افتتحت سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني رئيس مجلس أمناء متاحف قطر، الجزء الخاص من معرض "الصحراء تعانق الخيال"، الذي صممه الفنان الآيسلندي -الدنماركي، أولافور إلياسون خارج منطقة الذخيرة.
وصمم إلياسون هذا المعرض، خصيصًا لموقع صحراوي خارج منطقة الذخيرة ولصالات العرض داخل متحف قطر الوطني في الدوحة، ويستمر إلى الخامس عشر من أغسطس المقبل.
ويتضمن المعرض سلسلة من الأعمال الفنية التي يقدمها الفنان خصيصا لتلك المواقع الجديدة، وذلك استكمالا لرحلة استكشاف اهتمامات الفنان بالأضواء والألوان والدراسات الهندسية والوعي بالبيئة والعلاقات بين الكائنات الأخرى. ويأتي هذا المعرض في إطار مبادرة "قطر تبدع"، وهي حركة ثقافية وطنية على مدار العام ترعى وتروج وتحتفي بتنوع الأنشطة الثقافية في قطر.
وقالت سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني رئيس مجلس أمناء متاحف قطر في تصريح لها بالمناسبة، إن معرض الصحراء تعانق الخيال يصور مدى تأثير الفن وقدرته على حل المشاكل، ويشمل ذلك أعمال الفنان الجديدة المنصوبة في الصحراء القطرية التي تفتح بابا للحوار حول البيئة، أحد أشد المواضيع أهمية في عصرنا الحالي، في سياق مشاهد بلدنا الطبيعية.
وأوضحت أن هذا المعرض ينفرد بأسلوب عرض أعماله الفنية، التي تتواجد داخل متحف قطر الوطني وخارجه في الوقت ذاته، ويقدم برهانا على أن الفن غير منحصر في صالات العرض، وإنما متواجد حولنا في كل مكان يلهمنا ويثقفنا.
من جهته، قال الفنان أولافور إلياسون:" إنها فرصة رائعة أن أقدم أعمالا فنية للسبخة الواقعة بالقرب من غابة القرم في منطقة الذخيرة.. الشمس، والرياح، ومياه البحيرة المالحة - جميعها عناصر ساهمت في إنتاج الأعمال الفنية التي سيشاهدها الزوار هنا"، معربا عن أمله في أن تدفع الأعمال الفنية الزوار لاستشعار المحيط الطبيعي والعلاقة التعاضدية بين الإنسان والطبيعة في إنتاج الأعمال الفنية، منوها في الوقت نفسه بأن الجزء الآخر من معرضه في متحف قطر الوطني، يتمثل في الأفكار والممارسات المتجسدة منذ أكثر من 25 عاما من مسيرته المهنية كفنان، حيث يثري الموقعان الطبيعيان الثقافيان بعضهما البعض، ويشكلان معا "الصحراء تعانق الخيال".
وأثناء جولة للإعلاميين في المعرض، أوضحت السيدة بثينة بلتاجي رئيس قسم المعارض والمقتنيات التراثية بمتحف قطر الوطني، أن العمل الفني الصحراوي المكون من اثني عشر جناحا مؤقتا، ويقع على بعد 64 كيلومترا شمال شرق الدوحة بالقرب من محمية الذخيرة، داخل سبخة، يتألف من أعمال فنية مختلفة في شكل تجارب تستغل العناصر الطبيعية للمنطقة كأشعة الشمس والرياح والمياه.
وتستكشف الأجنحة الثلاثة الأولى في المنطقة الخارجية الظواهر البصرية، مستفيدة من قوس قزح والظلال والمرايا لخلق تأثيرات ساحرة، بينما تستكشف الأجنحة من الجناح الخامس إلى السابع عناصر السبخة لإنتاج أعمال فنية تعرض لاحقا في متحف قطر الوطني.
أما الأجنحة الثلاثة الأخيرة فتضع هذه البيئة في تناغم مع الأعمال الأخرى، باستخدام مواد مثل الطين الجليدي من أيسلندا.
ومن بين المشاريع التي تحتضنها الأجنحة الصحراوية الاثنا عشر: قوس قزح، ويتألف من 11 موشورا ضوئيا مرتبا على طول الجزء العلوي من كرة عاكسة وفقا لمسار الشمس في منطقة الذخيرة، وتنحني هذه المواشير وتكسر ضوء النهار، وفي أوقات مختلفة من العام تشكل قوس قزح في دائرة مكتملة. ومرصد رسومات ملح البحر - لوحتان دائريتان على قماش - واحدة بيضاء والأخرى سوداء - تدوران ببطء بواسطة المحركات، حيث تتقطر المياه، ممزوجة بأصباغ سوداء وبيضاء على التوالي على الأسطح الدوارة. تتسبب الرياح في تحرك أداة الرسم على سطح الصفحة المقلوبة، تاركة علامات متموجة على السطح. ثم تعرض الرسوم، وهي صور لأحوال الطقس في الموقع، بشكل دوري في متحف قطر الوطني. ثم مبخرة شمسية، كرة زجاجية واحدة تشعل مجموعة مختارة من العطور التي تعرف بها دولة قطر ودول المنطقة - العود والمسك والعنبر وغيرها - كل منها يحترق لمدة ساعة واحدة بالضبط، بفعل أشعة الشمس، وتعمل المبخرة كساعة تشير إلى أوقات اليوم بروائح متنوعة.
