أصبحت تربية نحل العسل في الكثير من الدول مهنة تتيح لمن يمتهنها من المزارعين والشركات والجمعيات المتخصصة الفرصة لزيادة الدخل، وتوفير سبل العيش اللائق، وتحقيق أرباح، فضلا عن دور هذا النشاط في المحافظة على الحياة البرية والفطرية، وتوفير الغذاء، والمساهمة في عمليات تلقيح الخضراوات والنباتات.
ويزداد الطلب على العسل أيضا لأهميته الطبية، ودخوله في صناعات شتى، وهو ما أدى بدوره إلى التوسع في مشاريع التشجير والنباتات والزهور التي يتغذى عليها النحل، وفي توفير مساحة أكبر له لالتقاط الرحيق، ومن ثم زيادة إنتاجه من العسل، علاوة على فوائد عسل النحل الكثيرة الأخرى واستخداماته المتعددة، ومنها دخوله في الكثير من صناعات المستحضرات الطبية والتجميلية، وصدق الله تعالى حين قال في محكم تنزيله: "وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون".
ووفقا لمنظمة الغذاء العالمية، تعتبر صناعة نحل العسل من القطاعات الحيوية في الاقتصاد العالمي؛ نظرا لأهميته لقطاع الزراعة، حيث يسهم بأكثر من 35 بالمئة من الغذاء العالمي عبر تلقيح النحل للمحاصيل الزراعية.
التوسع في تربية النحل
وفي دولة قطر كانت تربية النحل، حتى وقت قريب، تعتمد على الاجتهادات الشخصية، فهي مجرد هواية فقط للأفراد الراغبين في اقتناء بعض المناحل بالاعتماد على استيراد مستلزمات النحل ومنتجاته من خارج البلاد، لكن منذ بداية عام 2013 اهتمت الدولة بمجال تربية نحل العسل بالمزارع القطرية، ووفرت التسهيلات اللازمة لتطوير هذه الصناعة.
وأعدت وزارة البلدية في هذا الخصوص المشروع الوطني لنحل العسل، والذي يقوم على توزيع المناحل ومستلزماتها على المزارع المنتجة المسوقة؛ وذلك بهدف نشر وتوطين إنتاج عسل النحل بالمزارع القطرية، وزيادة نشاطها في هذا الخصوص بإنتاج عسل نحل محلي عالي الجودة، وكذا زيادة دخل المزارعين المنتجين للعسل، مما يشجعهم على الاستثمار في هذا المجال.
م. يوسف الخليفي: وزارة البلدية وضعت برنامجًا وطنيًا لتطوير ونشر نشاط تربية النحل
وفي هذا الإطار، قال المهندس يوسف خالد الخليفي مدير إدارة الشؤون الزراعية بوزارة البلدية، في مقابلة خاصة مع وكالة الأنباء القطرية “قنا”: إن اهتمام الوزارة ممثلة في الإدارة بمجال تربية نحل العسل، يأتي في إطار اهتمامها بالمزارع القطري، دعما وتشجيعا له على طرق مجالات إنتاجية جديدة، مشيرا إلى أن وزارة البلدية وضعت في هذا السياق برنامجا وطنيا لتطوير ونشر نشاط تربية النحل، بجانب تقديم برامج إرشادية في هذا المجال، وهو ما أثمر عن زيادة كبيرة في حجم إنتاج عسل النحل في المزارع القطرية.
أهداف البرنامج الوطني
وحول أهداف مشروع البرنامج الوطني لنحل العسل قال الخليفي، إنها تتمثل في تشجيع ومساعدة أصحاب المزارع على توطين تربية نحل العسل، وفي إنتاج العسل، وتنويع مصادر دخل المزارع، والاستفادة من النحل في عملية تلقيح الخضراوات لزيادة الإنتاج.
البرنامج يستهدف كل المزارع بالدولة مع ضرورة توفر بعض الشروط والمعايير المحددة لتربية النحل
وتابع أن البرنامج يستهدف كل المزارع بالدولة، مع ضرورة توفر بعض الشروط والمعايير المحددة لتربية النحل، مثل أشجار السدر الكبيرة وبكميات مناسبة، مع توفر مساحات مزروعة لتمثل (غذاء النحل)، وكذلك توفر الظل داخل المزرعة من خلال الأشجار الكبيرة لهذه الغاية، وأرجع ذلك لكون النحل لا يتحمل حرارة الشمس المباشرة على الخلايا.
