لم يكد مسلمو بريطانيا يخرجون من أزمة وباء فيروس كورونا "كوفيد - 19" وما فرضه من قيود شديدة طيلة عامين متتاليين حدت من احتفالاتهم بشهر رمضان الفضيل، حتى واجهتهم أزمة غلاء معيشة غير مسبوقة في البلاد منذ أكثر من أربعة عقود، فالمسلمون في بريطانيا الذي يصل عددهم إلى نحو 4 ملايين شخص، حالهم مثل حال باقي البريطانيين، يواجهون ارتفاعا غير مسبوق في أسعار السلع الغذائية والوقود والطاقة سيؤثر -بلا شك- على مظاهر احتفالهم بحلول الشهر الكريم.
وعبر العديد من المسلمين البريطانيين، في حديثهم مع وكالة الأنباء القطرية، عن عدم قدرتهم على مواكبة غلاء الأسعار المستشري في البلاد منذ منتصف العام الماضي، حيث تخطى معدل التضخم 11 %، وباتت نسبة كبيرة منهم تشعر بهاجس عدم القدرة على دفع فواتير الغاز والكهرباء المنزلية.
وتقول أمينة تشاودري، وهي أم لطفلين وتسكن في مدينة بيرمنجهام: إن أسعار البيض، على سبيل المثال، ارتفعت بنحو جنيه ونصف الجنيه الإسترليني، وتخطى سعر كيلو اللحم الضأن 22 جنيها بعد أن كان في حدود ثلاثة عشر جنيها قبل بداية الأزمة.
وتضيف أمينة أنها أنفقت ستين جنيها أثناء تبضعها ثلاثة أكياس فقط من الخضراوات والبقالة، موضحة أنها ستضطر لتقليص عدد أصحابها وأقاربها الذين ينوون المجيء للإفطار في منزلها خلال شهر رمضان.. "أنا بالكاد أستطيع أن أوفر إفطارا وسحورا لعائلتي خلال شهر رمضان، فما بالك بتوفير إفطار للضيوف من الأصدقاء والأقارب".
وتتفق سلمى مصطفى، زوجة وأم لثلاثة أطفال تعيش في لندن، مع أمينة، ففضلا عن أن لندن تعد من أغلى المدن في العالم من حيث كلفة المعيشة، تشتكي سلمى من أن غلاء الأسعار ربما يفقد عائلتها الصغيرة جزءا من بهجة رمضان، وتقول سلمى إنها اضطرت لتغيير المتجر الذي اعتادت التبضع منه طيلة السنوات الماضية، واللجوء إلى متاجر تبيع منتجات أقل جودة، وتضيف سلمى أن أسعار مستلزمات المنزل والطعام، خاصة زيوت الطعام، ارتفعت بنسبة الضعف تقريبا، وذلك جراء الحرب في أوكرانيا، وما تبع ذلك من غلاء المواد الغذائية.
وأضافت سلمى أنها كانت تتبضع العام الماضي بنحو 50 جنيها إسترلينيا في المرة الواحدة غير متضمنة أي نوع من أنواع البروتينات سواء اللحوم أو الأسماك، أما هذا العام تدفع سلمى ضعف هذا المبلغ تقريبا، وهو الأمر الذي تقول إنه سيحد من إمكانية إقامة إفطار جماعي في منزلها، كما اعتادت في الأعوام الماضية.
أما شابينا بانو، وهي أم لخمسة أطفال تعيش في بيرمنجهام، فتقول إنها لا تستطيع أن تتوقف عن ممارسة طقوس شهر رمضان رغم أزمة غلاء المعيشة التي تمر بها البلاد، وتنوي شابينا أن تعتمد في وجبات الإفطار على الأطباق النباتية الأقل كلفة، حتى تتمكن من استضافة أقاربها وأصدقائها كما اعتادت دائما.
وأوضحت قائلة: "سأقلل من اللحوم على المائدة، وسنركز بشكل أكبر على العدس والخضراوات والوجبات النباتية"، وأكدت أنها "تشفق على الأقل حظا من المسلمين الذين سيلجؤون إلى بنوك الطعام وموائد الإفطار التي ستقيمها المساجد في ظل أزمة ارتفاع أسعار الطاقة".
ويتحدث حسين إبراهيم، صاحب أحد المتاجر الحلال في منطقة "كينت" جنوب شرقي لندن، عن مدى تأثر المسلمين في لندن بزيادة الأسعار هذا العام في رمضان، قائلا: إن الكثير من زبائنه يشتكون من زيادة الأسعار، لكنه يبذل قصارى جهده لجعل الزيادة في الأسعار في أضيق الحدود، لكن حسين لا يستطيع، كما يقول، التحكم في أسعار الخضراوات والفاكهة؛ لأنها زادت بشكل واضح عن العام الماضي.
