أكد عدد من الخبراء والمختصين أن بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 تركت إرثا مستداما مكن قطر ودول المنطقة العربية من البناء عليه والاستفادة منه، كما خلقت نشاطا ملحوظا في الدول المجاورة وأسهمت في استقطاب مشروعات كبرى إليها والتواصل مع العالم على نحو أفضل.
ولفت المتحدثون في الندوة التي عقدتها "الخيمة الخضراء" التابعة لبرنامج "لكل ربيع زهرة" تحت عنوان "الدروس المستفادة من كأس كأس العالم FIFA قطر 2022 إقليميا وعالميا" إلى أن المونديال تصدى لفكرة الهيمنة الغربية على الأحداث الكبرى بعد أن اختيرت قطر لتنظيم هذا الحدث، مشيرين إلى أن هذا الفوز أعطى الأمل لدول أخرى للمنافسة على تنظيم أحداث مشابهة بعد أن رأوا القدرات القطرية والنجاح الكبير في التنظيم رغم صغر المساحة الجغرافية.
وأضافوا أن قطر استطاعت تجديد الفكر الرياضي وبنت منظومة رياضية جديدة تعتمد على العلم، حيث ظهرت أبحاث عديدة وبرامج أكاديمية في جامعاتها تتخصص في المجالات الرياضية كما كسرت "التابوهات" الراسخة في أذهان العالم بأن هذه البطولة حكر على الغرب مع إدخال المنظومة الأخلاقية القيمية والاجتماعية إليها من خلال المبادرات المتنوعة وإطلاق جوائز لمكافحة الفساد بمختلف أشكاله.
ونوهوا إلى أن الدولة تمهيدا لهذه البطولة استثمرت استثمارات مباشرة في الرياضة من خلال تطوير منشآتها ومختلف العناصر المرتبطة بالرياضة ما زاد من رأس المال المعرفي ليس في كرة القدم فحسب، بل في كل الألعاب.
كما تناول المتحدثون في الندوة عن أسباب نجاح المونديال في قطر ومنها عنصر المفاجأة حين وقع الاختيار عليها عام 2010 بعد منافسة دول كبرى، ثم الصبر القطري والعمل الجاد منذ ذلك التاريخ فقد استمرت في العمل أكثر من 12 عاما من أجل شهر واحد فقط، وكذلك التخطيط المحكم والتنفيذ الفعال وتصور كل التفاصيل الدقيقة لمختلف الأحداث مع التأكيد على الهوية الوطنية والإسلامية ومحاولة إثبات الذات، مؤكدين أن البطولة أثبتت أن "صراع الحضارات" تعبير خاطئ بعد استيعاب الآخر وإدماج جميع الديانات والثقافات والأعراق في مكان واحد يحترم التقاليد العربية ويتعايش مع الآخر، ما أسهم في تغيير الصورة النمطية عن العرب والمسلمين، مشيرين إلى أن قطاع الرياضة في قطر ربح سبعة ملاعب جديدة ومتطورة وعشرات المواقع للتدريب، تسهم في بناء قاعدة كروية من الأطفال والشباب تستفيد منها الأندية والمنتخبات.
وفيما يتعلق بدور التطوع في نجاح بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 نبه المتحدثون إلى أن البطولة حققت نقلة حضارية في كل المجالات، وقد نجحت قطر نجاحًا باهرًا في تنظيم نسخة استثنائية شهد لها القاصي والداني، خاصة أنها جعلت الاستدامة محورًا للبطولة التي طبقت معايير جديدة للتنمية الاجتماعية، والبشرية، والاقتصادية، والبيئية، وعملت على إرساء إرث مستدام منه الإرث التطوعي الذي كان له دور بارز في نجاح المونديال، بما قدمه المتطوعون من جهود فعالة.
وبينوا أنه منذ إعلان اللجنة العليا في سبتمبر 2018 فتح باب التطوع، استقطب برنامج التطوع أنظار واهتمام عشاق كرة القدم من كافة أنحاء العالم، واستقبلت بوابة تسجيل المتطوعين ما يقرب من 60 ألف طلب للإسهام في التنظيم، وبالفعل تم اختيار 28 ألف متطوع ينتمون لـ160 جنسية 5 آلاف منهم دوليون تلقوا الدورات التدريبية والتأهيلية المختلفة للتعامل والتواصل مع الجماهير، وإجراءات الأمن والسلامة، وتمت إشراكهم في بطولة كأس العرب 2021، فضلًا عن كأس العالم للأندية عام 2019، وكذلك بطولة كأس الأمير، وشارك المتطوعون في كافة عمليات المونديال، وقدموا الدعم في 45 جانبًا تشغيليًّا في المواقع الرسمية وغير الرسمية للبطولة، مثل: الملاعب ومراكز التدريب، والمطار، ومناطق المشجعين، والفنادق، ومراكز وسائل النقل العام، والمتاحف وغيرها.
وفي هذا الصدد شدد الدكتور سيف بن علي الحجري رئيس برنامج /لكل ربيع زهرة /على أهمية طرح هذا الموضوع للنقاش في الخيمة الخضراء خاصة وأن دولة قطر هي الأولى عربيا وإسلاميا وشرق أوسطيا التي تنال هذا الشرف، حيث جعلت منها بطولة تاريخية ومتميزة في جميع جوانبها مستعرضا الأسباب الكامنة وراء نجاح هذه البطولة، ومنها بروز منظومة القيم الاجتماعية، والفرص الناجمة عن البطولة على الساحة الرياضية العالمية.
وأوضح أن البنية التحتية كانت عاملاً جوهرياً في إنجاح الحدث، وكذلك تقريب المجتمعات والإدماج بين الثقافات والأجناس والأعراف المختلفة، بما شجع الحوار والتفاهم والتعاون بين الشعوب، وتحويل قطر إلى وجهة سياحية، ومركز إعلامي وثقافي، والتمهيد لتطوير الصناعات الجانبية التي تتعلق بالأحداث الرياضية الضخمة، مثل قطاع الضيافة وقطاع الأغذية والمشروبات وقطاع السفر، وهذه الصناعات تشكل جزءاً كبيراً من هذه الأحداث وتعزز الاقتصاد المحلي بشكل كبير.