يستعد العالم لاستقبال موسم صيفي يتوقع أن يكون ذا درجات حرارة قياسية، بعد سبعة أعوام من مرور ظاهرة النينيو القوية في العام 2016، والتي تسببت بكونه أكثر الأعوام حرا على الإطلاق، جراء التأثير المزدوج للاحترار الناتج عن الغازات الدفيئة الناجمة عن النشاط البشري، وأسفرت حينها عن عواقب مناخية وخيمة في مناطق عديدة من العالم، بما يعرف بالاحتباس الحراري.
الاحترار المناخي
وقد حذرت الأمم المتحدة من أن هناك احتمالا قويا بأن تتشكل ظاهرة إلنينيو المناخية هذا العام، وسط تقديرات بنسبة 80 في المئة أن تتشكل هذه الظاهرة المناخية بحلول نهاية شهر سبتمبر المقبل، مما سيؤدي على الأرجح إلى ذروة جديدة في الاحترار المناخي ويزيد من احتمال تسجيل درجات حرارة قياسية، وزيادة احتمالات أن تحدث اضطرابات في الأنماط المناخية في المنطقة الممتدة من الأمريكيتين إلى آسيا، بما ينعكس سلبا على اقتصاد البلدان الفقيرة، جراء آثارها السلبية التي توقف عجلة الإنتاج وتولد فقرا متزايدا بين السكان وتأخرا في النمو والتطور.
والنينيو واحدة من أغرب الظواهر غير المفهومة تماما، فلا تزال الأبحاث مستمرة من قبل العلماء في توضيح هذه الظاهرة أكثر، إذ يمكن التنبؤ ببداية مواسم الأمطار والأعاصير، ولكن من الصعب التنبؤ بحدوث ظاهرة النينيو وتداعياتها، وهي ظاهرة مناخية طبيعية ترتبط عموما بارتفاع درجات الحرارة وزيادة الجفاف في بعض أنحاء العالم وبأمطار غزيرة في مناطق أخرى، وتحدث كل أربعة أعوام إلى 12 عاما (وبعض الباحثين يقدر حدوثها بين 2 - 7 أعوام).
وسجل المؤشر العالمي لقياس درجة حرارة سطح البحر أرقاما قياسية جديدة هذا الشهر، حيث لم تصل حرارة مياه البحر إلى هذه السخونة من قبل بهذا التسارع، دون امتلاك تفسيرات وافية حول أسباب ما يحدث، ويشعر العلماء بالقلق من أن تصل درجة حرارة العالم إلى مستويات جديدة بحلول نهاية العام 2023، بالإضافة إلى إمكانية حدوث ظواهر جوية أخرى، مما يثير مخاوف من أن يزيد ذلك من آثار الاحتباس الحراري.
موجات جفاف كبيرة
من جانبها حذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) من وصول وشيك لظاهرة النينيو المناخية التي قد تتسبب في موجات جفاف كبيرة في أمريكا الوسطى وشمال أمريكا الجنوبية، وتؤكد الفاو أن تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية يؤدي إلى تفاقم آثار الظواهر التي تحدث بشكل طبيعي، ويؤثر بشكل متزايد على أنماط الطقس، لاسيما من خلال موجات حر وجفاف أكثر شدة بما تحمله من مخاطر مرتبطة بحرائق الغابات، فضلا عن الطوفان غير المسبوق من هطول الأمطار والسيول.
وقد شهدت ظاهرة النينيو مستويات مناخية بالغة القسوة بين عامي 1997و1998، وتسببت في الاضطرابات المناخية الهائلة في المناطق الاستوائية وفي القارة الأمريكية الشمالية، فانتشرت الحرائق الهائلة في إندونيسيا والبرازيل واستمرت أشهر عديدة، كما حدثت كوارث وفيضانات على شواطئ أمريكا اللاتينية وشرق القارة الأفريقية، حتى إنها تسببت آنذاك بتجميد مفاجئ للمياه السطحية للمحيط الهادي، مما اعتبره العلماء أعنف ظاهرة حدثت في القرن العشرين.
على الصعيد ذاته، تقول المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن هناك احتمالا كبيرا بأن تحل ظاهرة النينيو محل ظاهرة "النينيا" السائدة منذ ثلاثة أعوام، والتي امتدت لثلاثة فصول شتاء متتالية لنصف الكرة الشمالي لأول مرة منذ عام 1950، وأنها على وشك الانتهاء.
ظاهرة "النينيا"
وتشير ظاهرة "النينيا" (وهي مختلفة عن ظاهرة النينيو وتحدثان بشكل متعاقب) إلى انخفاض درجات حرارة سطح المحيطات على نطاق واسع في وسط وشرق المحيط الهادئ الاستوائي، إلى جانب تغيرات في دوران الغلاف الجوي المداري، مثل الرياح والضغط وهطول الأمطار، وعادة ما تكون لها آثار عكسية على الطقس والمناخ، على غرار ظاهرة النينيو، ولكنها أقل حدة وتأثيرات إجمالا، ورغم ذلك فإن الرياح الموسمية في فترة النينيا أكثر شدة، ودرجة حرارة السطح أشد برودة من المعتاد.
