أشاد فنانون وأكاديميون بالإنجاز القطري في مجال الإنتاج الدرامي، الذي يستلهم القيم الروحية والتراث الثقافي للأمة العربية والإسلامية، ونوهوا في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية بالأبعاد التربوية لهذا الإنتاج الدرامي، ودوره في التثقيف والاحتفاء بالرموز الوطنية والدينية، وتعزيز ارتباط الأجيال والنشء برموزهم وتاريخهم. وأشاروا إلى ضرورة تطوير وتنمية قدرات الموهوبين للارتقاء بهذا المجال من خلال التعليم والتثقيف المستمر، انسجاما مع حاجة المجتمع المستمرة للفن والإبداع بأشكاله المختلفة، باعتباره الأسلوب الأرقى لمناقشة القضايا وطرح الأسئلة، والتعبير عن طموحات الإنسان والمجتمع.
وأوضح المخرج وعضو هيئة التدريس بكلية المجتمع سعد بورشيد، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، أن الدراما التلفزيونية ذات أهمية كبيرة؛ لأنها تعكس قضايا الإنسان في أبعادها الاجتماعية والثقافية وعمقها التربوي والتاريخي، وتساهم في معالجة مختلف القضايا من خلال التثقيف والترفيه؛ لذلك تتحلق معظم الجماهير في الوطن العربي حول التلفزيونات لترى انعكاس همومها وقضاياها وأسئلتها في هذه الدراما، مشيرا إلى قدرة الدراما على استيعاب ومعالجة قضايا كثيرة ومهمة من تراث الأمة إلى قضايا المجتمع المعاصر إلى هموم الفرد.
وقال: إن تلفزيون قطر لعب دورا كبيرا في إنتاج وبث الدراما التي تمثل مرآة عاكسة لحاجة الناس الدائمة والمتجددة للفن والتعبير الفني، باعتباره أحد أرقى أشكال التعبير الإنساني، حيث ظلت الدراما مرآة عاكسة لقيم الدين والتراث، وحقوق الطفل وقضايا المجتمع المختلفة.
وأكد بورشيد أن المحتوى التربوي والثقافي ينعكس في كثير من الأعمال الدرامية الكبرى في الإنتاج القطري، خاصة التي تعالج لحظات أساسية في التاريخ العربي والإسلامي، وتلعب دورا في تثقيف أفراد المجتمع حول رموز وشخصيات وأحداث من هذا التاريخ، مثل مسلسلات: "عمر" و"خالد بن الوليد" و"صلاح الدين الأيوبي" و"الحجاج" وأعمال أخرى لاقت نجاحا كبيرا، وترجمت إلى العديد من اللغات، ولا تزال تعرض ويعاد عرضها، لعمق محتواها والمعالجة الدرامية الناجحة، لافتا إلى أن هذا النجاح جاء تتويجا لمسيرة الحركة الدرامية القطرية، التي اكتسبت سمعة طيبة على مدى الأيام، وحصدت الجوائز في المهرجانات والمشاركات المحلية والخليجية والعربية، عبر أجيال متلاحقة حملت هم الدراما، وارتقت بالمشهد الدرامي، مما يتطلب الحفاظ على هذه الإنجازات وصون ذلك التاريخ من خلال تعزيز دور الدراما والإنتاج الدرامي، الذي يمثل ركيزة من ركائز التطور في النهضة القطرية المعاصرة، مشددا على أن المنافسة صارت أكثر حدة، وتتطلب إعادة اهتمام وتنظيم الاستراتيجيات المتعلقة بالإنتاج الدرامي، حيث تطورت المنصات والمحطات التلفزيونية المتخصصة في الإنتاج الدرامي وأساليب الإنتاج.