كما تتكون المشاريع التي تحتضنها الأجنحة الصحراوية الإثنا عشر أيضا، حديقة حجر السبج، حيث يبرُز حجر السبج الأسود اللامع في هذا الجناح والمستوحى من نزهات إلياسون عبر الحقول البركانية في مرتفعات أيسلندا في تباين واضح مع الأرض الرملية، يظهر وكأنه ينبثق من تحت رمال الصحراء. وعمل إلياسون ومتاحف قطر مع خبير بيئي لإجراء مسح شامل للموقع بالقرب من الذخيرة من أجل ضمان حماية النباتات المحلية والكائنات التي تعيش في المنطقة مثل الثعلب الأحمر العربي.
وتدعو مجموعة الأعمال الفنية الموسعة داخل متحف قطر الوطني، والتي تعود لفترات مختلفة من مسيرة الفنان المهنية، الزوار لإيجاد رابط يربطهم بالأعمال الضوئية المديدة، والدراسات الهندسية المعقدة، وسلسلة الصور من أيسلندا، والألوان المائية، والأجهزة البصرية، والخريطة البحثية الكبيرة.
وتشمل الأعمال المعروضة في متحف قطر الوطني: المنارة الحية، 2023 يتألف من نطاقات عريضة من الضوء الملون تمتد عبر جدران غرفة دائرية، وتضع الزوار في تركيبات ضوئية نابضة بالحياة ومتغيرة باستمرار.. خارطة البحث، 2019، جدار مرن وكبير يرسم الأبحاث والأفكار التي ألهمت إلياسون والأستوديو الخاص به في السنوات الأخيرة. إذ يمكن النظر إلى الخريطة على أنها مساحة صغيرة لسرد القصص، حيث يتناغم فيها محتوى يبدو غير مترابط بجانب بعضها البعض ليخلق معاني جديدة.. سلسلة التصوير الفوتوغرافي التي تصور المناظر الطبيعية لأيسلندا - من ضمنها سلسلة ذوبان الأنهار الجليدية، من عام 1999 إلى 2019، سلسلة الكهف الداخلي، 1998، وسلسلة الأفق، 2022 - اختارها الفنان مع أخذ المناظر الطبيعية في قطر بعين الاعتبار.. الأعمال الفنية التي تم إنشاؤها بواسطة آلات الرسم والطلاء المثبتة في الخارج بالقرب من غابة القرم بالذخيرة.
ويأتي معرض الصحراء تعانق الخيال، عقب كشف متاحف قطر في أكتوبر 2022 عن عمل إلياسون في ساحة خارجية، تم تكليفه به ليُنصب في الصحراء بالقرب من موقع عين محمد التراثي في شمال قطر.
ويواصل العمل الفني سفر الظلال في بحر النهار (2022) مسيرة استكشاف الفنان الأيسلندي- الدنماركي الطويلة في التفاعل بين الإدراك البشري والطبيعة.
كما يوثق فيلم من جزأين أنتجته شركة تايغرليلي برودكشن لاستوديو أولافور إلياسون ومتاحف قطر، تطور عمل الفنان الموسوم بـ"سفر الظلال في بحر النهار" ومعرضه "الصحراء تعانق الخيال".
ويعرض فيلم سفر الظلال في بحر النهار بمكتبة محمد جاسم الخليفي في متحف قطر الوطني، إلى جانب قاعة قراءة خاصة مكرسة لإلياسون، والتي تضم مجموعة واسعة من الكتالوجات التي تتضمن أعمال الفنان، بدءا من معرضه الفردي الأول في التسعينيات وحتى الآن. بينما سيتم الإعلان عن العرض الأول للفيلم المتعلق بمعرض الصحراء تعانق الخيال خلال فترة المعرض.
ولتعريف الجمهور بأحدث معرض لإلياسون، نُظمت جلستان نقاشيتان في متحف قطر الوطني، الأولى حول المعرض وأدارها كل من سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني رئيس مجلس أمناء متاحف قطر، وسعادة الشيخ الدكتور فالح بن ناصر بن أحمد بن علي آل ثاني وزير البيئة والتغير المناخي، والفنان إلياسون وممثلين من مؤسسة الدوحة للأفلام، وأيادي الخير نحو آسيا، ومركز قطر للقيادات، والسيد غانم الغانم، الرئيس التنفيذي لجاليري الحوش.
وتناولت الجلسة النقاشية متعددة التخصصات، السبل التي يسعى الفن والثقافة من خلالها إلى إحداث تغيير إيجابي في مواجهة أزمة المناخ الطارئة.
أما الجلسة النقاشية الثانية فكانت بعنوان "الفن والبيئة: وعي وعمل" وأدارها الفنان إلياسون والسيد محمد عمر البدر من إدارة التغير المناخي بوزارة البيئة والتغير المناخي. والدكتور أسبا تشاتزيفثيميو، خبير بيئي ومستشار بيئي في متحف قطر الوطني؛ والسيدة ريم السهلاوي، المديرة المشاركة لحركة الشباب العربي للمناخ؛ ونيما غيتيري، كاتبة وفنانة ومنظرة شعبية من الولايات المتحدة الأمريكية\ كينيا، وتمحورت الجلسة حول علاقتنا مع البيئات الطبيعية في سياق حالة الطوارئ المناخية، وتناولت الطرق المعقدة التي يمكننا من خلالها الاستماع والاستجابة لاحتياجات الكثيرين - البشر والكائنات الأخرى والطبيعة على حد سواء.