في الذكرى 20 للاستفتاء عليه

دستور قطر.. الطريق إلى دولة حديثة وفاعلة

29/04/2023 الساعة 12:59 (بتوقيت الدوحة)
فرز الأصوات باستفتاء 2003 - أرشيفية
فرز الأصوات باستفتاء 2003 - أرشيفية
ع
ع
وضع القراءة

قبل عشرين عاما من الآن، في مثل هذا التاريخ "29 أبريل" كان القطريون على مشارف مرحلة تاريخية هامة من مراحل مسيرة البلاد نحو التقدم وبناء دولة القانون والمؤسسات، وهم يقبلون بكثافة على مراكز الاقتراع للاستفتاء على أول دستور دائم للبلاد وصناعة مستقبل جديد تتجلى عظمته اليوم بكل شموخ.

جاء الدستور الدائم في إطار رؤية استشرافية وعزيمة مخلصة في بناء دولة حديثة وفاعلة، كان لها أن تلج القرن الحادي والعشرين بكل تحدياته وتعقيداته إقليميا ودوليا بكل عزيمة وقوة ورسوخ، وهي كذلك اليوم تحت قيادتها الرشيدة ممثلة بحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى.

صناعة المجد

ويتذكر القطريون، الذين عايشوا وشاركوا في صناعة هذا المنجز، بفخر هذا الحدث الفريد، حين جابوا الشوارع بمركباتهم احتفاء بوثيقة الدستور التي طرحت للاستفتاء، تحوطهم الكثير من معالم الزينة واللافتات التي رفعت بهذه المناسبة، كما يستذكرون تلك الهبة الشعبية من مختلف الجهات الرسمية والأهلية التي نظمت فعاليات سياسية وثقافية وفكرية متنوعة حول مشروع الدستور، علاوة على وسائل الإعلام المحلية والدولية التي حشدت كل إمكانياتها لتغطية هذا الحدث.

د. يوسف العبيدان: كانت لحظة تاريخية شعرنا فيها بالفخر والاعتزاز حيث شهدنا مرحلة جديدة من التطور السياسي والدستوري في البلاد

ويصف الدكتور يوسف محمد العبيدان أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر -سابقا- والذي كان عضوا في لجنة إعداد الدستور الدائم، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية"قنا" هذا الحدث بالقول: "كانت لحظة تاريخية شعرنا فيها بالفخر والاعتزاز، حيث وجدنا أنفسنا على مشارف مرحلة جديدة من التطور السياسي والدستوري في البلاد".

وأكد أن هذا الدستور كان جزءا من المشروع الإصلاحي الكبير الذي قاده صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وفق خطوات متأنية ومتدرجة، بعد أن ظلت البلاد تحت النظام السياسي المعدل فترة تصل إلى ثلاثة عقود.

وأضاف الدكتور العبيدان : "أراد سمو الأمير أن تدخل البلاد مرحلة جديدة بعد استجدت أحداث كبيرة عملت عملها في تطور البلاد في شتى النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية، فوجب أن يكون هناك دستور يستجيب لمقتضيات العصر".

الإعداد للدستور

وبدأت أولى مراحل إعداد المشروع في 13 يوليو 1999، وذلك بصدور القرار الأميري رقم (11) القاضي بتشكيل لجنة لإعداد دستور دائم للدولة، وقد تشكلت اللجنة من (32) عضوا من الخبراء والمفكرين والأكاديميين القطريين، وفي 2 يوليو 2002 تسلم صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وثيقة مشروع الدستور الدائم.

وفي الخامس عشر من أبريل 2003 التقى صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أصحاب السعادة أعضاء الأسرة الحاكمة ورئيس مجلس الشورى والوزراء ونائب رئيس مجلس الشورى وأعضاء المجلس والوجهاء والأعيان لإحاطتهم علما بطرح مشروع الدستور الدائم للبلاد على الشعب القطري للاستفتاء العام.

