التهجد.. دأب الصالحين وصفة المفلحين وسنة متبعة عن خاتم الأنبياء والمرسلين

17/04/2023 الساعة 19:54 (بتوقيت الدوحة)
صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
ع
ع
وضع القراءة

شهر رمضان المبارك ليس شهرا كباقي الشهور، ولا أيامه كسائر الأيام، لكنه موسم للطاعات والأعمال الصالحة حافل بالمنح والخيرات والهبات والمكرمات، وهو دورة تدريبية إيمانية مكثفة لتجديد الفضائل في حياة المسلم وترسيخها في نفسه وروحه ووجدانه لتصبح جزءا أساسيا من تفاصيل مسيرته في سفر الحياة.

والصلاة هي من أفضل الأعمال البدنية، ومن خير ما يتطوع ويتقرب به الإنسان المسلم لربه عز وجل خلال هذا الشهر الفضيل وباقي شهور العام، وهي صلة بين العبد وربه، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ فإذا كانت الصلاة في أفضل شهر كانت أعظم، فكيف إذن إن كانت في خير عشر، وفي أفضل وقت وهو ثلث الليل الآخر، حين ينزل الرب جل جلاله، يغفر للمستغفرين، ويجيب الداعين، ويعطي السائلين.

وقيام الليل هو دأب الصالحين وصفة الموفقين الفائزين وسنة متبعة عن خاتم الأنبياء والمرسلين، من أحياها أحيا الله قلبه ونور بصيرته وبيض وجهه وثبت قدمه، يبدأ وقته من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر.

ولا فرق بين صلاة التراويح والقيام، وصلاة التهجد، لأن هذه الأسماء تطلق على التطوع بعد صلاة العشاء إلى الفجر، ولكنه بعد النوم في الثلث الأخير من الليل يقال له تهجد، وكثير من الفقهاء يطلقون التهجد على صلاة الليل مطلقا، وهو صلاة التطوع في الليل بعد النوم، وقيل هو الصلاة بعد العشاء، ولو قبل النوم.

وفي هذا السياق تأتي صلاة قيام الليل أو ما يعرف بصلاة التهجد، حيث تعج في هذه الليالي العظيمة مساجد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها في أول الليل وآخره بالمصلين: قائمين راكعين ساجدين، يتلون كتاب الله، وينصتون إلى آياته خاشعين متدبرين، متبعين هدي نبيهم محمد عليه الصلاة والسلام الذي شرع لهم قيام رمضان جماعة في المساجد، كما شرع لهم قيام الليل طوال السنة في بيوتهم.

وصلاة التهجد تكون ركعتين ركعتين، ويحسن أن تختم بواحدة توترها، ولا بأس بأن يكتفي بإحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة، كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يزيد على ذلك في رمضان ولا غيره، والأدعية والأذكار التي تقال في صلاة التهجد منها دعاء الاستفتاح وله صيغ عديدة.

وأما قيام الليل أو التهجد، ففي رمضان وغيره، ولا تسن فيه الجماعة، ولكن تجوز ويجهر الإمام بالقراءة، ويسر بها المأموم، ولا حد له، بل يصلي المرء ما شاء، والأفضل أن يقتصر على اثنتي عشرة ركعة ويطيل فيها، وأن تكون صلاته مثنى مثنى، وإذا كان سيقوم من الليل بعد التراويح فلا يوتر بعدها بل يجعل وتره آخر صلاته.

وصلاة التهجد في رمضان جماعة تكون جهرية، ولكن لو قدر أن إماما صلى بالناس سرا جاز في هذه الحالة أن يقرأ المأموم ويرفع صوته بما يسمع نفسه ولا يشوش على من بجواره ويقرأ ما تيسر من القرآن، ويكرره إن أتمه قبل ركوع الإمام أو في الركعة الثانية إن كان ما يحفظه يسيرا، ولا ينبغي له السكوت لأن السكوت مطلوب في حالة سماع قراءة الإمام.

أما صلاة التهجد بالنسبة للمرأة فإن الأفضل في حق المرأة الصلاة في بيتها، وكلما كان مكان صلاتها أكثر سترا لها وبعدا عن مخالطة الرجال، كان ذلك أفضل.

وللمسلم أن يصلي في الليل ما شاء بعد أن يصلي التراويح والوتر مع الإمام ولكن لا يصلي الوتر مرة ثانية، كما أن من كان واثقا من أنه سيصلي التهجد آخر الليل فله إذا سلم إمامه في التراويح من ركعة الوتر أن يقوم ويأتي بركعة ليشفع صلاته ويصلي بعد ذلك الوتر في آخر صلاته إذا قام للتهجد. وتعد العشر الأواخر من شهر رمضان فرصة عظيمة للاجتهاد في القيام والتلاوة والتماس ليلة القدر فالكسل فيها تفريط لا ينبغي للمؤمن فعله، والأفضل أن تحيا كلها لا أن يقتصر الاجتهاد فيها على الليالي الوتر.

وصلاة القيام والتهجد إما أن تكون في رمضان أو في غير رمضان. فإن كانت في غير رمضان فالمشروع فيها أن تصلى فرادى، لأنه لم ينقل عن الصحابة ومن بعدهم من السلف إحياء الليالي جماعة، بل كانوا أشد حرصا على إخفاء أعمالهم، اللهم إلا أن يقوم الرجل مع أهل بيته من زوج أو لد، من باب التشجيع والتعويد، لثبوت ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد صلى ليلة وصلى معه ابن عباس. أما في رمضان فالمشروع فيها الجماعة والأصل في ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم لها ليلتين أو ثلاثا فلما رأى اجتماع الصحابة وازدحام المسجد بهم خشي أن تفرض عليهم فلم يخرج للصلاة. فدل هذا على مشروعية هذا الفعل. وهذا هو الذي فهمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث إنه لما رآهم متفرقين جماعات في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم جمعهم على إمام واحد.

المصادر

جميع الحقوق محفوظة لمرسال قطر 2024

atyaf company logo