لا يزال العالم ينظر بعين التقدير والإعجاب والانبهار للنجاح الكبير الذي حققته دولة قطر في تقديم نسخة فريدة واستثنائية من بطولة كأس العالم، وسط إجماع إعلامي شبه تام على أن قطر كانت على الوعد في مستوى التحدي بإنجاز مونديال كرنفالي، فريد، ومبهر، وغير مسبوق في تاريخ المنافسات الدولية الكبرى، يضاهي في تميزه حتى الألعاب الأولمبية الصيفية، وذلك على جميع المستويات التنظيمية والأمنية والجمالية والقيمية، إلى جانب الأداء الرفيع للمنتخبات المشاركة.
وأجمع صحفيون وإعلاميون وسياسيون عالميون، على أن قطر حققت تميزًا وتفردًا في إدارة ملف بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 بتنظيم استثنائي على جميع الأصعدة، وذلك منذ نيلها شرف الاستضافة في 2010، وحتى صافرة انطلاق المونديال في نوفمبر الماضي، حيث استمرت في تنفيذ خططها والتحضير لها بشكل متميز، من أجل الوفاء بوعودها بتنظيم واحدة من أنجح البطولات على مر تاريخ، دون الالتفات إلى الأصوات المناوئة التي حاولت عبر حملات منظمة النيل من جهودها ومن أحقيتها في احتضان المونديال.
مشاركة سمو الأمير
ومثلت مشاركة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في فعاليات الافتتاح، وحضور سموه بعض المباريات مادة خصبة لوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، التي قالت بعضها إنه النجم الحقيقي للمحفل الرياضي الكبير، وذلك بإشراف سموه المباشر على إنجاز وتنفيذ نسخة تاريخية استثنائية في مسيرة بطولات كأس العالم منذ انطلاقتها الأولى في ثلاثينيات القرن الماضي وحتى اليوم، فضلا عن حضور سموه المتفاعل مع المباريات والجمهور.
ونوه ريتشارد غوتي موفد صحيفة "الفويكس ديو نورد" الفرنسية إلى الدوحة، إلى الحضور اللافت لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في الاستادات كافة "في أمر لم تسجله النسخ السابقة للمونديال"، مشددا على أحقية قطر في تنظيم هذا الحدث الكروي الكبير، لاسيما في ظل تقديمها للجماهير نسخة على درجة عالية من الكفاءة والاقتدار غير المسبوقين.
بدوره، ذكر بول جارليس الخبير السياحي البريطاني، الذي يدير إحدى الوكالات السياحية المختصة أنه "في الوقت الذي اقترب فيه موعد صافرة نهاية المونديال، خرجت قطر منتصرة في رهانها على إنجاح البطولة، بالرغم عن كل ما أثير عنها في وسائل الاعلام الغربية، واستطاعت بذلك أن تحول بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 إلى فرجة كروية رائقة، أمتعت الجماهير وأنستهم كل ذلك اللغط".
أفضل نسخة في التاريخ
وأضاف جارليس، خلال حديث لبرنامج، على مدونة PR week البريطانية، أن العالم سيكيل المديح لهذا المونديال، بل قد يصفه بأفضل نسخة في تاريخ بطولات كأس العالم، خاصة أنه لم يشهد أحداث عنف أو شغب جماهيري، ليمضي قائلا "إن قطر تركت الرياضة تقول كلمتها بمعزل عن أي مسألة أخرى"، وبين بأن "الإعلام لم يجد ولو ثغرة تنظيمية بسيطة يدلف من خلالها، حتى ينتقد هذا المونديال، فكل شيء كان محكما ومعدا بعناية فائقة".
كما اعتبر أن هذه البطولة "دونت نجاحا مدويا في تاريخ بطولات كأس العالم الذي سيسدل ستارته في كنف الأمن والهدوء، بشكل قد يحول هذا المونديال إلى أن تصبح قطر قدوة في المستقبل لبقية الدول المنظمة".
ولم تكتف وسائل الاعلام العالمية بالإشادة بنجاح قطر التنظيمي والإعدادي والأمني والجمالي، وما عكسته المباريات من مستويات فنية متميزة ومتقاربة ومفاجآت غير مسبوقة، بل تحدثت عن الجوانب الثقافية والدينية المرتبطة بالتسامح والتعايش الديني، حيث ذكر تقرير مصور لوكالة "رويترز" أنه بينما كان المؤذن يرفع الأذان لصلاة العصر في مسجد "كتارا"، كانت إحدى المشجعات الأرجنتينيات تجلس خلفه وتصوره، وبدت عليها علامات الإعجاب والانبهار، لتؤكد اهتمامها بالأديان في الشرق الأوسط، ورغبتها في زيارة المساجد بعد قدومها من بلدها لحضور المونديال.
ونقلت الوكالة عن المشجعة الأرجنتينية قولها "عندما قررت أسرتنا أن تأتي إلى هنا لحضور بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، كنا متحمسين للغاية لزيارة مختلف المساجد والتعرف على الدين الإسلامي بالفعل، عندما دخلت المسجد لأول مرة شعرت براحة شديدة وبالأمان".