وأشار المخرج والأكاديمي سعد بورشيد إلى أن الرعاية والاهتمام يجب أن تشمل تشجيع المبدعين والمواهب القطرية في مجالات التأليف والإخراج والنقد والديكور والجوانب الفنية الأخرى، موضحا أن كلية المجتمع في قطر تقوم بدور مهم في تطوير المشهد الثقافي من خلال برنامج الدبلوم المشارك في الفنون المسرحية، الذي يهدف إلى النهوض بالحركة الفنية والثقافية من خلال تدريس علوم الدراما والمسرح في شقيها النظري والتطبيقي؛ وذلك لإثراء المشهد الثقافي عبر التعليم الأكاديمي، ويتألف من أربع تخصصات: الدراما والنقد، والتصميم والديكور، والإدارة المسرحية، والتمثيل، والإخراج، منوها بثمار البرنامج الذي تخرجت حتى الآن خمس دفعات في تخصصاته المختلفة، يجسدون إضافة حقيقية للمشهد الثقافي والفني، متمنيا أن يتم تطوير البرنامج إلى مرحلة البكالوريوس لتعميم الفائدة ولمزيد من العطاء في هذا المجال.
وشدد بورشيد على أن التأسيس العلمي والثقافي الجيد في مجال الدراما يعزز البعد التربوي والثقافي والاجتماعي لهذا الفن، من خلال معرفة الطلاب والدراسين الجيد بتاريخهم الوطني والعربي والإسلامي، وأبطال ورموز هذا التاريخ، ويمنحهم الثقة والمعرفة بلغتهم ومجتمعهم وتاريخهم، كما يعزز تواصل الأجيال في هذا المجال، حيث تم إنشاء قسم التربية المسرحية التابع لوزارة التربية والتعليم في قطر عام 1974، وقد أدى إلى تطوير النشاط الدرامي في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، وصقل تجارب طلاب أصبحوا نجوما فيما بعد، وأثروا الساحة المحلية والخليجية والعربية بإنتاجهم ومشاركاتهم القيمة، وصاروا من الشخصيات المهمة في هذا المجال.
بدوره، أكد المخرج والممثل فالح فايز، في تصريح خاص مماثل لـ /قنا/، أن التجربة القطرية في مجال الإنتاج الدرامي قدمت نماذج متميزة مرتبطة بالقيم الثقافية والاجتماعية والتربوية للشهر الكريم، من خلال معالجات وأعمال متنوعة في الإنتاج الدرامي بأبعاده الدينية والتراثية والاجتماعية، بالإضافة إلى الأعمال الدرامية الموجهة للأطفال، موضحا أن من أبرز الأعمال الدرامية التي استلهمت سير رموز الأمة الإسلامية، منها مسلسل "عمر" المقتبس من سيرة الخليفة عمر بن الخطاب، و"الإمام"، المستلهم من سيرة الإمام أحمد بن حنبل، ويقدم معالجة درامية لحقبة تاريخية مهمة وحساسة من تاريخ الأمة الإسلامية، إلى جانب أعمال درامية مثل: "ذي قار"، و"أبو جعفر المنصور"، و"القعقاع" و"ابن تيمية"، كما قدم تلفزيون قطر أعمالا متميزة استلهمت التراث العربي، وأبرزت القيم التربوية والثقافية لهذا التراث، ومنها أعمال: "آخر أيام اليمامة"، و"زمان الوصل (حكاية أندلسية)"، ومن الأعمال المستلهمة من التراث القطري: عيني يا بحر، وجميلة، ومن المسلسلات الاجتماعية: قلوب للإيجار، نعم ولا، أحلام البسطاء، إلى متى؟ فايز التوش، الناس بيزات، السدرة، السر في بير، تصانيف، جدار الصمت، حكم البشر (مسلسل)، حب ولكن!، عفوا سيدي الوالد، وأعمال أخرى.
وشدد الفنان فالح فايز أن الأبعاد التربوية للإنتاج الدرامي تتجلى في الأعمال الموجهة للأطفال، التي تستهدف تعزيز حب اللغة العربية والثقافة والفنون، أو التي تقدم معالجات درامية لقضايا تهم الأطفال، وتساهم في غرس قيم الشجاعة والنبل وحب العلم في نفوسهم، مثل مسلسلات: قلعة الشطار، ومركب الهند، وعقلة الأصبع، ومغامرات سعدون.