#قنا_فيديو |
— وكالة الأنباء القطرية (@QatarNewsAgency) February 8, 2023
مدير إدارة الشؤون الزراعية بوزارة البلدية في مقابلة خاصة مع #قنا : اهتمام الوزارة بمجال تربية نحل العسل يأتي في إطار اهتمامها بالمزارع القطري pic.twitter.com/sQHtfCTkIp
وبلا شك فإن تطور هذه الصناعة والتوسع فيها يتطلب تقديم الدعم لأصحاب المزارع القطرية المهتمة بتربية نحل العسل، وتشجيعهم وتحفيزهم على زيادة الإنتاج من العسل بأنواعه المختلفة، وهو ما يلاحظه المستهلكون بالفعل عند زياراتهم لمهرجانات العسل المختلفة التي تقام بالدولة، حيث يشاهدون أصنافا عالية الجودة من العسل المحلي بأحجام وعبوات مختلفة وأسعار معقولة.
ويضيف الخليفي قائلا في هذا السياق: إن وزارة البلدية دعمت المزارع بطرود النحل الحي ومستلزماته مثل (فرازات العسل، والمناضج وهي (أوانٍ مخصصة لتخزين العسل وحفظه)، وأيضا أقراص خشب وشمع ومدخنات، بالإضافة لكل ما يلزم المربي ولفترة زمنية طويلة.
منح للمزارعين
ولفت إلى أنه تم توزيع منح على المزارعين خلال الأعوام: 2013، و2014، و2016 و2021، شملت تزويدهم بـ 1729 خلية نحل مع مستلزماتها لـ 196 مزرعة، فضلا عن استيراد نحل مقارب للظروف الجوية في قطر.
لكل ذلك، فإن تربية النحل تعد من القطاعات الزراعية المهمة التي تساهم بشكل أساسي في تنمية وتطوير الاقتصاد الزراعي؛ كونها توفر العديد من المنتجات التي تعتبر بمثابة غذاء ودواء للبشر مثل: العسل، والغذاء الملكي، والشمع، وحبوب اللقاح، إضافة إلى دور النحل في عملية تلقيح النباتات.
ونتيجة للدعم والمنح التي توفرها الدولة لمربي المنحل من أصحاب المزارع القطرية، زاد حجم الإنتاج منه، مع حرص المزارعين ورغبتهم الأكيدة في تكثيف نشاط مزارعهم، والتوسع أكثر مستقبلا في الإنتاج.
وعلق مدير إدارة الشؤون الزراعية بوزارة البلدية على ذلك، في مقابلته مع “قنا”، بقوله: الحمد لله، إن الإنتاج في زيادة مستمرة كل عام، وكان إنتاج العسل في العام 2016 مثلا (2190) كيلو جراما، فيما زاد في العام 2022 إلى (14300) كيلوجرام.
تربية النحل من القطاعات الزراعية المهمة التي تساهم بشكل أساسي في تنمية وتطوير الاقتصاد الزراعي والوطني
ولفت إلى أن تربية النحل تعد من القطاعات الزراعية المهمة التي تساهم بشكل أساسي في تنمية وتطوير الاقتصاد الزراعي والوطني، بالإضافة إلى منتجاته المتعددة، فهو يساهم في تلقيح الكثير من الأنواع النباتية خاصة الخضراوات، منوها بأن النحل يسهم بنسبة ليست بالقليلة في إنتاجية المحاصيل الزراعية على تنوعها واختلافها، ويعمل على الحفاظ على التنوع الحيوي للأنواع النباتية.
وتطرق الخليفي إلى التقنيات الحديثة وعملية التدريب لزيادة الإنتاج، وتشجيع المزارعين للاستثمار في هذا المشروع، فأوضح أن إدارة الشؤون الزراعية قامت بوضع برنامج لتطوير ونشر نشاط تربية النحل بالدولة، رصدت له موازنة مقدرة؛ بهدف دعم المزارع وتوطين تربية النحل، مبينا أن ذلك قد تمثل في استيراد نحل مقارب للظروف الجوية والبيئة القطرية، ما سهل تربيته في ظروف موائمة، إضافة إلى التدريب والتوعية للمزارع والمربي وحتى للمواطن العادي، عبر سلسلة البرامج الإرشادية، والزيارات الميدانية والنشرات الإرشادية والندوات والمحاضرات بالمدارس والجامعات على تربية خلايا النحل وإنتاج العسل، وإدخال تقنيات وأجهزة حديثة في تربية النحل.
