تعكس أرقام موازنة قطر للعام المالي 2023 حرص الدولة على الاستمرار في تحفيز نمو الاقتصاد وزيادة تنويعه، وذلك بالنظر إلى المستويات العالية من الإنفاق (199 مليار ريال)، وتوجيه الفائض المقدر بـ 29 مليار ريال، إلى سداد الدين العام ودعم احتياطيات مصرف قطر المركزي، وزيادة رأس مال جهاز قطر للاستثمار.
ويعد الفائض التقديري (29 مليار ريال) في موازنة قطر للعام المقبل هو الأول بهذا الحجم خلال العشرية الأخيرة، ويعزى إلى ارتفاع الإيرادات النفطية بنسبة 20.8% بفضل ارتفاع متوسط أسعار النفط عند 65 دولارا للبرميل، الأمر الذي أفضى لزيادة الإيرادات الكلية بنسبة 16.3%، بالمقارنة مع موازنة 2022، إضافة إلى انخفاض المصروفات بنسبة 2.6% مع انتهاء المصروفات المتصلة باستضافة بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022.
البيانات التقديرية والفعلية
وبمقارنة بيانات الفائض والعجز (التقديرية والفعلية) في موازنات قطر للعشرية المذكورة، يظهر أنها شهدت عجزا في الحالتين التقديرية والفعلية بلغ أقصاه في العام المالي 2016 عند 46.5- مليار ريال (تقديري) و50.8- مليار ريال (فعلي)، ثم 28.3- مليار ريال (تقديري) في 2017، و44.7- مليار ريال (فعلي)، كما بلغ الفائض 4.3 مليار ريال (تقديري) في 2019، و7 مليارات ريال (فعلي)، بينما تحول الفائض في العام المالي 2014 - 2015 من 12.8 مليار ريال (تقديري) إلى عجز بلغ 4.2- مليار ريال (فعلي)، و0.5 مليار ريال (تقديري) في 2020، إلى 10.4- مليار ريال (فعلي)، وانقلب العجز من 28.1- مليار ريال (تقديري) في 2018 إلى فائض بلغ 15 مليار ريال (فعلي)، و34.6- مليار ريال (تقديري) في 2021 إلى 1.6 مليار ريال (فعلي).
وتظهر البيانات التفصيلية لموازنة قطر للعام 2023 أن 22 مشروعا جديدا بتكلفة إجمالية مقدارها 9.8 مليار ريال سترى النور ضمن الإنفاق المقرر أن يصل 64 مليار ريال من إجمالي مصروفات الموازنة العامة على المشروعات الرئيسية للعام المقبل، من هذه المشروعات 14 مشروعا بناء على تقييم الأولويات بقيمة 5.5 مليار ريال و 8 بناء على مشاريع جديدة تم الالتزام بها بقيمة 4.3 مليار ريال.
ما بعد المونديال
ويعزى الارتفاع في مخصصات المصروفات التشغيلية بالموازنة الجديدة إلى تكاليف استدامة المرافق العامة والبنية التحتية التي سيكون لها دور مهم في مرحلة ما بعد كأس العالم، حيث قامت الدولة ببناء بنية تحتية متكاملة ستكون ركيزة أساسية لتطور الاقتصاد المحلي وازدهاره.
وكان سعادة السيد علي بن أحمد الكواري وزير المالية، قد أشار مؤخرا إلى أنه تم في إطار موازنة 2023 تخصيص الموارد المالية للالتزامات القائمة، وبرامج ومشاريع استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة، وتوفير المخصصات اللازمة للاستمرار في مشاريع البنية التحتية المعتمدة، وبالأخص تلك المتعلقة بتطوير أراضي المواطنين الجديدة والقائمة، إضافة إلى الاستمرار في خطة الدولة في رفع كفاءة الإنفاق، وتخصيص الموارد المالية لتخفيض مستويات الدين الحكومي.