وفي اليوم ذاته، صدر المرسوم الأميري بدعوة المواطنين للاستفتاء على مشروع الدستور، ونص المرسوم على دعوة القطريين والقطريات للمشاركة في إقرار دستور البلاد بإبداء رأيهم في مشروع الدستور وذلك في استفتاء عام يجري يوم الثلاثاء 29 " 4 " 2003، كما نص المرسوم على أن تنشأ بوزارة الداخلية لجنة تسمى اللجنة العامة للاستفتاء برئاسة سعادة وزير الدولة للشؤون الداخلية تتولى الإشراف على عملية الاستفتاء وإعلان نتيجته.

وعشية الاستفتاء على مشروع الدستور الدائم للدولة، وجه صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، كلمة إلى الشعب القطري ضمنها رؤيته لبناء دولة عصرية، ورسم فيها طموحه لبناء "دولة مزدهرة مستقرة قوامها الدين والأخلاق وعمادها العلم والمعرفة وأساس حكمها العدل والدستور".

دستور دائم

كما أكد سموه في الكلمة ذاتها أن الدستور الدائم "يرسي دعائم المجتمع، ينظم شؤون الدولة، يجسد المشاركة الشعبية، يبني المؤسسات الديمقراطية، يرسخ الانتماء للوطن، يؤكد الواجبات ويضمن الحقوق والحريات".

وقد جرى الاستفتاء على مشروع الدستور في 29 أبريل 2003، وشهدت مراكز الاقتراع إقبالا كبيرا، عكست استجابة الشعب وتجاوبه مع كلمة سموه، وجاءت نتيجة الاستفتاء لصالح مشروع الدستور وبنسبة 96.6 في المئة من نسبة التصويت، كما حظي هذا الحدث التاريخي بتغطية مكثفة وواسعة من وسائل الإعلام المحلية والعالمية.

وأشار الدكتور يوسف العبيدان إلى أن اللجنة بذلت طوال جهودا جبارة لإنجاز مشروع الدستور في الفترة الزمنية المحددة بثلاث سنوت، وشهدت أعمالها طرح العديد من الرؤى والأفكار، مستفيدة من التجارب والخبرات الدستورية، ومستعينة بخبراء دستوريين وفقهاء قانونيين من دول مختلفة.

وأكد أن اللجنة كانت حريصة على أن يخرج الدستور بالصيغة التي تطمح إليها قيادة البلاد ويتطلع إليها الشعب، ويتسم بطابع جديد يعكس الواقع القطري، ويستمد قوته من عادات وتراث قطر العريق، ويسهم في تقدم الأمة ولا يعوق مسيرتها نحو الازدهار والرقي، وقد حظي بمباركة وموافقة أغلبية الشعب القطري في الاستفتاء الذي نظم في 29 أبريل عام 2003.

صدور الدستور

وقد صدر الدستور الدائم لدولة قطر، في 8 يونيو 2004 متضمنا المبادئ الجوهرية لبناء دولة عصرية، حيث أكد على الهوية العربية الإسلامية للدولة، وحدد أسس الحكم، والمقومات الأساسية للمجتمع القطري، كما وازن بدقة بين الحقوق والواجبات، وأرسى أسس النشاط الاقتصادي الحر، وبين أن نظام الحكم يقوم على أساس فصل السلطات مع تعاونها على الوجه المبين في مواد الدستور، وقد بدأ العمل به بعد عام من تاريخ صدوره، أي في يونيو من العام 2005.

وقد حل الدستور الدائم محل النظام الأساسي المؤقت للحكم الصادر في العام 1970، والذي شهد تعديلا في 19 أبريل من العام 1972، ليتوائم مع التحولات العميقة التي شهدتها البلاد في ضوء الاستقلال وبداية عهد نهضوي شامل، كما صدرت بعض القرارات الأميرية خلال عامي 1995 و1996 بتعديل بعض الأحكام الواردة في النظام الأساسي.

