في ثالث حالة إفلاس بنكي صادم بالولايات المتحدة، وفي ضربة جديدة للقطاع المصرفي الأمريكي خلال أيام قليلة، استحوذت إدارة الخدمات المالية بولاية نيويورك على بنك سيغنتشر، الذي فقدت أسهمه ثلث قيمتها منذ مساء الأربعاء الماضي.
وقالت الإدارة إنها ألحقت صفة المستلم بالمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع، مشيرة إلى أن ودائع البنك، بلغت حوالي 88.59 مليار دولار في المجمل حتى يوم 31 ديسمبر الماضي، وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية وجهات تنظيمية أخرى بقطاع البنوك في بيان مشترك أنه سيتم تعويض المودعين في بنك سيغنتشر وأن دافعي الضرائب لن يتحملوا أي خسائر.
وجاء هذا التطور فيما تسابق الجهات المالية الأمريكية المختصة الزمن لتطويق تداعيات انهيار بنك سيلكون فالي يوم الجمعة الماضي، فقد تدخلت الإدارة الأمريكية بسلسلة من تدابير الطوارئ لتعزيز الثقة في القطاع المصرفي بعدما أنذر إفلاس بنك سيليكون فالي بإثارة أزمة ممنهجة على نطاق أوسع.
وبعد مطلع أسبوع حافل بالأحداث، قالت الجهات التنظيمية الأمريكية إن عملاء البنك المفلس سيتمكنون من الوصول إلى ودائعهم اعتباراً من اليوم الإثنين، كما أنشأت الجهات التنظيمية منشأة جديدة حتى يمكن للمصارف الحصول على تمويلات الطوارئ، واتخذ مجلس الاحتياطي الاتحادي قرارا للتيسير على البنوك الاقتراض منه في حالات الطوارئ.
بايدن يطمئن الشعب الأمريكي
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه يمكن للشعب الأمريكي وللشركات الأمريكية الوثوق بأن ودائعهم المصرفية ستكون موجودة حينما يحتاجون إليها، مضيفا أن وزيرة الخزانة ورئيس المجلس الاقتصادي الوطني عملا بدأب مع الجهات التنظيمية في قطاع المصارف للتصدي للمشكلات في البنكين، وتعهد بايدن بمحاسبة الأشخاص المسؤولين عن إفلاس بنكي سيليكون فالي وسيغنِتشر، ساعيا في الوقت نفسه لطمأنة الأمريكيين بأن ودائعهم بأمان.
وأضاف بايدن في بيان أنه يعتزم التحدث عن النظام المصرفي الأمريكي في وقت لاحق اليوم، مؤكدا التزام إدارته بمواصلة الجهود لتعزيز الرقابة والتنظيم للبنوك الكبرى للحيلولة دون تكرار تجربة البنكين المذكورين.
وحسب مسؤول كبير بوزارة الخزانة الأمريكية فإن السياسات الجديدة التي أقرتها جهات تنظيمية إزاء إغلاق بنكي سيليكون فالي وسيغنتشر، اتُخذت لإحلال الاستقرار في النظام المالي وحماية المودعين ولا تشكل خطة إنقاذ مالي لأي منهما، وأكد أن دافعي الضرائب الأمريكيين لن يتحملوا أي خسائر لأي من البنكين.
وتوقع المسؤول أن تعيد هذه الخطوات، الثقة للسوق جنبا إلى جنب مع قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي إتاحة الأموال أمام المؤسسات المالية المؤهلة وضمان أن بوسعها تلبية احتياجات جميع المودعين.
سيليكون فالي والأسواق العالمية يتنفسون الصعداء
وتنفس سيليكون فالي والأسواق العالمية الصعداء إذ صدر إعلان الجهات التنظيمية بعدما بدأ تداول العقود الآجلة الأمريكية في آسيا، فقد رفع المستثمرون عقود الأسهم الآجلة في مؤشر ستاندرد اند بورز 500 الأمريكي بنسبة 1.2 بالمئة كما ارتفعت عقود مؤشر ناسداك الآجلة 1.3 بالمئة.. وأعرب خبراء مصرفيون عن اعتقادهم بأن الخطوات التي اتخذتها السلطات الأمريكية ستكسر حلقة مفرغة نفسية على مستوى قطاع المصارف الإقليمي .
