تشير البيانات الفعلية لموازنة دولة قطر، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2022، والصادرة عن وزارة المالية، إلى تحقيقها فائضا ماليا قويا تجاوز 77 مليار ريال، مقارنة مع 4.9 مليارات ريال، خلال الفترة نفسها من عام 2021، وهو ما يعيد إلى الأذهان المستويات العالية من الفوائض التي تحققت في الأعوام المالية 2012 (77 مليار ريال)، 2013 (106.3 مليار ريال)، 2014 (108.6 مليار ريال).
ويأتي هذا الفائض في الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2022 أساسا من السـيطرة الملحوظة علـى النفقـات، وارتفـاع الإيـرادات، مع انتعاش أسعار النفط، في وقت راوحت فيه أرقام الموازنة بين فائض بهامش محدود بلغ 1.6 مليار ريال في 2021، و7 مليارات ريال في 2019 و15 مليار ريال في 2018، وعجز بلغ 4.2 مليارات ريال في 2015 و10.4 مليار ريال في 2020، و44.7 مليار ريال في 2017، و50.8 مليار ريال في 2016، وهو أعلى عجز يسجل خلال العشرية الأخيرة.
وكانت التقديرات عند اعتماد موازنة الدولة للسنة المالية 2022 في 07 ديسمبر 2021، تذهب باتجاه عجز متوقع يقدر بـ8.3 مليار ريال، عزاه يومئذ سعادة السيد علي بن أحمد الكواري وزير المالية، إلى "الارتفاع المؤقت في المصروفات التشغيلية المتعلقة بأنشطة استضافة كأس العالم، والتي تشمل تكاليف الأمن، والتشغيل لكافة الفعاليات المتعلقة بكأس العالم FIFA قطر 2022".
إجمالي الإيرادات الفعلية
وتوضح بيانات وزارة المالية في هذا الشأن، أن إجمالي الإيرادات الفعلية للموازنة، خلال الأشهر التسعة الأولى من 2022، بلغ 232.6 مليار ريال، جاءت منها 193.9 مليار ريال من النفط والغاز، و38.6 مليار ريال من إيرادات غير نفطية، متجاوزا إجمالي حجم الإيرادات في العام 2021 بكامله، والتي بلغت 193.7 مليار ريال.
وتبين أن إجمالي النفقات للفترة نفسها بلغ 155.2 مليار ريال، منها 47.5 مليار ريال للرواتب والأجور، و51.2 مليار ريال للمصروفات الجارية، و3.4 مليار ريال للنفقات الرأسمالية الثانوية، و53.1 مليار ريال للمشروعات الرئيسية.
كما تشير المقارنة الربعية للبيانات الفعلية للموازنة خلال العام 2022، إلى زيادة معدل الإيرادات في الربع الثاني عن الأول بـ 31.85% و1.17% للنفقات. فيما بلغت زيادة الإيرادات خلال الربع الثالث، مقارنة بالأول 26% و0.78% للنفقات، بينما تظهر مقارنة الربعين الثاني والثالث تناقص الإيرادات في الربع الثالث بـ4.43%، والنفقات بـ0.38%.
د. رجب إسماعيل: التوجه المتحفظ لأسعار النفط في موازنة 2022 وضبطه عند مستوى 55 دولارًا للبرميل كان إيجابيًا
ووصف الدكتور رجب إسماعيل أستاذ الاقتصاد بجامعة قطر، التوجه المتحفظ لأسعار النفط في الموازنة العامة للدولة للعام 2022 وضبطه عند مستوى 55 دولارا للبرميل الواحد بالإيجابي، قائلا "هو توجه مطلوب حتى تتمكن الدولة من إدارة أسوأ الاحتمالات، فبرمجة سعر أقل مما هو متداول في الأسواق العالمية يمكن من التعامل مع تقلبات الأسواق بأكثر حكمة، ويضمن الاستمرار في تمويل مختلف بنود الموازنة بأكثر أريحية".
هامش تحرك بالموازنة
ولفت أستاذ الاقتصاد بجامعة قطر، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية قنا، إلى أن وجود هامش تحرك في الموازنة يكون أفضل بكثير من وجود العجز الذي ينجر عنه في بعض الأحيان عدم انضباط مالي، يؤثر على المشاريع والمصاريف المبرمجة، فكلما كان الهامش أكبر، مقارنة بالسعر المرجعي للموازنة، يكون هناك تقدم في تنفيذ الخطط والمشاريع المبرمجة.
