في إطار حرص دولة قطر وإستراتيجيتها الهادفة لبناء أقوى العلاقات والشراكات المتميزة ومد الجسور وتقوية الروابط مع الأشقاء والأصدقاء، بدأ حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، زيارة رسمية للجمهورية الإيطالية الصديقة، يبحث خلالها مع فخامة الرئيس سيرجيو ماتاريلا رئيس الجمهورية الإيطالية، العلاقات الثنائية الوثيقة وسبل تطويرها في شتى المجالات في ظل روابط الصداقة المتميزة والتعاون المتنامي بين البلدين خاصة في مجالات الطاقة والاقتصاد والتعليم والصحة والثقافة.
وتعكس زيارة سمو الأمير المفدى لجمهورية إيطاليا الصديقة مدى عمق العلاقات بين البلدين في شتى المجالات، كما تأتي في مرحلة مهمة جدا للعلاقات بينهما.
ومن المنتظر أن تسهم الزيارة والمباحثات التي ستجرى خلالها في تطوير علاقات التعاون بين البلدين الصديقين، والانتقال بها إلى آفاق أرحب وأرقى في جميع المجالات، وأن تؤسس لمرحلة متقدمة من التعاون الاقتصادي بما يشمل زيادة حجم التبادل التجاري وقطاعات حيوية مهمة بين البلدين اللذين تجمعهما مصالح مشتركة في مجالات مختلفة.
علاقات قديمة وممتازة
وتتميز العلاقات الثنائية بين دولة قطر وجمهورية إيطاليا الصديقة، بأنها علاقات قديمة وممتازة على جميع الأصعدة ومنها السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية، وهي تعتمد في أساسها على الاحترام والثقة المتبادلة والمصالح المشتركة، ما نقلها إلى المستوى الإستراتيجي.
وقد توجت العلاقات القطرية الإيطالية بتبادل افتتاح سفارات مقيمة في عاصمتي البلدين عام 1992، وهي تشهد منذ ذلك الوقت تطورا سريعا ومتينا في كافة المجالات وخاصة في القطاعين الاقتصادي والتجاري.
وتشهد العلاقات القطرية الإيطالية زيارات متبادلة ومستمرة على أعلى المستويات بهدف تدعيم هذه العلاقات وتطويرها، ومن أبرزها، زيارة الدولة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى إلى إيطاليا في نوفمبر 2018، وزيارة سموه الرسمية خلال يناير 2016، وزيارة الدولة التي قام بها فخامة الرئيس سيرجيو ماتاريلا رئيس جمهورية إيطاليا للدوحة في يناير 2020.
وفي علامة فارقة في العلاقات الدبلوماسية الوثيقة بين دولة قطر والجمهورية الإيطالية، عقدت جولة الحوار الإستراتيجي الأولى بين البلدين في روما خلال فبراير من العام الماضي برئاسة سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، وسعادة السيد لويجي دي مايو وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي بالجمهورية الإيطالية "في ذلك الوقت".
وشكل انطلاق الحوار الإستراتيجي تأكيدا لعزم البلدين على تعميق الشراكة بينهما في المجالات ذات الاهتمام المشترك، من أجل مصلحة شعبي البلدين الصديقين، حيث جرى خلاله، مناقشة وبحث العلاقات الثنائية وآخر مستجدات المنطقة والقضايا الإقليمية والتطورات الدولية، بالإضافة إلى تبادل الآراء حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، وشكل الحوار فرصة سانحة لبحث العلاقات بين البلدين، خصوصا في الأمور المتعلقة بالدفاع والأمن والاقتصاد، وأظهر تطابق المواقف القطرية والإيطالية حيال القضايا التي تصب في صالح تحقيق السلم والأمن الدوليين.
وقد شهدت العلاقات الاقتصادية القطرية الإيطالية تطورًا متميزًا بعد الافتتاح الرسمي لمحطة "أدرياتيك" للغاز الطبيعي المسال في عرض بحر مدينة "روفيغو" الساحلية الإيطالية في أكتوبر 2009، والتي تستقبل الغاز القطري المسال بمعدل 8 مليارات متر مكعب سنويا، وهو ما يعادل 10 بالمئة من احتياجات إيطاليا.
