطولة بصورة مختلفة عن البطولات التي عايشوها من قبل.
مشجعو المونديال لن يجدوا صعوبة في التنقل من أماكن إقامتهم والتي تمثلت بوجود خيارات عديدة إلى الملاعب أو إلى المناطق الترفيهية والفعاليات المصاحبة للبطولة، في ظل توفر وسائل التنقل المتعددة من حافلات النقل وسيارات الأجرة وشبكة المترو.
قطر التي تضم معالم ثقافية وسياحية كثيرة، أبرزها الحي الثقافي كتارا، رحلات السفاري في الصحراء القطرية، والكثبان الرملية الذهبية المطلة على البحر، ستجعل جميع زوار المونديال يعايشون رحلة عنوانها اكتشاف قطر برؤية جديدة تم العمل عليها طوال السنوات الماضية.