اختتمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ممثلة بإدارة الدعوة والإرشاد الديني، النسخة التاسعة من البرنامج الرمضاني الحواري "وآمنهم من خوف"، الذي نظمته على مدى ثلاثة أيام، واستضافت خلاله كوكبة من علماء ومفكري العالم الإسلامي.
وناقشت الجلسة الثالثة والأخيرة من البرنامج، التي جاءت بعنوان "اللغة العربية .. أسباب العزوف ووسائل التجديد وأثرها على القيم والأصالة"، أهمية اللغة العربية وارتباطها بهوية الإنسان المسلم؛ لكونها لغة القرآن الكريم، والتأكيد على ضرورة المحافظة عليها، وترسيخ استخدامها، وتصحيح أساليب تدريسها برؤية تحفيزية.
وفي هذا الإطار، قال الدكتور مطلق الجاسر أستاذ الفقه في كلية الشريعة بجامعة الكويت: "إن الله تعالى قد اصطفى اللغة العربية وجعلها لغة القرآن الكريم، حيث جعل الله لهذه اللغة من المزايا والفضائل ما لا يوجد نصفه في اللغات الأخرى"، مؤكدا ارتباط اللغة العربية بهوية الإنسان المسلم ارتباطا وثيقا.
وأشار خلال مداخلته في الجلسة إلى أن العديد من المستشرقين قد بينوا أثر الإسلام على أوروبا في العصور الوسطى، وكيف أثرت اللغة العربية على الشباب الأوروبي في تلك الحقبة، حتى أصبح يتفاخر الواحد منهم إذا تمكن من الحديث باللغة العربية، فيما تغيرت الدنيا اليوم وانقلبت أحوالها، وصار شباب المسلمين يحاولون أن يجدوا لأنفسهم شيئا من الرفعة، إذا ما تحدثوا بلغات أجنبية، دون أي حاجة تذكر.
ولفت الجاسر إلى ارتباط هذه الظاهرة بانتشار الشبهات الفكرية بين المسلمين؛ لكون اللغة هي المكون الرئيس لهوية الإنسان وثقافته ومعتقده، فإذا فقد ذلك أصبح سهلا عليه أن يتشرب أفكار الآخرين وثقافتهم.
وشدد خلال مداخلته بالجلسة على ضرورة تأصيل اللغة العربية والمحافظة عليها بشتى الوسائل المتاحة، وبما ينعكس إيجابا على سقوط الكثير من الشبهات المثارة حول الدين الإسلامي.
من جهته، أكد الدكتور البشير عصام المراكشي، مدير مركز إرشاد للدراسات والتكوين في المغرب، أهمية تضافر جميع جهود المسلمين والعرب؛ من أجل إعادة اللغة العربية إلى مكانتها التي كانت عليها، مبينا أن "السبب الأساسي الذي يقف وراء ضعف اللغة العربية يكمن في أننا مغلوبين فكريا واقتصاديا وفلسفيا وتقنيا في جميع مجالات الحياة".
وقال خلال مداخلته في الجلسة: "إذا أردنا أن نصلح شأن اللغة العربية لا بد أن نصلح شأن الأمة أولا، وأن نعيد إليها شيئا ولو يسيرا من نهضتها وحضارتها ومكانتها، وما ينهض بلغتها".
وأشار البشير إلى أن الرجوع بالعربية إلى أصلها وجذورها يكون عبر محورين اثنين؛ أولهما تثبيت الاستعمال للغة، والثاني تصحيح نهج التعلم، مبينا أن اللغة العربية كغيرها من اللغات تحيا بالاستعمال وتموت بالهجر، مؤكدا أن اللغة العربية لن تموت لأنها لغة القرآن الكريم، وستبقى محفوظة بحفظه، وستظل باقية مع بقاء كتاب الله تعالى.
