قطعت دولة قطر أشواطا كبيرة في الدبلوماسية الرياضية، آخرها حصولها على شرف استضافة نهائيات بطولة كأس الأمم الآسيوية لكرة القدم 2023، والتي تأتي استكمالا للنجاحات التي حققتها خلال السنوات الأخيرة على مختلف الصعد الرياضية، خاصة تنظيم بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، النسخة الأفضل في تاريخ بطولات كأس العالم على الإطلاق.
الدبلوماسية الرياضية القطرية باتت على مدار السنوات الأخيرة الملاذ الآمن والوجه المضيء لكرة القدم العالمية عامة والآسيوية خاصة، وذلك في ظل ما تمتلكه من قدرات وإمكانيات هائلة على جميع المستويات سواء ما يتعلق بالبنية التحتية أو الكوادر البشرية، وهو الأمر الذي جعل منها الحل السحري دائما للخروج من الأزمات ومعالجة الأمور الطارئة لتنظيم البطولات واستضافة الأحداث.
وتأتي استضافة دولة قطر لنهائيات كأس الأمم الآسيوية لكرة القدم 2023، استكمالا للنجاحات التي حققتها خلال السنوات الأخيرة على مختلف الصعد الرياضية، وذلك بعد اعتذار الصين عن تنظيم الحدث الذي كان من المقرر إقامته خلال الفترة من 16 يونيو إلى 16 يوليو العام الجاري بمشاركة 24 منتخبا.
وتملك دولة قطر سجلا حافلا في استضافة وتنظيم البطولات الإقليمية والقارية والعالمية، بداية من تنظيم كأس العالم للشباب لكرة القدم عام 1995، ومرورا بدورة الألعاب الآسيوية عام 2006، ودورة الألعاب العربية عام 2011، وبطولة كأس العالم لكرة اليد عام 2015، تبعتها في العام نفسه بطولة العالم للملاكمة، ثم بطولة العالم للسباحة عام 2018، وبطولة العالم لألعاب القوى عام 2019، وكذلك بطولة العالم للألعاب الشاطئية "أنوك" في نفس العام، وبطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، وتستضيف حاليا بطولة العالم للجودو المقامة على صالة "علي بن حمد العطية" حتى الرابع عشر من مايو الجاري.
كما أن دولة قطر مقبلة على تنظيم بطولات كبرى أخرى، منها بطولة العالم للألعاب المائية المقررة من 2 إلى 18 فبراير عام 2024، وبطولة العالم لكرة السلة عام 2027، ودورة الألعاب الآسيوية عام 2030 للمرة الثانية بعد أن استضافت نسخة 2006.
قطر الملاذ الآمن للعديد من البطولات القارية والدولية
وبعيدا عن الأحداث الرياضية التي نظمتها الدوحة وجعلت منها محط أنظار العالم، فقد كانت قطر الملاذ الآمن وقت الأزمات للعديد من البطولات القارية والدولية خلال الفترة الأخيرة، أبرزها بطولة دوري الأبطال الآسيوي عام 2020، حيث أنقذت البطولة من الإلغاء بسبب جائحة "كوفيد-19" التي ضربت العالم أجمع، بعدما استضافت منافسات غرب القارة وشرق القارة والمباراة النهائية من البطولة، لتؤكد على قدراتها التنظيمية الهائلة في مختلف المواقف وتحت أصعب الظروف.
ونجحت قطر وتحت شروط صحية صارمة "فقاعة صحية" في إخراج دوري الأبطال الآسيوي بصورة مميزة ومبهرة، حيث احتفلت بالمباراة النهائية للمسابقة التي أقيمت بين فريقي أولسان هيونداي الكوري الجنوبي وبرسيبوليس الإيراني (2 - 1)، يوم 19 ديسمبر 2020 في ثاني أيام احتفالات الدولة بالعيد الوطني، لتؤكد أن ما تسعى إلى تقديمه يتجاوز الرياضة ويصل لمرحلة إرسال رسائل للشعوب حول قيمة الرياضة ودورها في حياة البشر، وأن العمل والاجتهاد هما سر النجاح.
كما أقامت دولة قطر في نفس التوقيت ومساء يوم 18 ديسمبر المباراة النهائية لمسابقة كأس الأمير بين فريقي السد والعربي (2 - 1) والتي أقيمت بحضور جماهيري بسعة 50 بالمئة من طاقة الملعب، حيث حضر المباراة 20 ألف مشجع في أجواء آمنة برغم إقامة كل المباريات وقتها في جميع دوريات العالم بملاعب خالية من الجماهير، وهو ما يؤكد قدرات قطر على تطويع الأزمات والسيطرة على الأمور الطارئة.