من جهتها، اعتبرت زائرة أرجنتينية أخرى، تدعى لوريانا ستيمفيليت، لـ"رويترز" "كأس العالم ليست كرة قدم فحسب، بل هي مناسبة للتعرف على الثقافات ومختلف الأشخاص، وفهم كيف يعيشون وكيف هي حياتهم اليومية، وهو ما حصل لها في دولة قطر التي أدهشتها بكل ما تحتويه من مرافق وأماكن ترفيهية وثقافية، فضلا عن بنية تحتية عصرية".
وفي ذات السياق، قال سادات أنور، وهو أحد المتطوعين الكنديين في مركز ضيوف قطر "هناك عدد كبير من الزوار مهتمون بهذا الجانب، وذلك ما توقعناه وما كنا نأمله، فالكثير من المشجعين يأخذون استراحة من كرة القدم ومن مشاهدة المباريات للتعرف على جوانب الثقافة القطرية"، مضيفًا أنه "كان لدينا الكثير من الزوار هنا في المسجد الأزرق أو مسجد كتارا.. الناس يهتمون حقا برؤية الهندسة المعمارية وتقدير جمال المسجد ومتابعة المصلين وهم يؤدون إحدى الصلوات الخمس يومًيا".
إعجاب بـ"متحف قطر الوطني"
كما نال متحف قطر الوطني، الذي شهد توافدًا كبيرًا للزوار والسياح، اهتمام وإعجاب أجهزة الإعلام العالمية، حيث ذكر تقرير لإذاعة "بلو رديو" الكولومبية أن الحداثة والتطور والتقاليد والصمود كلها أوصاف يمكن أن توصف بها قطر التي تمكنت، بفضل اكتشاف مخزونات من النفط والغاز، من التطور والتقدم بخطوات عملاقة، مبرزة أن هذا التحول الكبير الذي شهدته الحضارة في قطر يروي قصته متحف قطر الوطني الذي يحلق بزائره في رحلة عبر تاريخ البلاد التي استطاعت الاستقلال بذاتها والتطور كدولة عصرية ومتطورة.
إلى ذلك، شدد الإعلامي الفرنسي بولفر برون على أن خروج بعض المنتخبات الكبرى، مثل ألمانيا وإسبانيا وبلجيكا من المنافسة، لم يؤثر على اكتمال متعة جمهورهم بالمونديال، ولم ينقص المونديال بريقه، فظلت الدوحة تشهد أجواء رياضية حقيقية، مضيفا أن مونديال قطر حافظ على تميزه رغم توقيته الذي يتزامن مع تواصل مختلف الدوريات الكبرى في العالم.
وبين برون، خلال مداخلة مع برنامج على إذاعة RFI الفرنسية، أن الاتهامات التي وجهت إلى قطر، باستقدام جماهير مزيفة، كانت غير صحيحة، مؤكدا أن هناك الكثير من الجماهير الهندية أو البنغالية التي تشجع منتخبات لاتينية لا لشيء إلا لحبهم وعشقهم لنجوم على غرار البرازيلي نيمار والأرجنتيني ميسي.
تنظيم مميز
واعتبر عماد خياط الصحفي اللبناني، أن "قطر نجحت في احتضان هذا الحدث الكروي الكبير"، مشددًا على أحقيتها في تنظيم أكبر مسابقة كروية عالميًا.
وقال خياط، في برنامج أسبوع في فرنسا، في حلقة بعنوان "مونديال قطر مفاجآت في دور المجموعات" بثه تلفزيون France 24، إن "قطر نجحت في إثبات أن بإمكانها احتضان حدث كروي كبير ككأس العالم، الذي أعاد بدوره تسليط الضوء ليس على البلاد لوحدها، بل على المنطقة العربية ككل، وأثبتت أن العرب قادرون على تنظيم أحداث كهذه".
ومن جانبه قال سعادة السيد غيجيرمو لويس نيكولاس سفير جمهورية الأرجنتين لدى الدولة، "إنني لم أبدأ بعد في أداء مهمتي الأولى التي جئت من أجلها كسفير للأرجنتين في قطر، لتعزيز العلاقات الثنائية والاقتصادية مع هذا البلد، لانشغالي برعاية شؤون مشجعي المنتخب الوطني خلال فترة كأس العالم، وبالطبع سأبدأ في تلك المهمة مع حلول شهر يناير من السنة المقبلة، بعد انتهاء بطولة كأس العالم التي نركز عليها جهودنا في السفارة خلال الوقت الحالي".
وأوضح سعادته، خلال مقابلة خاصة مع تلفزيون Semana TV الأرجنتيني، أن لبلاده علاقات ثنائية تاريخية مع جميع دول الخليج العربي، مشيرًا إلى أن "قطر تعد بلدا مريحا للعيش فيه، والناس هنا لطفاء ومضيافون جدا، وبإمكان المقيم فيها ممارسة عدة أنشطة ترفيهية".