ويضيف إبراهيم أنه ليس هناك إقبال كبير على المنتجات الرمضانية مثل المشمش والتين والتمر بسبب زيادة الأسعار.
ولفت إلى أن الكثير من زبائن متجره المسلمين يلجؤون حاليا إلى استخدام النقود الورقية، بدلا من البطاقات الائتمانية، حتى يتمكنوا من التحكم في مصروفاتهم الشهرية، وأضاف أن زبائنه من المسلمين باتوا يتنقلون من محل بقالة إلى آخر لانتقاء أرخص المنتجات، مشيرا إلى أنه يسعى لعرض منتجاته بأقل الأسعار الممكنة حتى يتمكن المسلمون من شراء حاجيات رمضان في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
وتتجلى أزمة غلاء المعيشة في المناطق التي يقطنها أعداد كبيرة من المسلمين، فوفقا لآخر تعداد سكاني في 2022، هناك حالة من الفقر أثرت على أجيال من المسلمين البريطانيين، ويشير التعداد إلى أن هناك 39 في المائة من المسلمين يعيشون في أكثر المناطق حرمانا في إنجلترا وويلز، كما أظهر التعداد السكاني عن وجود علاقة مقلقة بين المناطق التي تعاني من أسوأ مستويات الحرمان، ونسبة السكان المسلمين بها.
ويشير ضياء سالك، رئيس قسم جمع التبرعات في جمعية الإغاثة الإسلامية في المملكة المتحدة الخيرية، أنه بدأ يلاحظ زيادة كبيرة في عدد الناس الذين يتوجهون إلى باب الجمعية انتظارا لطرود غذائية من بنك الطعام؛ لأنهم لم يتناولوا وجبات لعدة أيام، وما يؤكد الأوضاع الصعبة التي يواجهها المسلمون في بريطانيا مع حلول شهر رمضان هو ما ذكره المشاركون في مؤتمر عقد مؤخرا بعنوان "أهلا رمضان 2023"، الذي تناول وضع المسلمين في رمضان هذا العام، حيث أشاروا إلى أن 61 في المئة من المسلمين في إنجلترا وويلز يعيشون في 40 في المائة من المناطق الأكثر حرمانا.
ويشير تقرير نشره موقع "ريتيل تايمز"، المتخصص في أخبار تجارة التجزئة في بريطانيا، إلى أن نحو 48 في المئة من المسلمين البريطانيين قالوا إن أزمة غلاء المعيشة ستؤثر على قدرتهم الشرائية خلال شهر رمضان الكريم، فيما قال نحو 45 في المئة منهم إنهم سيضطرون لزيادة ساعات عملهم لتلبية احتياجاتهم خلال شهر رمضان وعيد الفطر، وذلك وفقا لاستطلاع رأي أجراه الموقع، وأظهر الاستطلاع أن نحو 41 بالمئة منهم سوف يضطرون إلى تقليص المرات التي يتناولون فيها طعام الإفطار خارج المنزل، بينما قال 42 في المئة إنهم لن ينفقوا أكثر من ثلاثين جنيها إسترلينيا ثمنا لكل هدية من هدايا عيد الفطر.
وأكد نحو 40 في المئة من المسلمين أنهم سيغيرون محال تبضعهم، حيث سيتوجهون إلى محال السوبر ماركت المعروفة برخص أسعار منتجاتها لشراء المنتجات الغذائية التي سيتناولونها خلال وجبتي الإفطار والسحور خلال الشهر الكريم.
ودعا أرتيوم انكوف، خبير التحليلات بشركة "نانو انترآكتيف" التي أجرت استطلاع الرأي، المعلنين إلى "مراعاة مشاعر المستهلكين الذين ليست لديهم القدرة الشرائية خلال شهر رمضان"، مشيرا إلى أن "رمضان والعيدين هي مناسبات مهمة للغاية لنحو أربعة ملايين مسلم في بريطانيا".
ومع اشتداد حدة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها المسلمون في بريطانيا، تزايدت المبادرات المقدمة من الجمعيات الخيرية لتوفير الطعام لمن يحتاجونه خلال شهر رمضان، ومن بين هذه المبادرات تلك التي بدأتها جمعية هيومان أبيل بجمع أموال تحت شعار "فدية طعام بخمسة جنيهات"، وهدفها جمع تبرعات لإطعام المحتاجين خلال الشهر الكريم، ونجحت الجمعية حتى الآن في توزيع صناديق من المواد الغذائية الأساسية على مئات العائلات المسلمة في منطقة لوتن الواقعة شمال لندن، وتحمل معظم هذه المبادرات، التي تقوم بها المئات من الجمعيات الخيرية في عموم بريطانيا، شعارا أساسيا هو "لن يجوع أحد في رمضان".