أكد تقرير بنك قطر الوطني أن الاقتصاد الأمريكي أثبت أنه أكثر مرونة مما كان يتوقع، مشيرا إلى أن متوسط إصدارات البيانات الاقتصادية ظل يوفر بشكل متسق مفاجآت إيجابية في العام الحالي، مما أدى إلى تحسن توقعات النمو في الولايات المتحدة.
وتوقع بنك قطر الوطني في تقريره الأسبوعي أن ينمو الاقتصاد الأمريكي بنسبة 1.1% هذا العام، وفي حين أن هذا الرقم لا يعتبر قويا، إلا أنه يظل بعيدا عن المستويات التي تشير إلى ركود، وهذا يثبت مرونة الاقتصاد الأمريكي، مما يجعله في وضع أفضل لتحمل أي صدمات جديدة محتملة، ويكتسب هذا الأمر أهمية خاصة في سياق إمكانية تأثير الضغوط في القطاع المصرفي على التوقعات خلال الأرباع القليلة المقبلة.
تحسن توقعات النمو
وقال التقرير إنه منذ أواخر العام الماضي تحسنت توقعات النمو، فبعد أن وصلت إلى الحد الأدنى البالغ 0.30%، ارتفعت توقعات النمو تدريجيا إلى 1.05% في أبريل 2023، ولم يكن هذا التحسن مدفوعا بأي حدث معين يغير التوقعات المستقبلية، بل كان مدفوعا بصدور بيانات النشاط التي كانت أقوى من المتوقع، وذلك دليل على أن أسس الاقتصاد لا تزال متينة.
ولفت التقرير إلى أنه تم رصد هذه العملية بشكل جيد من خلال مؤشر سيتي غروب للمفاجآت الاقتصادية (CESI)، وهو أداة رائجة ومفيدة لفهم وتلخيص كيف تفوقت إصدارات البيانات الاقتصادية على التوقعات أو تخلفت عنها خلال فترة زمنية محددة، ويتضمن المؤشر الخاص بالولايات المتحدة 38 مقياسا إحصائيا يضم مجموعة متنوعة من المجالات الاقتصادية الرئيسية، بما في ذلك: سوق العمل، والعقارات، والإنتاج الصناعي، وقطاع الاستهلاك، واستطلاعات الأعمال، ويعتبر المؤشر مرجحا، حيث يعتمد كل وزن من أوزانه على مدى تأثير المقياس المحدد على الأسواق المالية.
المقاييس ذات الأوزان العالية تؤثر على السوق المالية أكثر من المقاييس ذات الأوزان المنخفضة
وأوضح التقرير أن المقاييس ذات الأوزان العالية تؤثر على السوق المالية أكثر من المقاييس ذات الأوزان المنخفضة، ويأخذ المؤشر أيضا في الاعتبار توقيت المعلومات، فالبيانات التي تعود لآخر 90 يوما لها وزن أقل من الأخبار والمعلومات الحديثة، وتشير القيم فوق الصفر إلى تراكم المفاجآت الإيجابية، بينما تشير القيم السلبية إلى أن إصدارات البيانات كانت أسوأ من المتوقع.
ويوضح المؤشر أن المفاجآت الإيجابية لم تكن أحداثا معزولة، فقد بدأ المؤشر مسارا تصاعديا في يناير من العام الحالي، ودخل المنطقة الإيجابية في بداية فبراير، ثم صعد إلى ذروة جديدة في مارس، وكان قطاع الخدمات، الذي يمثل 77% من الاقتصاد، مصدرا رئيسيا للمفاجآت الإيجابية، وتجاوزت استطلاعات الشركات التوقعات في الأشهر القليلة الماضية، مما يشير إلى أن الاقتصاد لا يزال مرنا.
مرونة اقتصادية نسبية
وأرجع التقرير المرونة الاقتصادية النسبية للولايات المتحدة إلى ثلاثة عوامل، تفسر حسب ما تشير إليه البيانات التي جاءت أقوى من المتوقع، حيث يوضح العامل الأول أن بيانات الميزانيات العمومية للأسر تظهر أنه لا يزال لدى المستهلكين مخزون كبير من المدخرات، وأنهم قادرون على استخدام هذه الموارد لدعم الاستهلاك، وإجمالا، تمتلك الأسر 18.2 تريليون دولار أمريكي في شكل ودائع، ومن المثير للاهتمام أنه حتى الأسر التي تقع ضمن أدنى 60% من توزيعات الدخل تستفيد من مستويات نقدية مرتفعة، حيث تمتلك ما بين 3000 و12000 دولار أمريكي مدخرات زائدة.
أسعار خام غرب تكساس الوسيط بلغت ذروتها بمتوسط شهري قدره 114.6 دولار للبرميل في يونيو
وتمثل العامل الثاني في انخفاض أسعار الطاقة بشكل كبير عن متوسط المستويات المسجلة العام الماضي، مما وفر مساحة إضافية من حيث الدخل المتاح، وتمثل النفقات الاستهلاكية في الطاقة ما يقرب من 5% من الدخل المتاح للأسر المتوسطة، وتصل إلى 7% للأسر ذات الدخل المنخفض، وبلغت أسعار خام غرب تكساس الوسيط ذروتها بمتوسط شهري قدره 114.6 دولار أمريكي للبرميل في يونيو من العام الماضي، قبل أن تستقر عند حوالي 80 دولارا أمريكيا للبرميل خلال أشهر الشتاء.
قوة أسواق العمل
وبالنسبة للعامل الثالث فقد تعلق بقوة أسواق العمل، على الرغم من بعض حالات التسريح المعزولة في الشركات التكنولوجية الأمريكية الكبيرة، ويستمر توليد فرص العمل الجديدة بوتيرة تتجاوز معدل النمو السكاني، وعلى نحو مهم، أضافت جداول الرواتب غير الزراعية، وهي مقياس رئيسي لإجمالي العمالة، 504 و311 ألف وظيفة في شهري يناير وفبراير على التوالي، مقارنة بالمتوسط الشهري الذي كان سائدا قبل تفشي الجائحة والبالغ 177 ألف وظيفة خلال 2018 - 2019، ويعتبر معدل البطالة عند مستويات منخفضة تاريخيا، حيث تبلغ نسبته 3.5%، ويؤدي استقرار أسواق العمل ووفرة فرص التوظيف إلى تقليل عدم اليقين لدى الأسر، ويوفر دعامة أخرى للحفاظ على مستويات أعلى من الاستهلاك.