"بدلا من استنشاق روائح الخبائز والاستعداد للعيد، اختاروا لنا الاصطباح بروائح الدم والبارود"، تلك كانت عبارات سيدة ثلاثينية تحاول شراء بعض الاحتياجات من مركز للتسوق بضاحية جبرة جنوبي الخرطوم وهي تحمل طفلتها ذات العامين وتكابد في الوقت ذاته لتسريع مغادرة المكان خوفا من هجوم مباغت إثر أصوات القصف التي كانت تصل إلى المسامع من مكان غير بعيد.
تبدي إنعام عبد الله غضبها الشديد على ما آلت إليه الأوضاع الأمنية في العشر الأواخر من رمضان من دون أن تخفي استغرابها من أسباب نشوب معارك وسط الأحياء والمرافق السكنية في الخرطوم وحيث تقيم بمنطقة جبرة التي تشهد اشتباكات متقطعة بين قوات الدعم السريع والجيش بلا اعتبار لحياة المدنيين لا سيما الأطفال وكبار السن.
وتقول للجزيرة نت إن حياتهم انقلبت رأسا على عقب خلال ساعات فلم يكن متوقعا أن تتحول الخرطوم إلى ساحة قتال، وتروي كيف أنهم كانوا يخططون لشراء احتياجات العيد للأطفال وتحضير الخبائز كما اعتادوا كل عام لكنهم الآن باتوا لا يدرون كيف ستكون أيامهم القادمة في ظل التعقيدات الأمنية الشديدة، كذلك تتحدث عن إغلاق الأسواق وصعوبة الحركة للوصول إلى مراكز التسوق في ظل المهددات الأمنية وانتشار العسكر من الطرفين في مناطق متفرقة بنحو يصيبها وأطفالها بالرعب والهلع الشديد.
وطوال يومي السبت والأحد خلت شوارع الخرطوم من المارة والسيارات مع اشتداد القتال بين الجيش و"الدعم السريع" وأغلقت الأسواق الكبيرة، كما واجه الأهالي صعوبة في تأمين المؤن الغذائية بسبب عامل المفاجأة الذي كان سمة الاشتباكات المسلحة.
ورصدت جولة للجزيرة نت في عدة مواقع بضاحية الكلاكلة جنوب الخرطوم خلو الطرقات كليا لليوم الثالث على التوالي بعد التزام الناس منازلهم خشية التعرض لنيران المتعاركين وقذائفهم، ومع ذلك بدت حركة طفيفة في سوق "اللفة" الرئيسي لبعض التجار من باعة الفواكه والخضر لكن مع عدم وجود مشترين كما جرت العادة حيث يعد هذا السوق مركزا رئيسا للبيع والشراء ويقصده آلاف القاطنين جنوب العاصمة.
انقطاع الكهرباء والمياه
ألقت الاشتباكات بين "الدعم السريع" والجيش بظلالها على شبكة الخدمات الأساسية، وشهدت مناطق عديدة في العاصمة انقطاع التيار الكهربائي وإمدادات المياه لساعات طويلة.
وشهدت منطقة وسط الخرطوم بحري انقطاع التيار الكهربائي منذ بداية الاشتباكات، ويؤكد محمد عثمان إبراهيم -للجزيرة نت- أن التيار لم يعد إلا 3 ساعات، كما انقطع الإمداد المائي وأغلقت المرافق الخدمية الحيوية مثل الصيدليات والأسواق وانعدمت المواصلات، وتحدث للجزيرة نت عن انتشار عسكري واسع بسوق الخرطوم بحري واضطرار أعداد كبيرة من المواطنين إلى المغادرة راجلين بحثا عن مناطق أكثر أمننا.
ويروي منصور حامد الذي يقطن بمنطقة الحلفايا في شمال الخرطوم معاناتهم منذ السبت من انقطاعات في المياه بكل المنطقة، وأضاف "عرفنا أن هناك حريقا في محطة بحري الحرارية هو سبب انقطاع المياه". وأوضح للجزيرة نت أن جميع المواطنين في المنطقة بدؤوا محاولات لشراء المياه باستجلاب "تانكرات"، لكن مساعيهم فشلت لصعوبة الوصول إلى المنطقة بسبب الوضع الأمني.
وتبدي أمنة محمد علي من مواطني الحلفايا أيضا مخاوفها من استمرار إغلاق السوق الرئيسي وأغلب المحلات التجارية، قائلة بحيرة "لا ندري ما نفعله لتجهيز وجبة الإفطار"، كما ينتابها القلق من المآلات حال استمرار الإغلاق إذ يمكن أن تنفد المؤن في يوم أو اثنين على أقصى تقدير.
وعلى مقربة من المدينة الرياضية حيث اندلعت شرارة المواجهات المسلحة، يعيش سكان حي الصحافة جنوب الخرطوم ساعات عالية التوتر مع استمرار المناوشات وتعالي أصوات القصف الذي أدى إلى إغلاق السوق المركزي للخضر والفواكه بعد أن فوجئ الباعة في اليوم الأول بالمعارك تندلع قبالتهم دون سابق إنذار.
ورصدت الجزيرة نت إغلاق عدد كبير من المخابز في محيط السوق منذ يوم السبت، وتفاقمت معاناة المواطنين مع صعوبة التحرك في ظل الانتشار العسكري الواسع وإغلاق عدد كبير من الطرق، كما أوصدت عشرات المحال حول السوق وغادر أصحابها الخرطوم إلى بلدات مجاورة.
بحث عن ملجأ
وتحدثت أسر عديدة في حي الصحافة عن أنهم لم يحاولوا تخزين مواد تموينية وسلع أساسية لانتفاء الدواعي للخطوة قبل أن تفاجئهم أحداث العنف، مناشدين الجيش و"الدعم السريع" ضرورة اتخاذ قرار بالتهدئة ووقف إطلاق النار.
وتحاول أم لينا الحصول على تأكيدات بوقف إطلاق النار وسريان الهدنة التي أعلنت أمس الأحد لتتمكن من العودة إلى منزلها، فقد اضطرت إلى الاحتماء بمنزل أسرة قرب السوق المركزي عند انطلاق شرارة القتال وتعذر عليها التحرك مع اشتداد القتال وإغلاق الطرق.
وفي شرق الخرطوم قريبا من مطار الخرطوم والقيادة العامة للجيش، يعيش أهالي أحياء بري، وامتداد ناصر، والرياض، والطائف ساعات رعب مضاعفة بسبب القصف المكثف، ويقول محمد علي أحد قاطني بري -للجزيرة نت- إن أوضاعهم صعبة للغاية في ظل تزايد التوتر وتطاير القذائف داخل منزلهم ويروي كيف أن أطفاله أصابهم الذعر والخوف الشديد ويحاول علي استثمار الهدنة لنقل أسرته إلى حيث تقيم الأسرة الكبيرة في أحد أحياء جنوب الخرطوم إذ يعتقد أن الوضع هناك ربما يكون أفضل.