وأوضح أن التجربة القطرية حافلة بالمساهمات البارزة لكتاب ومخرجين وممثلين وطواقم فنية تركت بصمة واضحة في هذا المجال، واستقطبت كبار العاملين في مضمار الدراما في الوطن العربي ودول الخليج، مما أثرى حركة الدراما والإنتاج الدرامي، وقد حصدت كثير من الأعمال جوائز في مجالات الدراما في المسرح والتلفزيون والإذاعة، مشيرا إلى حرص الفنانين القطريين بمختلف تخصصاتهم على المشاركة في الأعمال التي أسهمت وتساهم في الاحتفاء بقيم الأمة ونماذجها الرفيعة وقيمها النبيلة.
وأكد المخرج والممثل فالح فايز أن الاستمرارية في تعزيز الإنتاج الدرامي القطري في مجالاته المختلفة تتطلب استنفارا لجهود القطاعين العام والخاص لرعاية هذا الإبداع، والاهتمام بالمبدعين في مجال الدراما الذين يؤدي ضعف الميزانيات المرصودة للإنتاج الدرامي إلى تعطيل مشاريعهم وإضعاف دورهم.
من جانبه، أكد الكاتب والمخرج أحمد المفتاح، في تصريح خاص مماثل لـ /قنا/، ضرورة ارتقاء الدراما وتناسبها مع أهمية شهر رمضان ومكانته، ومراعاة خصوصيته في قلب وروح وفكر الصائم، وما يجيش في وجدانه من المشاعر والعواطف، وأن ينعكس ذلك فيما يقدم من دراما، بحيث تتسق مع قيم الشهر الكريم ودلالاته ومعانيه.
وأشار إلى أن الدراما القطرية كان لها إسهام كبير في تعزيز البعد التربوي والعمق الثقافي لشهر لرمضان، من خلال استلهام سير العديد من الشخصيات البارزة في التاريخ الإسلامي، فقدمت أعمالا درامية راقية، كانت وستظل علامة فارقة في مسيرة الدراما القطرية، مثل: مسلسل عمر، العمل المستوحى من سيرة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، والذي ألقى الضوء على مرحلة مهمة من مرحلة بناء الدولة الإسلامية، وأبرز قيم العدل والتسامح والحكمة، وروح القيادة، والحكم الصالح في الإسلام.
وأوضح الفنان المفتاح أن الأبعاد التربوية للدراما الرمضانية تتسع وتضيق من مكان لآخر، ومن عمل لآخر حسب التجارب والأفكار، فلكل تجربة حدود ومنطلقات ومفاهيم، وأن أفق المشاركة في تعزيز الدور التربوي للدراما الرمضانية يتسع لتشمل كل القائمين على أمر الدراما من حيث الكم والكيف والمضمون والإنتاج، فكل يساهم من موقعه إذا كان كاتبا، أو ممثلا، أو مخرجا، أو منتجا في تعزيز هذا الدور وتلك المشاركة؛ لأن الإنتاج الدرامي واسع ومتعدد، لا يقتصر فقط على الأفلام أو المسلسلات، بل يتسع ليشمل مجالات عديدة، منها توظيف الدراما لخدمة القضايا الدينية الاجتماعية والإنسانية، وترسيخ القيم الإسلامية.
وقال المفتاح: وفي هذا المجال، كانت لنا تجربة ثرية من خلال المشاركة لعدة سنوات في التمثيل في عدد من المشاهد الدرامية المصاحبة لبرنامج (فاستبقوا الخيرات)، حيث كنا نحاول عن طريق الدراما تبسيط بعض المسائل الفقهية، وتوضيح مقاصدها، فأضاف ذلك للبرنامج بعدا آخر، أخرجه من إطار النمط السائد، الذي كانت عليه بعض البرامج الدينية، فجاء المشهد الدرامي في كل حلقة على مدى خمسة مواسم، ليقدم المفهوم أو المعلومة الدينية بشكل درامي مبسط للمشاهدين.