وقد استمرت الاتصالات السياسية والمؤسسية بين الدوحة وروما في التوسع، وشهدت مؤخرا تعاونا في مجال الطاقة من خلال الشراكة بين شركة "إيني" الإيطالية وقطر للطاقة في مشاريع توسعة حقل الشمال، أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم.
كما تعززت هذه العلاقات بالمشاركة الناجحة لدولة قطر في معرض إكسبو ميلانو 2015، حيث شهد جناح دولة قطر تنظيم عدة فعاليات ساهمت بشكل كبير في التعريف بالاقتصاد القطري وآفاقه الاستثمارية الواسعة.
تعاون عسكري
كما يغطي التعاون الثنائي بين البلدين المجال العسكري ويشمل شراء قطر سبع وحدات بحرية إيطالية بقيمة 5 مليارات يورو، وشراء طائرات هليكوبتر من طراز "NH90"، وهي الأحدث من نوعها في قطاع الطائرات العمودية
وتربط العلاقات القطرية الإيطالية مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تغطي التعاون في القطاعات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والدفاعية والاستثمارية، والعلمية والتعليمية والصحية والشبابية والرياضية والفنية والثقافية والسياحية وفي مجالات الطاقة والزراعة والمشاريع الاستراتيجية الخاصة بالأمن الغذائي، بالإضافة إلى إنشاء مجلس رجال أعمال مشترك قطري إيطالي، لتعزيز العلاقات الاقتصادية واستكشاف مجالات التعاون الثنائي.
وتعتبر إيطاليا شريكا مهما لدولة قطر، حيث شهد حجم التبادل التجاري بين البلدين تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، وقد نمت الشراكة الاقتصادية بين الطرفين خلال الأعوام العشرة الماضية، بأكثر من 320 بالمئة.
وتعد الجمهورية الإيطالية ثامن أكبر شريك تجاري لدولة قطر، وسابع مورد لها، وإحدى أهم وجهات الاستثمارات القطرية التي دخلت في مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية هناك، مجسدة بذلك حرص دولة قطر على تسخير جزء من مواردها للاستثمار في اقتصادات الشركاء الإستراتيجيين حيث توجد الفرص الاستثمارية الواعدة، وتتركز الاستثمارات القطرية في إيطاليا في قطاع العقارات والفنادق وتطوير بعض المناطق السكنية، بالإضافة إلى استثمارات الخطوط الجوية القطرية.
ويقدر عدد الشركات الإيطالية العاملة بدولة قطر بنحو 250 شركة، منها 200 شركة برأس مال قطري إيطالي مشترك و50 شركة برأسمال وملكية إيطالية بنسبة مئة بالمئة، وتؤدي الشركات الإيطالية دورًا مهما في دعم الخطط والمشاريع التنموية للدولة، وتركز بشكل أساسي على سوق البناء والتشييد، وذلك لتنوع أنشطة شركاتها العاملة في هذا المجال، على غرار صناعة مواد البناء الخام، لا سيما إنتاج الرخام الإيطالي وصناعة آلات ومعدات البناء، والعمل في قطاع تكنولوجيا المعلومات والتجارة والخدمات وغيرها من القطاعات الحيوية الأخرى، كما تولي الشركات الإيطالية العاملة في دولة قطر أهمية كبرى لمجال الطاقة المتجددة، والذي يعد موضع اهتمام مشترك بين البلدين، خصوصا في ظل توجه دولة قطر نحو ترسيخ الاعتماد على الطاقة النظيفة والصديقة للبيئة في كافة مشاريعها التنموية.
وتقدر مساحة إيطاليا بثلاثمائة ألف كيلو متر مربع، ويزيد عدد سكانها عن ستين مليونا، حيث كانت إيطاليا عام 2008 سابع أكبر اقتصاد في العالم ورابع أكبر اقتصاد في أوروبا، وفقا لصندوق النقد الدولي. وهي عضو في مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.