وفي إطار التداعيات الخارجية لانهيار بنك سيلكون فالي، أعلن بنك (إتش.إس.بي.سي)، أكبر مصرف أوروبي، اليوم، استحواذه على وحدة مصرف "سيليكون فالي" الأمريكي في بريطانيا، وتمت عملية الاستحواذ مقابل جنيه إسترليني واحد، وفق ما أعلن نويل كوين، الرئيس التنفيذي للبنك، مؤكدا أن عملية الاستحواذ تتمتع بمردود استراتيجي ممتاز على أعمال البنك في المملكة المتحدة، وصرح جيريمي هنت، وزير الخزانة البريطاني، بأن حكومته وبنك إنجلترا (البنك المركزي) سهلا عملية البيع، بهدف حماية الودائع دون دعم من دافعي الضرائب"، مضيفا أنه سعيد بالتوصل إلى حل لهذه الأزمة في مثل هذا الوقت القصير. وأشار وزير الخزانة إلى أن استحواذ "اتش اس بي سي" على وحدة سيليكون فالي "يضمن حماية ودائع العملاء ومواصلة العمل المصرفي كالمعتاد.
وأكد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أن حكومته تعمل للحد من أي تداعيات تقع على الشركات جراء انهيار البنك، وقال إنه يتفهم قلق عملاء البنك ومخاوفهم، كما أعلن صندوق النقد الدولي أنه يراقب الآثار المحتملة على الاستقرار المالي من انهيار بنك سيليكون فالي، معبراً عن ثقته الكاملة بأن صانعي السياسة في الولايات المتحدة يتخذون الخطوات المناسبة لمعالجة الوضع.
سيلكون فالي ثاني مؤسسة إقراض تنهار خلال أسبوع
ويعتبر بنك سيلكون فالي مؤسسة الإقراض الإقليمية الثانية التي تنهار خلال أسبوع، بعد أن أعلنت شركة "سيلفرغيت كابيتال كورب"، عن تصفية طوعية للبنك التابع لها، ويعد الإفلاس المأساوي لمجموعة سيليكون فالي المالية، وهي مجموعة تركز على الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، يوم الجمعة الماضي أكبر انهيار لبنك في الولايات المتحدة منذ الأزمة المالية عام 2008. وقد حدث انهيار البنك بعد أن فشل في التعامل مع عمليات السحب الهائلة لمودعيه، وخاصة شركات التكنولوجيا، ولم تنجح محاولاته الأخيرة لجمع أموال جديدة، وتضرر المصرف بشدة من التراجع في أسهم التكنولوجيا، خلال العام الماضي، بالإضافة إلى زيادة أسعار الفائدة لمكافحة التضخم.. فقد اشترى البنك سندات بمليارات الدولارات على مدى العامين الماضيين، باستخدام ودائع العملاء، وغالبا ما تكون هذه الاستثمارات آمنة، لكن قيمة هذه الاستثمارات انخفضت لأنه دفع معدلات أقل مما قد يدفعه السند المماثل في بيئة أسعار الفائدة المرتفعة اليوم.
ومع زيادة حاجة عملاء البنك من الشركات الناشئة والشركات التقنية لأموالهم، زادت عمليات السحب واضطر لبيع أصوله الخاصة تلبية لطلبات العملاء، ومنها بيع السندات بسعر الخسارة، والتي قدرت بحوالي 1.8 مليار دولار، وهو ما ترك فجوة حاول سدها بزيادة رأس المال لكنه فشل في ذلك.
وكانت ودائع البنك قد تضاعفت أكثر من 4 مرات خلال 4 سنوات من 44 مليار دولار عام 2017 إلى 189 مليارا مع نهاية عام 2021، فيما نمت قروضه التي يقدمها للشركات الناشئة من 23 مليار دولار إلى 66 مليارا.
وكان البنك يوماً ما، الجهاز المُفضل في النظام المالي في كاليفورنيا، لكنه لم يكن معروفًا لعامة الناس، فقد تخصص في تمويل الشركات الناشئة وأصبح أحد أكبر البنوك الأمريكية من حيث حجم الأصول، وفي نهاية عام 2022، كان لديه 209 مليارات دولار في الأصول وحوالي 175.4 مليار دولار كودائع. وأعلن البنك عن ربح قدره 3.4 مليار دولار لعام 2022، وشكلت إيراداته البالغة 5.23 مليار دولار حوالي أربعة وثمانين بالمائة من إجمالي إيرادات مجموعة سيلكون فالي بنك لعام 2022.
ومن المرجح أن تستكشف البنوك الكبرى، على الأقل، شراء أعمال المجموعة نظراً لحجمها الذي تسهل إدارته، وقاعدة العملاء الجذابة لشركات التكنولوجيا ومؤسسيها الأثرياء، علما بأنه كان لديها أكثر من 8500 موظف حتى 31 ديسمبر الماضي، في العشرات من المكاتب حول العالم، وخاصة في الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وأوروبا وآسيا والشرق الأوسط.