أكد مسؤولون ومسرحيون أن التراث القطري كان ومازال رافدا أساسيا ومصدر إلهام، للكثير من العروض المسرحية التي أبرزت ارتباط القطريين بتراثهم.
وقالوا في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية "قنا" بمناسبة اليوم العالمي للمسرح الذي يوافق السابع والعشرين من مارس كل عام، إن التراث القطري مليء بالكنوز واللآلئ المكنونة التي يمكن استلهامها في الأعمال المسرحية.
وقال الكاتب عبدالرحيم الصديقي مدير مركز شؤون المسرح، التابع لوزارة الثقافة، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية "قنا": يعتبر التراث دائما وفي جميع بلاد العالم الرافد الأساسي للمسرح، لأن المسرح يقوم أساسا في جزء كبير من ملامحه على أشكال الفرجة التقليدية بما فيها الغناء ورواية الحكايات، وعروض الدمى التقليدية كخيال الظل والكاراجوز وغير ذلك مما يطلق عليه في الكتب النظرية اسم الظواهر شبه المسرحية.
وأكد على ثراء التراث القطري والذي يتمثل في حكايات البحر وأغاني الصيد وأهازيج الغوص وأغاني الأمهات والزوجات والبنات اللاتي يذهبن إلى البحر، لتفقد أحوال السفن والاطمئنان على الرجال الغائبين، وهو ما يتمثل في تقاليد الأغاني المصاحبة لها وكذلك في أهازيج الصيادين ورجال الغوص على السفينة، لافتا إلى أن المسرحيين القطريين تنبهوا إلى أهمية هذا التراث وسارعوا للتمسك به وإحيائه وتقديمه في مسرحياتهم، وعلى الأخص في الفترة التي عرفت فيها قطر ودول الخليج عامة تحولات جذرية في نمط الحياة، مع دخول هذه البلاد إلى عصر إنتاج البترول والغاز مع كل ما يمكن أن يشكله هذا التحولات من تهديد للهوية المحلية.
وأوضح الصديقي أن المسرحيين أدركوا جمال التراث القطري وثراءه، فاستفادوا منه واستوحوا منه مواضيع مسرحياتهم، وكذلك في العرض المسرحي، حيث كثيرا ما يكون سرد الحكاية وغناء الأهازيج جزءا أساسيا من العرض المسرحي في قطر.
ولفت إلى أن الكاتب والمخرج عبدالرحمن المناعي كان من أوائل المهتمين بالتراث وتوثيقه وتوظيفه في الأعمال المسرحية، فعمل طيلة عقود على عناصر الموروث الشعبي وتعمق في معرفتها وجمعها ووثقها، وساعده على ذلك معرفته العميقة بالموسيقى، مؤكدا أنه وما زالت كنوز التراث ملهمة للمسرحيين، وقد شهدنا في النسخة الأخيرة من مهرجان الدوحة المسرحي أهمية العودة إلى تراث الغوص وأهازيج البحارة وحكايات البحر في مسرحيتي قصة حب دانة لحمد الرميحي، ومسرحية الغبة من تأليف طالب الدوس وإخراج ناصر عبد الرضا، وهما مليئتان بالأناشيد والأهازيج التي تصاحب الرحلات البحرية.
وأشار مدير مركز شؤون المسرح، إلى أن المركز نظرا لهذا الإرث الكبير من المسرحيات التي احتفت بالتراث القطري وغيره من موضوعات كثيرة، أطلق مركز شؤون المسرح منصة "مسرح قطر" الرقمية التي تعتبر أرشيفا للكتب المسرحية وللمقالات المنشورة حول المسرح في الجرائد والمجلات، منوها بأن المركز قام ضمن هذه المنصة بجمع وتوثيق جميع تسجيلات الفيديو للمسرحيات القطرية التي تم تقديمها للكبار والصغار، وعروض مسرح الدمى، والمسرحيات الجامعية، بالإضافة إلى الندوات المسرحية وكتيبات وملصقات العروض منذ السبعينيات وحتى اليوم. كل ذلك تم تحويله إلى أرشيف رقمي يسهل الاطلاع عليه على أجهزة الهواتف الذكية، كما يمكن لمن يرغب من الباحثين والقراء مراجعته ضمن مكتبة المركز المسرحية التي تم تصنيف وترقيم وتسجيل جميع موجوداتها بشكل يسهل العثور على أي مادة فيها دون عناء.
