بدأ حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، زيارة عمل للجمهورية الفرنسية الصديقة، يبحث خلالها مع فخامة الرئيس إيمانويل ماكرون رئيس الجمهورية الفرنسية الصديقة علاقات التعاون المتميزة بين البلدين، وسبل دعمها وتطويرها في مختلف المجالات، إضافة إلى عدد من القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك.
وتعكس زيارة سمو الأمير المفدى لجمهورية فرنسا الصديقة قوة ومتانة الشراكة الاستراتيجية المتنامية بين الجانبين، ونجاحهما في صياغة وبناء علاقات راسخة، تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والتعاون في كل المجالات؛ من أجل تأمين غد أفضل لأجيال الحاضر والمستقبل.
تعزيز الصداقة العميقة
ومن المنتظر أن تسهم زيارة سمو الأمير المفدى لباريس، والمباحثات التي ستجرى خلالها، في تعزيز الصداقة العميقة والعلاقات الاستراتيجية بين البلدين، ودفعها للأمام نحو آفاق أرحب، وفتح مجالات جديدة أمام نموها وازدهارها لما فيه خير ومصلحة البلدين والشعبين الصديقين، وبما يخدم الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة والعالم.
وتدشن مباحثات سمو الأمير المفدى مع فخامة الرئيس الفرنسي مرحلة جديدة من علاقات التعاون والتنسيق بين البلدين، كما تكتسب أهمية كبيرة؛ نظرا لتزامنها مع التطورات الدولية المتلاحقة على أكثر من صعيد، والتقلبات في أسواق الطاقة والمواد الأولية والغذائية، والتي تتطلب التواصل والتشاور على أعلى المستويات بين البلدين الصديقين، في وقت يبرز فيه الدور الذي تلعبه دولة قطر في فض النزاعات الدولية، وتخفيف حدة الأزمات بمناطق عديدة بالعالم.
وتشهد العلاقات بين البلدين تطورا متواصلا من خلال الزيارات الرسمية المتبادلة وعلى أعلى المستويات بين البلدين، والتي كانت أحدثها زيارة حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى لباريس في مايو 2022، وزيارة العمل التي قام بها فخامة الرئيس الفرنسي للدوحة في ديسمبر عام 2021، كما قام فخامة الرئيس الفرنسي بزيارة الدوحة في ديسمبر الماضي لحضور بعض فعاليات بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022.
وبتوجيهات سامية ومتابعة دقيقة من قيادتي البلدين، غدت العلاقات القطرية - الفرنسية من الثوابت الاستراتيجية، التي تتوج بالمشاورات السياسية على أعلى المستويات، والتي تعكس رؤى موحدة، ومصالح مشتركة، وتقارب وجهات النظر بين البلدين حيال القضايا الإقليمية والدولية، فضلا عن متانة التعاون الاستراتيجي في مجالات الاقتصاد والاستثمار والدفاع ومكافحة الإرهاب.
الحوار الاستراتيجي
وتجسيدا للإرادة السياسية لقادة البلدين للارتقاء بالعلاقات الثنائية وتطويرها إلى مستوى يخدم مصالح الشعبين الصديقين، عقدت بالدوحة في مارس من العام الماضي الجولة الأولى للحوار الاستراتيجي بين حكومتي دولة قطر والجمهورية الفرنسية، برئاسة سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، وسعادة السيد جان إيف لودريان وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي.
وجرى خلال الجولة مناقشة علاقات التعاون الثنائي بين البلدين وسبل دعمها وتطويرها، وعدد من القضايا السياسية والاقتصادية، والمستجدات على الساحة الدولية، إلى جانب القضايا ذات الاهتمام المشترك، لا سيما المصالحة التشادية، والتطورات السياسية في لبنان، وأفغانستان، والقضية الفلسطينية، وليبيا، والملف النووي الإيراني.
كما استعرض الجانبان مخرجات لجان العمل المشتركة التابعة للحوار الاستراتيجي القطري - الفرنسي في مختلف المجالات، مثل: الدفاع، والأمن، والاقتصاد، والاستثمار، والطاقة، والتعليم، والثقافة، والبحث العلمي، وتغير المناخ، والبيئة، والرياضة، وذلك في شهادة على الشراكة الاستراتيجية الوثيقة بين البلدين، وأعاد الجانبان خلال الجولة التأكيد على ضرورة الحل الدبلوماسي للأزمة في أوكرانيا، واحترام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني خلال هذه الأزمة، إلى جانب تطابق وجهات النظر في الملفات الدولية والقضايا الإقليمية الأخرى.
وترتبط دولة قطر بعدد من الاتفاقات المتنوعة مع فرنسا، وهي اتفاقات تشمل الميادين كافة: الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والعلمية، والأكاديمية، والتقنية، فضلا عن الاتفاقات العسكرية، كما تتسم العلاقات الاقتصادية بين البلدين بالقوة والتميز على المستويين التجاري والمالي، وتزور وفود تجارية واقتصادية فرنسية الدوحة بشكل منتظم للقاء نظرائها من القطاعين الحكومي والخاص بدولة قطر، وتستعرض آفاق التعاون التجاري والاقتصادي والصناعي، والفرص المتاحة للاستثمار المشترك.
