ظهر بصيص من الأمل في إمكانية وضع حد للمعارك الدائرة في السودان، التي دخلت أسبوعها الثالث، فيما تخوض جهود الوساطة والمبادرات السلمية الإقليمية والدولية سباقا مع الزمن لإسكات المدافع بين الجيش وقوات الدعم السريع، وسط مخاوف من تمدد الصراع إلى الإقليم ونشر الفوضى في المنطقة برمتها.
وبينما تجري جهات إفريقية وسودانية اتصالات على مستويات عدة مع طرفي النزاع؛ من أجل التهدئة وفتح الحوار السياسي بين الطرفين، تدير الولايات المتحدة الأمريكية مفاوضات غير مباشرة بين طرفي الصراع سعيا للتهدئة، والتوصل إلى وقف إطلاق نار دائم بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وذكرت تقارير صحفية في الخرطوم أن المساعي الأمريكية تهدف لتحويل الهدنة إلى وقف دائم للعداء، وتشكيل فريق يشرف على الجوانب الإنسانية، وفتح ممرات للمساعدات الدولية، كما تدعو لتشكيل فريق آخر للإشراف على التفاوض بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتشكيل لجنة مشتركة تضم طرفي الصراع وممثلين للآلية الثلاثية لمراقبة تنفيذ وقف الأعمال العدائية، ويتوقع مراقبون أن تتكامل الجهود الدولية والإقليمية مع الإفريقية لإقامة منبر موحد "هجين" لتسوية الأزمة السودانية عبر تطوير الهدنة إلى وقف دائم لإطلاق النار، واستئناف العملية السياسية لاستكمال التحول المدني الديمقراطي.
وفي تطور يبعث التفاؤل الحذر، أعلن فولكر بيرتس، مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان، أن الطرفين المتحاربين منفتحان بشكل أكبر على المفاوضات، وأقرا بأن الصراع الذي اندلع منذ أسبوعين لا يمكن أن يستمر، مضيفا أن الطرفين رشحا ممثلين عنهما للمحادثات، التي اقترح إقامتها إما في جدة بالمملكة العربية السعودية أو في جوبا بجنوب السودان، وأبلغ بيرتس مجلس الأمن أن المهمة التي لا تحتمل التأخير هي تطوير آلية مراقبة لتنفيذ الهدنة التي يتم الاتفاق عليها، بعدما فشلت الهدنات السابقة في إيقاف القتال.
ووفق تقارير صحفية سودانية فإن الجيش السوداني حدد اللواء ركن أبو بكر فقيري ليمثله في المفاوضات، فيما حددت قوات الدعم السريع العميد موسي عثمان ممثلا عنها، لكن مسؤولا بالخارجية السودانية أوضح أن هناك مشكلة حقيقية في كيفية السفر إلى جوبا جراء عدم ثبات الهدنات، مما يجعل السفر عبر الطيران مستحيلا.
وأدى الوضع الذي انفجر بالسودان في منتصف أبريل الحالي إلى تعطيل انتقال مدعوم دوليا نحو انتخابات ديمقراطية بعد عامين وفق الاتفاق الإطاري.
وقد تسبب الصراع في مقتل المئات ونزح حوالي 75 ألف شخص للدول المجاورة (مصر وإثيوبيا وتشاد وجنوب السودان)، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فيما تنظم دول أجنبية عمليات إجلاء واسعة.
وأعلنت وزارة الصحة السودانية ارتفاع عدد القتلى إلى 528، وعدد المصابين إلى نحو 4600 جراء الاشتباكات بين طرفي النزاع، فيما أعلنت نقابة أطباء السودان أن 70 بالمئة من المستشفيات المتاخمة لمناطق الاشتباكات متوقفة عن الخدمة، وذكرت النقابة أن 15 مستشفى تعرض للقصف، كما أُخلي 19 مستشفى آخر بشكل قسري، وأشارت النقابة إلى منع الفرق الطبية من نقل المرضى وإيصال الإمدادات الطبية.
وقد حذر عبدالله حمدوك رئيس الوزراء السوداني السابق من أن النزاع في السودان قد يتفاقم إلى إحدى أسوأ الحروب الأهلية في العالم، في حال لم يتم وضع حد له. وقال حمدوك في تصريحات له: إنه إذا كان السودان سيصل إلى نقطة حرب أهلية حقيقية، فإن سوريا واليمن وليبيا ستكون مجرد مبارزات صغيرة، وأضاف: "أعتقد أن ذلك سيشكل كابوسا للعالم"، مشيرا إلى أنه ستكون له تداعيات كبيرة.
واعتبر حمدوك أن النزاع الحالي حرب لا معنى لها بين جيشين، مؤكدا أن لا أحد سيخرج منها منتصرا، ولهذا السبب يجب أن تتوقف.
هذا وقد عبرت الأمم المتحدة عن تخوفها من احتمالات نشوب حرب شاملة طويلة الأمد في السودان، الذي يشترك في الحدود مع 7 دول، شهدت كلها صراعات أو اضطرابات مدنية خلال العقد الماضي. وقالت: إن الاقتتال يحصل في منطقة يتفاقم فيها انعدام الأمن وعدم الاستقرار السياسي، ويتدهور فيها الوضع الإنساني.
كما حذر برنامج الأغذية العالمي من أن العنف الدائر في السودان يمكن أن يسبب أزمة إنسانية في منطقة شرق إفريقيا بأكملها، وتوقع أن يواجه ملايين الأشخاص الجوع هناك، حيث كان قرابة ثلث السودانيين البالغ عددهم 45 مليونا يحتاجون مساعدات غذائية قبل اندلاع النزاع.