ومن جهته، قال الناقد المسرحي الدكتور حسن رشيد في تصريح مماثل لـ"قنا"، إن المسرح القطري على مدى أكثر من 50 عاما استلهم التراث القطري وخاصة البحري، لأن عالم البحر كان مليئا بالصراع بين البحارة والأثرياء وأصحاب المراكب والتجار وهذا الصراع تكون فيه الكثير من القصص التي تروى، فالمخرج المسرحي عبدالرحمن المناعي قدم أكثر من ثلاثين عملا مسرحيا عن التراث في قطر منذ مسرحية "أم الزين" وجسد فيها النقلة الحضارية في قطر عبر الانتقال من رحلة البحر والغوص على اللؤلؤ إلى العمل في شركة النفط، كما استلهم المخرج حمد الرميحي في مسرحية "بودرياه" أسطورة من الإرث الاغريقي وربطها بالخوف من البحر.
وأوضح أن اللجوء إلى التراث هو محاولة إلى إيجاد علاقة بين الماضي والحاضر، فضلا عن استشراف المستقبل، لأن التاريخ يحمل الكثير من الأوجه وهو آلة تنبيه للكاتب لقضايا واقعية، ولذلك نجد أن كثيرا من الكتاب العرب لجأوا إلى التراث مثل سعدالله ونوس وألفريد فرج وعبدالرحمن الشرقاوي ومحمد الماغوط وإسماعيل عبدالله وغيرهم، لافتا إلى أن الهدف عند استلهام التراث في المسرح القطري كان لبث رسائل في المجتمع وليس لعرض التراث فقط ، ففي مسرحية "أم الزين " يحذر المناعي من الخطر القادم ومن خطورة ما يترتب على ظهور شركات النفط على المجتمع والتفكك الأسري، كما حملت "بودرياه" للرميحي وعنتر وعبلة لغانم السليطي مضامين ورسائل، فالكتاب عندما يذهبون إلى الماضي يستشرفون المستقبل.
وأضاف الناقد حسن رشيد، أن الكتاب والمبدعين في قطر وكذلك في الخليج نجحوا في التعبير عن التراث الخليجي منذ مسرحية أم الزين مرورا بـ "البوشية" و"مجاريح" وصولا إلى مسرحية "غجر البحر" لفرقة قطر المسرحية، والتي عرضت ضمن مهرجان المسرح الخليجي مؤخرا في الشارقة.
من جانبه قال الكاتب والمخرج حمد الرميحي، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية، إن أغلب بدايات الحركة المسرحية في الخليج والوطن العربي اهتمت بالتراث واستلهمت منه موضوعات مهمة إلى جانب أعمال من التاريخ، وذلك لأن الكتاب والمخرجين يحاولون إسقاط ما يتعلق بهذا التراث على الواقع الاجتماعي والسياسي والفكري، مشيرا إلى أنه بعد تطور الحركة المسرحية العربية والخليجية تم استلهام الكثير من الأعمال التراثية، بسبب إدراكهم لحنين الجمهور إلى تراثه باستمرار، فكان استلهام التراث القطري الغني بمفرداته وكنوزه الحكائية، منوها بأن اللجوء إلى التراث الذي أفاد المجتمع خاصة مسرح الطفل الذي قدم الكثير من الحكايات التراثية في قوالب مسرحية تعرف الأطفال على تراثهم مثل مسرحية "سويرة وبنتها"، لأن هذه الأعمال تظل في ذاكرة الطفل، لالتصاق هذه القصص بذهن الكبار والصغار.
وأكد الرميحي على أن التراث القطري ما زال غنيا بحكاياته والتي لم تبرز مسرحيا بعد، موضحا أن الكتب التي قدمت الحكايات التراثية كثيرة ولكن لا يمكن أن يكون التراث في حد ذاته غرضا للعمل المسرحي، ولكن هناك أهمية أن يوجد إسقاط على الواقع، فليس كل عمل تراثي مكتوب يمكن مسرحته، أو تحويله لعمل درامي، مشددا في هذا الصدد على أهمية دراسة التراث والتعمق فيه وبنظرة مغايرة بما يتماشى مع فكر الكاتب، ليتحول التراث إلى أعمال إبداعية مسرحية أو غيرها.
جدير بالذكر أن الهيئة العالمية للمسرح تحتفل يوم السابع والعشرين من كل عام بيوم المسرح العالمي، وقد اختارت هذا العام سيدة المسرح العربي الفنانة المصرية سميحة أيوب، لكتابة رسالة يوم المسرح العالمي لهذا العام.
وأطلقت الهيئة العالمية للمسرح يوم المسرح العالمي ليتم الاحتفال به لأول مرة في 27 مارس 1962، وهو تاريخ إطلاق موسم "مسرح الأمم" في باريس، ومنذ ذلك الحين وفي هذا التاريخ من كل عام، يتم الاحتفال باليوم العالمي للمسرح على نطاق عالمي.
وقد دأبت الحركة المسرحية في قطر على الاحتفال بهذه المناسبة منذ ثمانينيات القرن الماضي، مشاركة لمسارح العالم في هذا اليوم، حيث تقام غدا الإثنين احتفالية خاصة بهذه المناسبة في المؤسسة العامة للحي الثقافي كتارا.