رؤية فرنسا 2030
وتمنح الحكومة الفرنسية امتيازات لاستقطاب كبرى الشركات العالمية، ويوجد نحو 28 ألف شركة أجنبية تستثمر في فرنسا، وتوفر مليوني فرصة عمل، وتساهم بنسبة ثلاثين بالمئة من الصادرات الفرنسية، وتعتمد رؤية فرنسا 2030 على التكنولوجيا والرعاية الصحية والمناخ، من خلال التوجه نحو السيارات الكهربائية الصديقة للبيئة، وغيرها من القطاعات ذات التكنولوجيا المبتكرة.
وتعد فرنسا من أهم الشركاء الاستراتيجيين لدولة قطر، ويبلغ عدد الشركات الفرنسية العاملة في قطر 418 شركة، من بينها 120 شركة بملكية فرنسية بنسبة 100 بالمئة، و290 بالشراكة مع الجانب القطري، و8 شركات مرخصة من قبل مركز قطر للمال، وثلاثة مكاتب تمثيل لجمهورية فرنسا.
وبحسب جهاز الإحصاء والتخطيط، فقد بلغت قيمة التبادل التجاري بين قطر وفرنسا عام 2021 أكثر من 6.3 مليار ريال، منها 2.85 مليار ريال واردات، ضمت مستلزمات الطائرات والمنسوجات والملابس والعطور والمنتجات الزراعية، في حين بلغت قيمة صادرات قطر إلى فرنسا ما يقارب 3.5 مليار ريال، أغلبها في مجال الغاز ومنتجات الطاقة.
مشاريع طويلة الأمد
وهناك أيضا مشاريع طويلة الأمد بين “قطر للطاقة” و”توتال الفرنسية”، فضلا عن مشاريع أخرى عديدة مثل تحلية المياه. وفي يونيو الماضي وقعت “قطر للطاقة” و”توتال إنرجيز” اتفاقية شراكة لتوسعة حقل الشمال الشرقي، أكبر مشروع منفرد في تاريخ صناعة الغاز الطبيعي المسال، وجاءت هذه الخطوة في ختام عملية تنافسية بدأت عام 2019 لاختيار شركاء “قطر للطاقة” الدوليين في مشروع التوسعة، والذي سيرفع طاقة إنتاج دولة قطر من الغاز الطبيعي المسال من 77 مليون طن سنويا إلى 110 ملايين طن سنويا.
وتعتبر فرنسا إحدى الوجهات المفضلة للمستثمرين القطريين في الخارج، وتقدر قيمة الاستثمارات القطرية في فرنسا بنحو 30 مليار دولار، منها الاستثمارات الخاصة التي تصل إلى 10 مليارات دولار، كما أنشئ صندوق استثمارات ثنائي عام 2013 بقيمة 300 مليون يورو، وهو ثمرة الشراكة بين صندوق الودائع والأمانات في فرنسا وجهاز قطر للاستثمار.
ومن جانب آخر، توظف فرنسا الكثير من الاستثمارات في دولة قطر في مجال الغاز والنفط، فضلا عن الاستثمارات في مجال البنية التحتية والتبادل في مجالات الاقتصاد والتجارة والطيران، بالإضافة إلى المجالين العسكري والأمني.
ويمثل التعاون في مجالي الأمن والدفاع ركيزة من ركائز العلاقة الثنائية التي تجمع بين دولة قطر والجمهورية الفرنسية، حيث تم شراء العديد من طائرات “رافال” فرنسية الصنع، مما يعزز العلاقة القطرية - الفرنسية الوثيقة، كما تنظم بانتظام تدريبات ومناورات عسكرية مشتركة بين الجانبين.
وعلاوة على ما سبق، يرتبط البلدان بعلاقات وطيدة على صعيدي التربية والتعليم، حيث فتحت بعض المعاهد والمدارس الفرنسية الكبرى فروعا لها في دولة قطر، التي تضم زهاء 200 ألف ناطق بالفرنسية، وقد أصبحت عضوا شريكا بالمنظمة الدولية للفرنكوفونية منذ أكتوبر 2012، كما ترسل قطر العديد من أبنائها للدراسة بالجامعات الفرنسية، وقد احتفلت جامعة الدراسات العليا للإدارة في باريس عام 2020 بمرور عشرة أعوام على افتتاحها بالدوحة، وتخريج أكثر من 720 طالبا منذ عام 2010.
يذكر أن فرنسا هي إحدى الدول الأعضاء المؤسسين للاتحاد الأوروبي، وهي الأكبر مساحة بين دول الاتحاد، وثاني قوة اقتصادية، وثاني أكبر سوق بالقارة الأوروبية مع 65 مليون نسمة، وهي الوجهة السياحية الأولى في العالم مع ما يزيد على ثمانين مليون سائح سنويا، وتحتل المرتبة السابعة على قائمة الاقتصادات العالمية، بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان وألمانيا والهند والمملكة المتحدة، وفق إحصاءات صندوق النقد الدولي، وذلك بفضل الناتج المحلي الإجمالي الذي وصل إلى 2762 مليار يورو عام 2019.
وتوفر فرنسا العديد من المزايا للمنشآت والمستثمرين الأجانب، والتحقت بقائمة البلدان الخمسة الأكثر استقطابا لأهم المستثمرين الدوليين عام 2018، وهي بلد حاضر في كل المحيطات، وذلك بفضل مقاطعات ما وراء البحار التابعة لها.