وتشير مقارنة موازنتي العام الجاري 2022 والمقبل 2023 إلى زيادة مخصصات ثلاثة من أبواب الموازنة هي: “الرواتب والأجور” و”المصروفات الجارية” و”المصروفات الثانوية”، لتشكل على التوالي 31% و34% و3% من إجمالي مصروفات موازنة 2023، بينما شكلت 29% و33% و2% على التوالي من إجمالي مصروفات موازنة 2022، وتراجعت مخصصات باب “المصروفات الرأسمالية” من 36% من إجمالي الإنفاق بموازنة 2022 إلى 32% في موازنة 2023.
مشاريع ناجحة
في هذا الصدد، أبرز أحمد عقل الخبير الاقتصادي والمحلل المالي، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية “قنا”: أن خفض الإنفاق على المشاريع الرأسمالية، وتقليص المخصصات يعود لنجاح المشاريع التي تم تنفيذها في الفترات السابقة، وانتقالها إلى مراحل التشغيل الكافي لاحتياجات البلد خلال هذه الفترة، وذلك على الرغم من أن ما تم تنفيذه قبل انطلاق كأس العالم 2022 هو محطة في الطريق النهائي للوصول إلى متطلبات قطر 2030، وهي الرؤية الأكبر والأشمل والأكثر عمومية.
أحمد عقل: من أهم ملامح الموازنة الجديدة وجود فائض مقابل عجز كان موجودا بموازنة 2022
وأوضح أن من أهم ملامح الموازنة الجديدة وجود فائض مقابل عجز كان موجودا بموازنة 2022، ويرجع هذا الفائض جزئيا إلى اعتماد سعر متوقع لبرميل النفط عند 65 دولارا مقابل 55 دولارا للعام 2022، وهو ما ترتب عليه ارتفاع الإيرادات النفطية المتوقعة من 154 مليار ريال في العام الجاري إلى 186 مليار ريال في 2023.
وذكر عقل أن الملمح الثاني ضمن ملامح هذه الموازنة هو المحافظة على مستوى إنفاق قريب جدا من مستواه في العام 2022، وذلك على الرغم من انتهاء الحدث الأهم بدولة قطر وهو كأس العالم FIFA قطر 2022، وإنجاز العديد من المشاريع الرئيسية "وتعتبر المحافظة على نفس مستويات الإنفاق إيجابية جدا ومشجعة للأسواق، وستؤثر بشكل مهم ومباشر على أسواق المال، وعلى الحركة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بشكل عام".
دعم الصحة والتعليم
ورأى أن الإنفاق الكبير على القطاعين الصحي والتعليمي، بحوالي 20% من إجمالي مصروفات الموازنة، يعكس استمرار الدولة في التوجه نحو الاستثمار في الكادر البشري، حيث تم تخصيص جزء من الموازنة الجديدة لتوسعة وتطوير المدارس والمؤسسات التعليمية، بالإضافة إلى المزيد مـن المشاريع المهمة في مجال تطوير الرعاية الصحية، وتوسعـة المنشآت الصحية المعتمدة للعام المقبل، باعتبارها أولى أولويات الموازنة الجديدة.
واعتبر الخبير الاقتصادي لـ”قنا”، إن السعر المرجعي لبرميل النفط في الموازنة الجديدة عند 65 دولارا، يبقى بناء على توقعات كثير من بيوت الخبرة والبنوك العالمية سعرا ممتازا في ظل الظروف الحالية، وآمنا بالنظر إلى التوقعات بانتعاش أسواق الطاقة العالمية، وعودة أسعار النفط للارتفاع مضيفا "صحيح أنه في بعض الأحيان قد يكون أقل أو أكثر على مستوى العام ككل، لكنه في تقديري سيكون مقبولا وقادرا على مواجهة الصدمات، خصوصا في الفترة المقبلة من العام 2023، وعودة الاقتصاد العالمي للتوسع مرة أخرى".