ما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق، أن عام 1999 الذي شهد تشكيل لجنة إعداد الدستور الدائم للدولة كان عاما فارقا أيضا في تاريخ قطر المعاصر، فقد شهدت البلاد خلال ذلك العام أول انتخابات عن طريق الاقتراع المباشر لاختيار أعضاء المجلس البلدي المركزي الذي وصف بأنه أول بيت للديمقراطية في دولة قطر، وذلك في 8 مارس، في خطوة مثلت مؤشرا على جدية التوجه نحو تعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار وبناء مؤسسات ديمقراطية قوية تسهم في بناء الوطن.

الذكرى العشرون

واليوم، تتزامن الذكرى العشرون للاستفتاء على الدستور مع انطلاق أولى مراحل العملية الانتخابية لانتخابات المجلس البلدي المركزي في دورته السابعة، والتي من المقرر أن تبدأ يوم 30 أبريل الجاري مع عملية قيد الناخبين، في مشهد يؤكد مدى رسوخ العملية الديمقراطية بعناصرها المختلفة المؤسسية والتنظيمية، ووجود قناعة راسخة أن المشاركة الشعبية في صنع القرار هي ركيزة للبناء والتنمية والانطلاق نحو آفاق من التقدم والازدهار.

وفي ضوء هذا الإنجاز المتمثل في الدستور الدائم للدولة، الذي لم يكن نهاية المطاف؛ كانت القيادة الرشيدة توجه بحشد كل الطاقات والإمكانات لبناء الرؤى والاستراتيجيات التي تترجم طموحات وآمال الشعب القطري، وتترجم ما تضمنه الدستور من نصوص تحوي دعائم وركائز الانطلاق والتقدم والنهوض.

وترجمة لهذا التوجه الجاد وجه صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في عام 2007 بإعداد رؤية قطر الوطنية 2030، والتي تم إقرارها في العام التالي 2008، وتهدف الرؤية إلى "أن تصبح دولة قطر، بحلول 2030، دولة متقدمة قادرة على تحقيق التنمية المستدامة وعلى تأمين استمرار العيش الكريم لشعبها جيلا بعد جيل".

ركائز الدستور

ووضعت الرؤية أربعة ركائز أساسية لتحقيق التنمية المستدامة تتمثل في "التنمية البشرية" التي تهدف إلى تطوير وتنمية سكان دولة قطر ليتمكنوا من بناء مجتمع مزدهر، و"التنمية الاجتماعية" بما تسعى إليه من تطوير مجتمع عادل وآمن مستند على الأخلاق الحميدة والرعاية الاجتماعية وقادر على التعامل والتفاعل مع المجتمعات الأخرى، وكذلك "التنمية الاقتصادية" بهدف تطوير اقتصاد تنافسي ومتنوع قادر على تلبية احتياجات، وتأمين مستوى عال من المعيشة في الوقت الحاضر وفي المستقبل، ثم "التنمية البيئية" بشكل يضمن الانسجام والتناسق بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحماية البيئة.

وأصبحت الرؤية خلال عامين موضع التنفيذ مع إطلاق استراتيجية التنمية الوطنية الأولى 2011 - 2016، وتلتها استراتيجية التنمية الوطنية الثانية 2018 - 2022، بينما يجري العمل حاليا على استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة 2023 - 2030 مستفيدة من نتائج الاستراتيجيتين السابقتين، مع الأخذ بعين الاعتبار المعطيات ونسب الإنجاز فيها، إلى جانب الأخذ بأفضل الممارسات لتحقيق أهداف الاستدامة في دولة قطر، كما أكد ذلك سعادة الدكتور صالح بن محمد النابت رئيس جهاز التخطيط والإحصاء في حوار سابق مع وكالة الأنباء القطرية "قنا".

ثم كان هناك استحقاق دستوري آخر، يتمثل في انتخابات مجلس الشورى الذي هيأت له دولة قطر كل عوامل النضج وأسباب النجاح، في تجسيد مشروعها الإصلاحي المتسم بالتدرج والتأني بما يضمن رسوخه وثباته وبما يؤتي أكله وثمراته التي يتطلع إليها المجتمع القطري.