وكانت الموازنة العامة للدولة في العام 2022 قد بنيت على أساس متوسط سعر نفط عند 55 دولارا للبرميل، بسبب الانتعاش الملحوظ في أسعار الطاقة العالمية، ويهدف هذا التوجه إلى الحفاظ على التوازن المالي، والحد من آثار تقلبات أسعار النفط على أداء المالية العامة.
قطر استثمرت الفوائض الحاصلة من إيرادات النفط والغاز في الموازنة في قنوات استثمارية آمنة على غرار السندات الحكومية
وأوضح الدكتور رجب إسماعيل أن قطر استثمرت الفوائض الحاصلة من إيرادات النفط والغاز في الموازنة في قنوات استثمارية آمنة على غرار السندات الحكومية، بالإضافة إلى المساهمات والحصص التي اقتناها جهاز قطر للاستثمار في كبريات الشركات العالمية الناجحة والتي تغذي عوائدها بدورها الموازنة، إلى جانب ذلك إمكانية توجيه هذه الفوائض إلى تسديد الالتزامات المتنوعة على غرار الديون وفق التقييمات المعتمدة في هذا المجال.
وتوقع أن يتم بناء موازنة العام 2023، على سعر مرجعي للنفط يقدر بـ55 دولارا، على غرار الرقم المعتمد في العام الحالي، خاصة في ظل الأسعار الموجودة في الأسواق العالمية والتي تأرجحت في الفترة الماضية بين 75 و80 دولارا، مشيرا إلى أن السياسات المالية تهدف لتحقيق الاستقرار ودفع النمو الاقتصادي.
إجمالي الإنفاق بالموازنة
وقدرت موازنة العام 2022، إجمالي الإنفاق بـ204.3 مليارات ريال، بزيادة قدرها 4.9% عن موازنة العام 2021. ويرجع هذا الارتفاع في الإنفاق بشكل أساسي إلى الزيادة المؤقتة في المصروفات التشغيلية المتعلقة بأنشطة استضافة كأس العالم 2022، حيث تم تخصيص مبلغ 74 مليار ريال للمشروعات الرئيسية من إجمالي مصروفات الموازنة العامة لعام 2022.
أحمد عقل: الفوائض التي تم تحقيقها خلال هذا العام حتى الآن مهمة جدًا وقياسية حيث تجاوزت 77 مليار ريال
من جهته، قال المحلل الاقتصادي السيد أحمد عقل في تصريح مماثل لـقنا، إن "الفوائض التي تم تحقيقها خلال هذا العام، حتى الآن مهمة جدا وقياسية، حيث تجاوزت 77 مليار ريال، مع العلم أن توقعات صندوق النقد الدولي مع بداية العام الجاري، كانت عند 45 مليار ريال".
ورأى أن سبب هذه الزيادة الكبيرة في الفوائض خصوصا في الربعين الثاني (أكثر من 33 مليار ريال) والثالث (30 مليار ريال)، هو الفروقات ما بين السعر المرجعي بالموازنة للعام 2022، والذي كان متحفظا جدا عند 55 دولارا للبرميل، وسعر النفط الذي بلغ أكثر من 100 دولار خلال الأشهر التسعة أو العشرة الأولى من العام 2022، ما سمح للموازنة بأن تحقق نسب فوائض مرتفعة وممتازة جدا.
وأوضح أن "النفقات التي تم تسجيلها خلال هذه الفترة، والتي كانت رشيدة وضمن المتوقع، وارتفاع أسعار النفط والغاز هي الأسباب الرئيسية للفوائض المحققة، وتوقع أن يلامس حجم فائض الموازنة في الربع الرابع نظيره في الربع الأول (13 مليار ريال تقريبا)، مما يعني أن الفوائض المحققة بنهاية العام 2022، ستكون قياسية وبين 90 و100 مليار ريال".
يشار إلى أن مشـاريع البنية التحتية، وتطوير أراضي المواطنين، ومشاريع تطوير الخدمات العامة مـن صحة وتعليم حظيت بأولوية الإنفـاق في الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2022، وذلك توازيا مع استمرار الدولة في التركيز على قطاعي التعليم والصحة، وفي حين بلغت مخصصات التعليم نحو 17.8 مليار ريال وهو ما يمثل 8.7% من إجمالي المصروفات، تم تخصيص 20 مليار ريال لقطاع الصحة، وهو ما يمثل 9.8% من المصروفات الإجمالية، تتضمن المزيد من المشاريع والبرامج التطويرية، من أجل الارتقاء بخدمات الرعاية الصحية المقدمة بالدولة.