المنطقة العربية
وفي منطقتنا العربية لا يتوقع الباحثون أن يكون للظاهرتين تأثير مدمر مثل بلدان أخرى في الأمريكيتين وآسيا، لكنهما لا تخلوان من تأثيرات تستحق الحيطة والحذر، فظاهرة التذبذب الجنوبي، ستحدث بعيدا عن منطقة شمال أفريقيا، لذلك يكون تأثيرها ضعيفا.
وكانت قد أظهرت دراسة نشرها "البنك الدولي" أن التذبذب الجنوبي لظاهرة النينيو كان مساهما أقل أهمية في موجة الجفاف التي ضربت تونس، ومناطق أخرى من المغرب العربي عام 2015 و2016، وكانت آثار هذا التذبذب أكثر وضوحا في أجزاء أخرى من العالم، مما هي عليه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
الجزيرة العربية
أما في الجزيرة العربية، فقد أظهرت دراسة علمية قام بها باحثون من جامعة الملك عبدالعزيز عام 2018، أن 71 بالمئة من سنوات الجفاف في الأجزاء الجنوبية والجنوبية الغربية من شبه الجزيرة العربية خلال الفترة من 1981 إلى 2015، ارتبطت بظاهرة النينيو، بينما ارتبطت 38 بالمئة من سنوات الفيضانات في هذه المنطقة بظاهرة النينيا.
والظاهرتان هما المحركان الرئيسيان - وإن كانا ليسا الوحيدين - للنظام المناخي للأرض، وعليهما يستند التحديث الموسمي للمناخ العالمي والتنبؤات البعيدة المدى الصادرة عن المراكز العالمية، إذ تتيح التنبؤات فرصة للحكومات والأمم المتحدة وصناع القرار وأصحاب المصلحة في القطاعات الحساسة للمناخ، في حشد الاستعدادات وحماية الأرواح وسبل العيش والتقليل من عواقبهما على البشرية.
ولأن جميع الظواهر المناخية التي تحدث بشكل طبيعي، تحدث الآن على وقع تغير المناخ الناجم عن أنشطة بشرية سلبية ضارة بالبيئة مثل أدخنة المصانع وقطع أشجار الغابات والمخلفات البشرية الضارة، فقد دعت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى انعقاد اجتماع مع منظمة الفاو والمنظمات الإنسانية لإعداد ما يعرف بخلية ظاهرة النينيو- التذبذب الجنوبي (ENSO)، بهدف ضمان حصول الأمم المتحدة والشركاء في الشؤون الإنسانية على المشورة العملية الملائمة، وخصوصا أعقاب الآثار المدمرة لظاهرة النينيو عامي 2016/2015.
الأمن الغذائي
وتقدم هذه الخلية حاليا مشورة قائمة على الآثار إلى الأمم المتحدة وصانعي القرارات في مجال الشؤون الإنسانية، وتدمج المعلومات المناخية الموسمية الصادرة عن المنظمة ومراكز الخبرة الأخرى في تقييم إنساني أوسع نطاقا، لتحديد المجالات التي تعتبر أكثر عرضة للخطر. وقد جمع بين الأمن الغذائي والقدرة على الصمود وعدد من العوامل الأخرى، من أجل التوصل إلى تقييم أكثر شمولية عن قابلية التأثر الفعلية.
ويجري العمل حاليا على توسيع نطاق هذا الدعم ليشمل منظومة العمل الإنساني من خلال إعداد آلية تنسيق مخصصة لتوجيه خبرة دوائر المنظمة (WMO) مباشرة إلى صانعي القرار، من أجل إنقاذ الأرواح وسبل العيش. وسيفضي ذلك إلى إتاحة التنبؤات عبر نطاقات زمنية مختلفة لإدارة الكوارث، مثلما حدث أثناء الفيضانات التي ألمت مؤخرا بالسودان، عندما قدمت المنظمة معلومات عن الأرصاد الجوية الهيدرولوجية إلى مفوضية شؤون اللاجئين.
توفير الطاقة
ومن أبرز الأنشطة التي تساعد في تخفيف تكرار هاتين الظاهرتين وتأثيراتهما السلبية، يدعو العلماء إلى توفير الطاقة في المنازل والمكاتب، وتغيير مصادر الطاقة واستبدال مصادر الطاقة المستخدمة في المنزل والمكتب والتي تأتي من النفط أو الفحم أو الغاز إلى مصادر متجددة، مثل الرياح أو الطاقة الشمسية، وخفض انبعاثات الغازات الضارة الناجمة عن احتراق الفحم والنفط والغاز الطبيعي بما فيها الحد من الرحلات الجوية التي تنتج انبعاثات كبيرة من الغازات الدفيئة.
ومن الوسائل المفيدة أيضا، استخدام وسائل النقل العام، وتقليل عدد السيارات الفردية في الطرق، وخفض انبعاثات غازات ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز، المنبعثة من احتراق الوقود الأحفوري الناجم عن العمليات الصناعية والتعدين.
بجانب ذلك، وعلى المستوى الفردي، يوصي العلماء بمنع هدر الطعام ورمي مخلفاته في القمامة، لأن التعفن ينتج غاز الميثان، بالتوازي مع ذلك ينصح باختيار منتجات صديقة للبيئة وشراء الأطعمة المحلية والموسمية، واقتناء منتجات الشركات التي تستخدم الموارد بصورة مسؤولة، وكل هذه الخطوات مرتبطة بحجم التوعية والإرشاد الضروريين لتطور المجتمعات.