أول انتخابات للشورى

وشهدت البلاد في الثاني من أكتوبر لعام 2021 أول انتخابات مباشرة لمجلس الشورى بموجب الدستور الدائم، وتنافس فيها عدد كبير من المرشحين وصل إلى 234 مرشحا، كما تميزت بالإقبال الكثيف على مراكز الاقتراع.

وكان حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى قد أعلن في خطاب له لدى افتتاحه الدورة 49 لمجلس الشورى في نوفمبر من العام 2020 عن إجراء هذه الانتخابات، ووصفها سموه بأنها "خطوة مهمة في تعزيز تقاليد الشورى القطرية وتطوير عملية التشريع بمشاركة أوسع من المواطنين"، وأضاف سمو أمير البلاد المفدى : "ليست الانتخابات معيار الهوية الوطنية فقد تبلورت هوية قطر عبر الزمان وتظهر في أبهى صورها في تضامن مجتمعنا وتماسكه، وقيمه الأخلاقية السمحة، وحبه لوطنه،".

وخلال العقدين الماضيين التي شهدت فيها البلاد تحولات مهمة؛ كانت مسيرة الإنجازات تمضي دون توقف متجاوزة كل الصعاب والتحديات بحكمة واقتدار، لتسجل في العام 2022 واحدا من أهمها إنجازاتها والمتمثل في تنظيم بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 التي سجلها التاريخ كأفضل نسخة على الإطلاق، ليترك إرثا من الإنجاز والإلهام ليس لدولة قطر وحدها، بل للعالم أجمع.

وفي ضوء التحولات الكبيرة التي شهدتها البلاد على الصعيدين السياسي والتنموي بعد إقرار الدستور؛ يعبر الدكتور يوسف محمد العبيدان عن الفخر بمشاركته في إعداد الدستور من خلال عضويته في اللجنة التي ضمت نخبة من الخبراء وذوي الاختصاص، مضيفا: "كانت طموحاتي أنا وزملائي كبيرة، ونحن نخط مسودة الدستور، كانت تغمرنا سعادة لا توصف ونحن نسهم في رسم مستقبل البلاد".

سعادة غامرة

ويقول: "لا تتصور كيف كانت مشاعرنا ونحن نقوم بتسليم الدستور إلى سمو الأمير، كانت سعادة غامرة، وجدنا أنفسنا ندخل مرحلة جديدة من التطور السياسي والدستوري في البلاد، ونقف مع أرقى الدول على قدم المساواة في تعزيز المشاركة الشعبية والتمثيل الشعبي".

قطر اليوم دولة القانون والمؤسسات وتتمتع بمشاركة شعبية فاعلة ومجلس شورى منتخب

ويؤكد على أن المشاركة الشعبية الفاعلة اليوم في صنع القرار كانت ثمرة لهذا الدستور، مضيفا: "قطر اليوم دولة القانون والمؤسسات، وتتمتع بمشاركة شعبية فاعلة ومجلس شورى منتخب، وهي تسير وفق دستور ينظم العلاقات بين السلطات".

ونوه الدكتور العبيدان في تصريحه لـ"قنا" أن دولة قطر اليوم يشار إليها بالبنان في سياستها الداخلية والخارجية، حيث تنعم بنهضة تشريعية، بفضل دستورها الدائم، ترتبت عليها نهضة اقتصادية وثقافية واجتماعية وفكرية وسياسية يشهد بها العالم، كما أنها تسهم اليوم في صنع القرارات الدولية عبر الوساطات والمبادرات الكثيرة على المستويين الإقليمي والدولي".

واليوم، يسترجع القطريون ذلك الحدث بفخر وهم يرون البلاد تشهد نهضة شاملة، وتنفرد إقليميا وعالميا بإنجازات عملاقة، مع خطوات ثابتة ونهج تتجلى فيها الحكمة القطرية في مسيرة الإصلاح والحداثة والتنمية، بما يواكب التحولات ويراعي المتغيرات، ويحافظ على التقاليد، ويضمن الأسس الصلبة لأي خطوة تقود البلاد في مضمار الرقي والتقدم.

المصادر

جميع الحقوق محفوظة لمرسال قطر 2024

atyaf company logo