يعتبر شهر رمضان المبارك من أقرب الشهور لقلوب المسلمين في شتى بقاع العالم، فهو شهر الخير والبركة، فيه يتقرب المسلمون إلى الله بالصيام والصلاة وقراءة القرآن، وفي باكستان يعد الشهر الفضيل فرصة سانحة للجمع بين العبادة والشعائر الدينية والتواصل والتكافل بين الأهل والجيران والمعارف.
ويتميز الشهر الفضيل في باكستان بالبساطة، إذ يحرص المسلمون هناك على إعطاء الأولوية للعبادات، أما الطعام فيأتي في المرتبة الثانية، إذ تكتفي الأسر بالأطباق الشعبية البسيطة.
وتعتبر باكستان من الدول الإسلامية التي تتضح فيها أجواء رمضان في الشوارع والأحياء الشعبية، والتجارية، التي تدب فيها الحركة بعد تناول الإفطار، وتزدحم بعد صلاة التراويح.
وتتحول جميع المدن الرئيسية في باكستان إلى مدن لا تنام أبداً، ويبدأ كل شيء بإعادة ترتيب نفسه في شهر الصيام، بما في ذلك المطاعم، التي لا يفتح معظمها إلا في نهاية كل يوم من أيام الصيام، ويتأخر الصائمون في تناول وجبة الإفطار حتى ينتهوا من صلاة المغرب، ويأكلون سوياً في موائد جماعية، كما يزينون البيوت والشوارع والمساجد بالأضواء والألوان.
وفي باكستان التي يقدر عدد سكانها بمائتين وثلاثين مليونا، وهي ثاني أكبر الدول الإسلامية عدداً بعد إندونيسيا، يحرص الباكستانيون على أداء صلاة التراويح بالمساجد، حيث تنظم دروس لتفسير الآيات التي تتلى من القرآن الكريم، كما تحرص أغلب المساجد هناك على ختم القرآن الكريم ثلاث مرات خلال الشهر الفضيل في صلاة التراويح، وأول ما يهتم به المسلمون في باكستان هو المساجد، حيث يقومون بتنظيفها وتجديدها وإعادة طلائها.
ويشجع الباكستانيون أطفالهم على الصيام في سن مبكرة، وتحتفل العائلات هناك بالطفل الذي يصوم أول مرة، وذلك بإلباسه ملابس خاصة، كما تضع على رأسه غطاءً ذهبي اللون، وتُحضر الأسرة مائدة طعام من الأكلات التي يفضلها الطفل، وتدعو الأقارب والأصدقاء إليها، تكريماً له على ما بذله من جهد، وغرساً لحب الصيام والعبادات في نفسه.
وتُعلن العشر الأواخر من رمضان عطلة رسمية، تزدان خلالها المساجد والمباني العامة، بالزينات والأنوار، وتحظى ليلة القدر بأهمية بالغة عند الباكستانيين، ويعكفون فيها على الصلاة في البيوت أو المساجد تقرباً لله تعالى طوال الليل، أما الجمعة الأخيرة من شهر رمضان في باكستان فتُسمى "جمعة الوداع"، حيث يحرص الباكستانيون على الصلاة في أكبر المساجد، والابتهال والتهليل إلى طلوع الفجر.
ومن أهم ما يميز شهر رمضان في باكستان الإفطار الجماعي، ويكون برعاية مؤسسة خيرية تحرص على تقديم الطعام المجاني للفقراء ومساكن طلاب الجامعات، أو المدارس الدينية المنتشرة مع كل مسجد.
ويُصنف الباكستانيون على أنهم من أكثر الشعوب عطاءً في شهر رمضان، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالمشاركة في الجمعيات والفعاليات الخيرية، ويكثرون خلال الشهر الفضيل من هذه الفعاليات وتوزيع الصدقات وإقامة موائد الرحمن.
وما زال المسحراتي يقوم بدوره التاريخي في باكستان، إذ يطوف الشوارع والميادين بطبلته التقليدية التي يعلن بالدق عليها عن قرب وقت السحور، كما تنتشر هناك فرق "قوالي الشوارع"، والتي تتكون في الغالب من شخصين أو ثلاثة يعزفون على آلات قديمة ويغنون قصائد في مدح الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
ويعتبر التمر والماء جزءا لا يتجزأ من مائدة الإفطار في باكستان، ومن بين الأكلات التي تشتهر بها البلاد، كما يعد الطبق الرئيسي للإفطار هو البرياني أو الأرز البسمتي ولحم الضأن أو الدجاج بالكاري، وهناك طبق جانبي نباتي، مثل القرنبيط مع البطاطس أو العدس، ويحرص الباكستانيون على أن تكون وجبة السمبوسة، والباكورة، وحلوى جلبي ومشروب "روح أفزا" المصنوع من الفواكه والحليب وماء الورد، حاضرة على موائد الإفطار.
وتُعد وجبات البرياني، من معالم موائد الإفطار التي تقام عند المساجد وفي الشوارع أيضاً، وتوزع على غير القادرين، أما السحور فشيء مختلف، إذ يُفضل أغلب الباكستانيين تناول خبز تنور والشاي بالحليب، على اعتبار أن هذه الوجبة ستساعد على التغلب على الجوع في يوم الصيام الطويل.
أما سوق التمور المختبئ خلف ناطحات السحاب في منطقة لياري التاريخية في كراتشي، فيعود إلى الحياة خلال شهر الصيام، لكن أسعار التمور ارتفعت بشكل ملحوظ هذا العام حيث قفز معدل التضخم في باكستان إلى أعلى مستوى في 50 عاماً.
وتعد باكستان منتجاً رئيسيًا للفاكهة. لكن أكثر من 80 بالمائة من محاصيل التمر دمرت نتيجة الفيضانات التي غمرت ثلث البلاد العام الماضي، وتزرع باكستان معظم أشجار النخيل في مقاطعتي بلوشستان والسند، اللتين كانتا الأكثر تضرراً من تلك الفيضانات.
ويأتي رمضان هذا العام في باكستان وسط ارتفاع في أسعار المواد الغذائية بشكل كبير ما أثر على غالبية العائلات ومشترياتها الرمضانية، وفي إطار مبادرة لتقديم الإغاثة للفقراء المتضررين من التضخم خلال شهر رمضان، بدأت السلطات الباكستانية توزيع كميات من الدقيق مجانا على العائلات الفقيرة، وتشمل هذه المبادرة غير المسبوقة ملايين الأسر في مختلف المناطق الباكستانية.