وشدد على ضرورة تدريس العلوم باللغة العربية، خاصة أنه في الكثير من البلاد العربية تم استبعاد اللغة العربية في تدريس العلوم، محذرا من استعمال اللغة العربية العامية المنتشرة في بلداننا العربية؛ لأن الاستعمال يحرف اللغة العربية، داعيا إلى تصحيح منهج تلقي اللغة العربية، ودراسة علوم العربية بشكل ممنهج.
وفي سياق ذي صلة، قال الدكتور محمد الأمين إسماعيل مدير المركز الإسلامي في جامعة إفريقيا العالمية بالسودان: "اللغة العربية والكلام بها نعمة من نعم الله تعالى، كما أن اختيار الله لها للرسالة الخاتمة يعني أنها اللغة التي تصلح لكل العالم، حيث تقبل ترجمة المعاني فيها وتتسع لكل اللغات"، مبينا أن للغة العربية مميزات عظيمة، ويكفي أن الله تعالى وصف القرآن الكريم بأنه عربي، حيث قال في 7 مواضع "وقرآنا عربيا"، و"بلسان عربي" و"لسانا عربيا" في موضعين، و"حكما عربيا" في موضع واحد من القرآن الكريم.
وأضاف "أهم ما يميز اللغة العربية قداستها، فهي لغة مقدسة لكل مسلم ومسلمة سواء تكلم بالعربية أو لم يتكلم؛ لكونه يقدس القرآن الكريم، ويقدس أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقدس الأذكار التي يذكر بها الله سبحانه وتعالى، وهذه القداسة من المستحيل إزالتها"، مشيرا إلى أن أبرز مميزات اللغة العربية الأخرى يكمن في قدمها، حيث جاء في التفاسير أنها اللغة التي نزل بها آدم عليه السلام.
وأوضح إسماعيل خلال مداخلته بالجلسة أن مختلف اللغات لها أمد وتندثر بعدها، إلا أن اللغة العربية تميزت برسوخها، لافتا إلى استخدام الكثير من اللغات للمصطلحات العربية، خاصة في ظل كثرة المترادفات في اللغة العربية.
وأشار إلى يسر اللغة العربية مع عظمها، والدليل على ذلك أن من وضعوا قواعد اللغة العربية ليسوا عربا، من سيبويه إلى الزمخشري، وغيرهم.
ولفت إسماعيل إلى أن اللغة العربية تواجه اليوم تحديات عديدة تتعلق بأساليب تدريسها، تتمثل في عدم مواكبة هذه الأساليب لمختلف التطورات الحديثة، فضلا عن تدريس لغات أخرى للطالب على حساب لغته التي قد لا يجد تطبيقا مباشرا عليها، والدعوة لنشر اللهجات العامية المحلية.
من جانبه، أكد الدكتور نور الدين الخادمي، رئيس وحدة البحوث والدراسات الإسلامية في كلية الشريعة بجامعة قطر، أن اللغة العربية تتجدد لأنها من الدين، وكذلك الدين يتجدد كما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها"، لافتا إلى أننا اليوم أمام مشهد لغوي عربي في فضاء عالمي، ورمضان هو شهر اللغة العربية من جهة القرآن الكريم.
وقال خلال مداخلته بالجلسة: "اللغة العربية تعد لغة حاضرة وفاعلة ومنفتحة على المستوى الدبلوماسي والدولي، وكذلك على مستوى الترجمة والعلوم والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي"، مشيرا إلى أن اللهجة العامية تحتضن نوعا من المادة اللغوية العربية مع بعض الانحرافات.
وبين الخادمي أنه لا بد من الحديث عن قضايا اللغة العربية برؤية تحفيزية، باعتبارها تمتلك من المقومات الاستراتيجية ما يجعلها خالدة؛ لكونها لغة القرآن الكريم المحفوظ إلى قيام الساعة، بالإضافة إلى السنة النبوية التي تبين القرآن وتفسر مختلف العلوم القرآنية والدينية باللغة العربية.