تتضاعف سنويا معدلات الإنفاق والاستهلاك في رمضان، فتزدهر على أثرها الأسواق المحلية؛ إذ يحرك الشهر الفضيل دورتها، ويسرع عمليات نموها، حسب ما أكده خبراء اقتصاديون في ردهم على تساؤل لوكالة الأنباء القطرية "قنا" حول انعكاسات دخول الشهر الكريم على الاقتصاد الوطني.
وأجمع الخبراء على أن رمضان محفز لعجلته، ويشكل الطلب المتزايد على السلع دافعا لقوى الإنتاج، التي لا تتعطل، ولن تتأثر إطلاقا بطبيعة الصيام ومدته.
مصدر قوة للاقتصاد
وأصبح النمط الاستهلاكي الرمضاني مصدر قوة للاقتصاد المحلي، ومحركا للسوق، التي تجد فيه فرصة كافية لتصريف السلع المخزنة قبل حلول الشهر الكريم، فتحقق فيه الحركة التجارية دخلا جيدا، ينعكس إيجابا على مقوماتها الأساسية، لا سيما أن الإنتاج لا يعد المحرك الوحيد لأي اقتصاد، والأهم من وجهة نظرهم، هو تسويق المنتجات، ولا يتأتى ذلك إلا بطلب قوي على السلع، وهذا بالطبع ما يوفره شهر رمضان.
وبقدومه، تشهد السوق المحلية سنويا كغيرها من الأسواق العربية والإسلامية، موسما استهلاكيا ضخما، ينشط الاقتصاد بأكمله، بينما قد تضخ دول ملايين الدولارات، وربما المليارات لتحريك أسواقها النائمة، سعيا للخروج من دائرة الركود وتباطؤ النمو والانكماش، وجذب أنظار المستهلكين إليها.
#قنا_انفوجرافيك |
— وكالة الأنباء القطرية (@QatarNewsAgency) March 25, 2023
معدلات الإنفاق والاستهلاك في رمضان.. محرك قوي للأسواق ومحفز للإنتاج#قناhttps://t.co/cjBwRwsDS5 pic.twitter.com/mZfY2VPrHV
وعادة ما تحفز العادات الشرائية المصاحبة للشهر، كالموائد الرمضانية، وملابس وهدايا العيد، أداء 8 قطاعات رئيسة، ترتبط مباشرة بالمناسبة، وفي مقدمتها قطاع المنتجات الغذائية، والثروة الحيوانية، والمنسوجات والملابس، والهدايا، والحلويات والمكسرات، والفنادق، والمطاعم، وصالونات التجميل وغيرها من المنتجات، التي نقبل عليها خلال رمضان والعيد؛ إذ تستفيد هذه القطاعات مجتمعة من الموسم، وتتضاعف مبيعاتها، وفقا للخبير الاقتصادي السيد فواز الهاجري، الذي أكد أن رمضان ينعكس عليها بشكل إيجابي.
الانتاجية لا تتأثر بالصيام
وعن تأثر الاقتصاد المحلي بسياسة تقليص ساعات العمل، استبعد الهاجري ذلك، بقوله: "لا يؤثر الصيام ومدته على الإنتاجية، بل على العكس يعد الشهر الفضيل محفزا لكافة عملياتها".
واستشهد بتجربة دولة قطر خلال تعاملها مع جائحة "كوفيد - 19" (كورونا)، وأثناء استضافتها بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022؛ إذ تم خفض القوى البشرية وساعات العمل بنسبة تصل لـ 80 بالمئة، ولم تتأثر عمليات الإنتاج بذلك، وسارت الأمور على ما يرام، فالتخفيض لا يضر بإنتاجية الموظف؛ لأنها نفسها، سواء أكانت في رمضان أم في غيره، فالتركيز والتخصص هو الفيصل، وليس الوقت كما يظن البعض.
والإنتاجية من وجهة نظره أحد المحركات الاقتصادية، لكنها ليست المحرك الرئيس، ولاستمراريتها لا بد من إيجاد منافذ للبيع، وقنوات لتصريف السلع، وإلا فستتكدس وتكسد لاحقا، إذا لم يكن هناك طلب يستوعب مخرجاتها.
ويرى الهاجري أن لرمضان تأثيرا إيجابيا على الاقتصاد المحلي، من خلال تحسن مؤشر المشتريات "المستهلكين"، وارتفاع إنتاج شركات الألبان، والخضراوات والفواكه والتمور، مما يحسن العمليات التشغيلية لقطاع النقل، وأسواق التجزئة كالجمعيات الاستهلاكية، والقطاع الصناعي برمته.
إدارة الكم الاستهلاكي
والمطلوب هو كيفية إدارة الكم الاستهلاكي على المدى البعيد، خاصة أن حجمه في رمضان قد ينشط المدخلات الاقتصادية طوال العام، وبهذا الصدد يؤكد الخبير والمحلل المالي السيد وليد الفقهاء على تأثيرات رمضان الإيجابية والمباشرة على الاقتصادات الإسلامية، وأهمها ارتفاع حجم الإنفاق لدى الأفراد، مما يرفع الطلب على المنتجات، ويساعد في تحريك دفة النمو، خصوصا أن أغلب اقتصاداتنا ذات طابع استهلاكي، وهذا بدوره يدعم قطاع الأعمال للشركات الناشئة الصغيرة والمتوسطة، وعلى رأسها المواد الغذائية، والمشروبات، وقطاع الضيافة، والخدمات، ولهذه القطاعات تأثير عام على الاقتصاد، ومساهمة لا يستهان بها في الناتج الإجمالي المحلي.
ويشير الخبراء الاقتصاديون إلى اختلاف تأثير الشهر الكريم على اقتصاد كل دولة بناء على هيكلية اقتصادها القائم، فلكل دولة خصوصيتها، ودورتها الخاصة بها، وتختلف التأثيرات من دولة إلى أخرى.
وقد تدفع المنافسة والعروض المقدمة من قبل الشركات لجذب المواطنين لشراء منتجاتها، إلى تخفيض أسعارها، خاصة في النصف الثاني من رمضان، وفي هذا السياق يؤكد الخبراء الاقتصاديون على أن زيادة الطلب على السلع والخدمات يسرع النمو الاقتصادي، ويوفر فرص عمل جديدة، وسيصب ذلك في مصلحة الشركات، من حيث ارتفاع إيراداتها، نتيجة زيادة المبيعات، التي ستولد المزيد من الأرباح.
نفحات الشهر الكريم
حركة التسوق ليست هي الوحيدة التي تنتعش في رمضان، فنفحات الشهر تنعكس بشكل مباشر على جميع اقتصادات البلدان العربية والإسلامية، طبقا لما ذكره رجل الأعمال، السيد حسن الحكيم، الذي توقع أن تواصل السوق المحلية زخمها، ومضاعفة مكاسبها في رمضان الحالي، نتيجة النمو القياسي للحركة الشرائية.
ولفت إلى ما حققه العمل عن بعد، خلال الفترة السابقة، من سد أية نواقص قد تعترض سير العمليات الإنتاجية وسلاسلها، أضف إلى ذلك أصبحت غالبية المشروعات تدار في يومنا الحاضر إلكترونيا، بما فيها إبرام العقود والصفقات التجارية وغيرها، التي لم تعد مقيدة بساعات الدوام وأيام العمل، وباتت أكثر مرونة وديناميكية من ذي قبل.