أعاد الزلزال المدمر، الذي ضرب تركيا وسوريا، مؤخرًا، إلى الأذهان الكوارث الطبيعية، التي شهدها العالم في الفترة الأخيرة، ومنها أسوأ فيضان في باكستان منذ 30 عامًا، وأشد جفاف بالعراق منذ 9 عقود، إضافة إلى إعصار إيان، الذي ضرب جنوبي شرقي الولايات المتحدة، سبتمبر الماضي، والتذكير بالكلفة المرتفعة لهذه الكوارث على الاقتصادات العالمية.
وبالعودة، لأسوأ كارثة، فاق العالم على أصدائها، صبيحة يوم الإثنين، السادس من فبراير الجاري، والتي ضربت أجزاء واسعة من تركيا وسوريا، قدر مساحتها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بنحو 500 كيلو متر، وخلفت وراءها عشرات آلاف القتلى، وخسائر باهظة، يرجح أن تتراوح قيمتها ما بين 45-84 مليار دولار تقريبًا، لا سيما وأن الرئيس التركي أشار في تصريحات سابقة إلى أن عدد المتضررين قد يصل إلى 20 مليون تركي، بعد تعرضت آلاف البنايات، بما في ذلك المنازل والمستشفيات، والبنية التحتية الأخرى، لأضرار جسيمة، على الجانب التركي وحده.
وفي ظل تفاوت تقديرات الخسائر المالية، وتداعياتها على الناتج الإجمالي المحلي التركي، وسط توقعات متباينة، أكد اتحاد الشركات والأعمال في تركيا، أن تصل لـ 84 مليار دولار، وأن يلحق الزلزال أضرارًا بالغة في المناطق المنكوبة، بنسبة 9.3 بالمئة، من الإجمالي المحلي.
عبدالله الخاطر: من السابق لأوانه تقدير حجم الخسائر المالية
وبخضم الكم الهائل من المعلومات والبيانات، طرحت وكالة الأنباء القطرية، تساؤلًا حول خيارات تركيا، وسيناريوهات التعامل مع الكارثة، على الخبير الاقتصادي، الدكتور عبدالله الخاطر، حيث أكد أنه من السابق لأوانه تقدير حجم الخسائر المالية، لا سيما وأن البلاد لا زالت منشغلة بمعالجة الجانب الإنساني، وتركيزها منصب على عمليات الإنقاذ، بحثًا عن الناجين تحت ركام المباني المنهارة و المتضررة، التي قدرها وزير البيئة والتطوير العمراني التركي، مراد قوروم، في الولايات المنكوبة، بـ12ألفا و141 مبنى.
وأضاف: هناك بنية تحتية دمرت بالكامل بفعل الزلزال، ويشكل ذلك فرصة كبيرة لنمو الاقتصاد التركي، إذ ستشارك كافة القطاعات بعمليات إعادة البناء والتعمير، وعودتنا القطاعات التركية على التأقلم سريعًا مع مختلف الظروف والأحداث.
ويتوقع الخاطر، أن يسهم الزلزال في تحفيز بيئة الأعمال التركية، مصحوبًا بارتفاع الطلب على المواد الإنشائية والآلات وغيرها، لا سيما وأننا سنشهد مدنًا جديدة، ستمكن الاقتصاد التركي من الخروج من تداعيات الكارثة بشكل أقوى، وتسهم في فتح آفاق وأبواب جديدة، لمواصلة عمليات نموه مستقبلًا.
ولفت إلى أن الزلزال يشكل أيضًا عاملًا قويًا لنمو المنطقة برمتها، التي ستشهد هي الأخرى عمليات كبيرة على صعيد إعادة البناء والتعمير، في كل من سوريا، والعراق، وتركيا، وسيكون للشركات التركية دور هام بذلك محليًا وإقليميًا، إذا نجحت في جذب الاستثمارات الصينية.
غازي مصرلي: الزلزال سيخفض النمو الاقتصادي بمقدار نقطتين مئويتين
من جهته، قال غازي مصرلي مسؤول العلاقات الخارجية، بجمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين في تركيا "الموصياد"، لوكالة الأنباء القطرية: " ضرب الزلزال 11 ولاية مهمة، تعتبر من الولايات الصناعية والمناطق الحساسة بتركيا، منها على سبيل المثال، مدينة غازي عنتاب، التي تعد من أكبر المدن التركية، وخامس مدينة صناعية بالبلاد".
وأضاف: تتميز هذه الولايات بعلاقاتها التجارية القوية مع الدول العربية، خاصة العراق ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ويقطنها ما يقارب 13 مليونا و400 ألف نسمة، أي ما نسبته 15 بالمئة من إجمالي سكان تركيا، وتساهم بما مجموعه 10 بالمئة من الناتج الإجمالي.
وأشار مصرلي إلى أن الخسائر الأولية هي بشرية، حيث فقد الكثيرون من الأتراك حياتهم، من بينهم المهندسون، والأطباء، والأيدي العاملة، التي نحن اليوم بأمس الحاجة إليها.. وأن توقعات الاقتصاديين والمسؤولين تشير إلى أن الزلزال سيخفض النمو الاقتصادي بمقدار نقطتين مئويتين العام الحالي، بعد أن كانت التوقعات تشير قبل وقوعه إلى نمو بنسبة 5.5 بالمئة في 2023.
ونوه مصرلي بالدعم العربي لتركيا، حيث سارعت الدول العربية إلى تنظيم حملات الدعم والمساندة لمساعدة الشعب التركي في الخروج من محنته، وبمقدمتها دولة قطر، التي بادرت مشكورة منذ اللحظة الأولى، "قيادة وحكومة وشعبًا"، بالوقوف إلى جانب تركيا.
وليد الفقهاء: النهضة التركية عودتنا على المفاجآت
أما المحلل المالي، وليد الفقهاء، فقد أكد ضعف تأثر القطاع السياحي بتداعيات الزلزال في المناطق المنكوبة، كونها لا تشكل أهمية للقطاع التركي، ولا تتجاوز نسبة مشاركتها فيه 10بالمئة، أما على الصعيدين الصناعي والزراعي، فتساهم هذه المناطق بدور بارز في ذلك، خصوصًا مدينة غازي عنتاب، إذ لا تزال الهزات الارتدادية تضر بعمليات الإنتاج هناك، مما قد يلحق ضررًا مؤقتًا بالاقتصاد التركي.
وتوقع وليد الفقهاء أن تشكل الخسائر التركية ما نسبته 5.5 بالمئة، من إجمالي النتائج المحلي، أي ما يعادل 45 مليار دولار، من أصل ميزانيتها البالغة 819 مليار دولار.
وأضاف أن النهضة التركية عودتنا على المفاجآت، فخلال 20 عامًا، حققت نقلة وقفزة نوعية غير مسبوقة بعدد المصانع المحلية.
وأشار الفقهاء إلى إعلان تركيا عن نيتها البدء بإعادة الإعمار قريبًا، قائلًا: " لنكون متفائلين، كل المؤشرات تدل على ذلك"، وعلى المديين القريب والبعيد، سينشط الزلزال البنية التحتية التركية مجددًا؛ لتعوض بذلك خسائرها لاحقًا".