وعن تأثير رفع أسعار الفائدة على أسعار النفط بشكل عام، قال أحمد عقل الخبير الاقتصادي والمحلل المالي: "نحن نعرف أن ارتفاع أسعار الفائدة هو قوة إضافية للدولار، وهو ما يعني ضغطا على مستوى أسعار النفط، ولكن الوضع الحالي هو وضع غير اعتيادي.. هو وضع استثنائي؛ لأن انخفاض أسعار النفط أو وضع ضغوط عليها لا يعود فقط إلى قوة الدولار وارتفاع أسعار الفائدة، بل إلى شح المعروض، وخفض الإنتاج، وحرب روسيا وأوكرانيا، إضافة إلى شتاء قارس قادم يتوقع أن يزيد فيه الطلب على النفط بشكل ملحوظ، إضافة لعودة فتح المصانع والاقتصاديات العالمية الكبرى مثل الاقتصاد الصيني وغيره. هذه عوامل كلها تساهم بشكل كبير في ارتفاع الطلب، إضافة إلى شح المعروض ببعض الأحيان أو ثباته".
ملامح الموازنة الجديدة
من جهته، قال رمزي قاسمية المحلل الاقتصادي في تصريح مماثل لـ “قنا”: إن أهم ملامح الموازنة الجديدة للدولة استحواذ قطاعي التعليم والصحة على قرابة 20% من المصاريف، الأمر الذي يوضح الاهتمام البالغ الذي توليه قطر للعنصر البشري والاستثمار فيه.
ورأى أن السعر المفترض في الموازنة (65 دولارا للبرميل) منطقي؛ كون أسعار النفط خلال العام الحالي كانت أعلى من هذا المستوى، مضيفا: "هذه نقطة، النقطة الثانية أن دولة قطر تعتمد في معظم إيراداتها على الطاقة، وعلى مجال عقود الغاز، وهذه الإيرادات المتأتية منه هي أقل في تقلبات أسعارها من أسعار النفط، خاصة أن قطر تتبع أسلوب توقيع عقود طويلة الأجل مع الدول المستوردة للغاز القطري، وبالتالي فدرجة تذبذب أسعار الغاز في تلك العقود هو أقل من تذبذب أسعار النفط، ما يعني أن الاقتصاديات التي تعتمد بشكل كلي على النفط ستكون معرضة أكثر منها لتقلبات الأسعار".
رمزي قاسمية: الدولة مستمرة بالإنفاق على المشاريع الرأسمالية وحريصة على تحفيز النمو الاقتصادي
ولفت قاسمية إلى استمرار الدولة في نهجها بالإنفاق على المشاريع الرأسمالية واستكمالها، معتبرا أن النفقات المرصودة لها شهدت تراجعا ليس بكبير عن العام 2022، وذلك على الرغم من انتهاء المشاريع المرتبطة بكأس العالم، الأمر الذي يوضح حرص الدولة على الاستمرار في تحفيز النمو الاقتصادي.
بيئة اقتصادية خصبة
يشار إلى أن سعادة وزير المالية كان قد أكد مؤخرا أن الموازنة العامة لسنة 2023 وضعت على نحو يتيح المجال لبيئة اقتصادية خصبة ومنفتحة وقادرة على التنافس عالميا ومقاومة للمتغيرات المستقبلية، على أن يكون ذلك في مناخ مالي مستقر وآمن وجاذب للاستثمارات الأجنبية، ومحفز لنظيراتها الوطنية، كما يمتاز بمعدلات تضخم متدنية، وبتشجيع للقطاع الخاص ودعمه ليؤدي الدور المنتظر منه في تحقيق التنمية المستدامة.
وقال: إن الموازنة الجديدة بنيت مع الأخذ بعين الاعتبار أن اقتصاد دولة قطر هو واحد من أسرع الاقتصادات نموا في المنطقة؛ إذ يُتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.5% خلال العام 2023 حسب إحصائيات صادرة عن صندوق النقد الدولي.
وأوضح أن معدلات التضخم العالمية خلال عام 2023 ستتجاوز، استنادا إلى توقعات صندوق النقد الدولي 6.5%. "أما في دولة قطر، فمن المتوقع أن تبلغ 3.3% خلال العام 2023، مع العلم أن الدولة اتخذت تدابير فعالة للحفاظ على نسب تضخم متدنية. من هذه التدابير تثبيت أسعار المحروقات، ودعم المنتجات الغذائية والمشروبات، وإعفاء المنتجات المستوردة من الرسوم الجمركية".