كما تعمل الوزارة -حسب قوله- على تنشيط المزارع بالمتابعة الدورية والزيارات المتكررة، وبالدعم الفني والتدريب لمشرفي ومربي النحل بالمزارع، ونشر التوعية بالطرق السليمة للتربية وقطف العسل، والتأكيد على ضرورة الاهتمام بالنحل في المزارع، وكذا التركيز على كيفية المحافظة عليه خلال فترات الصيف لقلة وضآلة المرعى حتى موعد موسم أشجار السدر.
تشجيع المزارع على طرق مجالات إنتاجية جديدة يؤكد اهتمام إدارة الشؤون الزراعية بمجال تربية النحل
وقال الخليفي: إن تشجيع المزارع على طرق مجالات إنتاجية جديدة، يؤكد اهتمام إدارة الشؤون الزراعية بمجال تربية النحل، بالإضافة إلى العمل على توطين وإكثار تربية ملكات النحل لإنتاج سلالة تعيش متلائمة مع البيئة القطرية في مشتل أم قرن، مشيرا إلى أنه بعد التأكد من جودتها وتميزها في الصفات المرغوبة لمربي النحل بالدولة، تم توزيعها على المزارع النشطة خلال الأعوام 2019، 2021 و 2022، ومن ذلك توزيع (972) ملكة نحل، ما ساهم في زيادة الإنتاجية لدى المزارع، مع تعميم هذه السلالات كدعم مجاني للمزارع.
إلى ذلك، قال السيد ناصر علي خميس الكواري صاحب مزرعة “الصفوة” في حديث لوكالة الأنباء القطرية “قنا”: إن وزارة البلدية تقدم المساعدة لمربي نحل العسل في إطار دعمها للمنتجات الوطنية، واهتمامها بالمنتجات الزراعية.
وأكد الكواري أن مشاريع تربية نحل العسل في تزايد نتيجة لكل ذلك، ما ساهم في زيادة الإنتاج من العسل المحلي بكميات مقدرة وجودة عالية تلبي حاجة المستهلكين.
توفير مقومات النجاح
لكل ذلك تحرص وزارة البلدية، ممثلة في إدارة الشؤون الزراعية، على توفير كل المقومات لنجاح المشروع الوطني لنحل العسل، حيث خصصت في هذا الصدد عددا من الفنيين للإشراف على جميع مراحل الإنتاج في المشروع من تدريب للعمال والقيام بزيارات ميدانية دورية للمزارع، لمتابعة عملية تربية النحل، وتقديم الإرشادات الدورية لمربي النحل، إضافة إلى الدورات التدريبية وورش العمل حول تربية نحل العسل بمشاركة الكادر الفني والمربين بالمزارع المستفيدة من المشروع.
وبالتأكيد فإن اهتمام وزارة البلدية بقطاع النحل يعكس كذلك تنامي الوعي لدى المواطنين بأهمية عسل النحل؛ كونه منتجا طبيعيا، مع تزايد الإقبال على استهلاكه، وكون العسل المنتج محليا يتميز بشعبية ونوعية وطلب عال، ويستخدم دواء للعديد من الأمراض قبل أن يكون غذاء صحيا لجميع الأعمار، علما بأن مشاريع تربية نحل العسل في قطر تتطابق مع الأهداف البيئية من خلال زيادة التنوع البيولوجي عبر التلقيح الطبيعي، وتنسجم في الوقت ذاته مع استراتيجية الدولة للأمن الغذائي.
كما أن بدء وزارة البلدية منذ عام 2013 في توزيع جميع مستلزمات تربية النحل، قد ساهم في تعزيز قدرات المزارع، وبدء الإنتاج بكميات تجارية، ليشكل المنتج قيمة مضافة للاقتصاد الوطني بشكل عام.