ومثلما أنقذت قطر الاتحاد الآسيوي من إلغاء مسابقة دوري الأبطال، فعلت نفس الأمر مع الاتحاد الدولي لكرة القدم "FIFA" الذي كاد يتخذ قرار إلغاء مسابقة كأس العالم للأندية لكرة القدم 2020، إلا أن الاتحاد القطري منح الاتحاد الدولي كافة الضمانات لإنجاح الحدث تنظيميا وجماهيريا في نفس الوقت، وإقامته في ظل ظروف صحية آمنة تحافظ على اللاعبين وكذلك الجماهير الذين توافدوا على حضور المباريات وسط أجواء مميزة شهدتها البطولة التي توج بلقبها بايرن ميونيخ الألماني على حساب تيجريس أونال المكسيكي (2 - 1) في المباراة النهائية.
كون قطر الملاذ الآمن للبطولات المختلفة، كان بمثابة الداعم الأكبر لملف قطر في استضافة بطولة كأس الأمم الآسيوية 2023، والتي اعتذرت عنها الصين بسبب تفشي جائحة كورونا من جديد في البلاد، لذلك كانت مهمة الملف القطري الذي كان معدا في الأساس لاستضافة نهائيات عام 2027، سهلة في كسب الرهان خاصة في ظل انسحابات أستراليا، وإندونيسيا، وكوريا الجنوبية تواليا من السباق.
3 أسباب رئيسية رجحت كفة قطر لاستضافة البطولة
وعزز الملف القطري للفوز بشرف استضافة البطولة القارية التي انطلقت في العام 1956 للمرة الثانية خلال 12 عاما بعد (2011) والثالثة في تاريخها، بعد أن نظمت نسخة العام 1988، تنظيمه لنهائيات كأس العالم FIFA قطر 2022 خلال الفترة من 20 نوفمبر حتى 18 ديسمبر الماضيين، ومما جعله يقف على أرضية صلبة من حيث البنية التحتية والأمور اللوجستية كاملة، خاصة أن الدوحة باتت تملك إرثا كبيرا متأصلا في المنشآت الرياضية والخبرات الرياضية كذلك، سواء الإدارية أو الفنية عبر استضافتها العديد من الأحداث الرياضية المختلفة على مر السنوات الماضية.
وبحسب تصريحات المسؤولين في الاتحاد الآسيوي، فإن الملف القطري تم ترجيح كفته في الفوز بحق الاستضافة لثلاثة أسباب رئيسية اتفق عليها الجميع بمن فيهم المتنافسون في الملفات الأخرى، وهي قدرات قطر وسجلها في استضافة الأحداث الرياضية الكبرى، بالإضافة إلى اهتمام دولة قطر بالتفاصيل الدقيقة في التنظيم وهو ما يحظى بتقدير كبير في كافة أرجاء العالم، فضلا عن قصر الوقت المتاح للاستعداد لاستضافة الحدث بعد اعتذار الصين، وهو الأمر الذي يصب في مصلحة الملف القطري الذي يتسلح بالبنية التحتية ذات المستوى العالمي التي استضافت نهائيات كأس العالم FIFA قطر 2022، والقدرات التنظيمية العالية، التي تؤكد تقديم الدوحة لنسخة رائعة تتناسب مع قيمة ومكانة أهم بطولات القارة الآسيوية.
الدبلوماسية القطرية الرياضية الناجحة شملت جميع الألعاب
الدبلوماسية القطرية الرياضية الناجحة على مدار السنوات الماضية شملت جميع الألعاب وليس كرة القدم فقط، وهو ما تجسد جليا عام 2019 بعدما كان لدولة قطر الفضل في ظهور النسخة الأولى من دورة الألعاب العالمية الشاطئية "أنوك" إلى النور بعدما قامت بتحمل المسؤولية ووافقت على استضافة الألعاب قبل ثلاثة أشهر فقط، وذلك بعد اعتذار مدينة سان دييغو الأمريكية التي كان من المقرر أن تستضيف الحدث.
ورغم قصر المدة وصعوبات توفير الأجواء اللازمة لمسابقات الألعاب الشاطئية المختلفة، فإن قطر أظهرت نجاعة غير مسبوقة وتمكنت في أشهر معدودة من تجهيز البنية التحية اللازمة والملائمة لإنجاح الدورة التي شارك بها أكثر من 1200 رياضي ورياضية يمثلون 97 لجنة أولمبية وطنية، وإخراجها بصورة مميزة ومبهرة باعتراف اللجان الأولمبية الوطنية "أنوك".
كما كانت دولة قطر خلال جائحة كورونا الملاذ الآمن للمنتخب الصيني الأول لكرة الطاولة للرجال والسيدات الذي عجز عن العودة إلى بلاده بسبب تفشي الجائحة، حيث تم استضافة المنتخب الذي ضم 29 متسابقا (15 لاعبة و14 لاعبا) من الأبطال العالميين والمصنفين الأوائل في اللعبة على مستوى العالم، في معسكر لمدة شهر كامل داخل أكاديمية أسباير للتفوق الرياضي، بالإضافة إلى عدد كبير من المدربين والإداريين، وذلك بعدما حضروا إلى قطر مباشرة من ألمانيا بعد مشاركتهم في بطولتها الدولية، وهو الأمر الذي يؤكد حرص دولة قطر وتقديرها الدائم للرياضة والرياضيين في مختلف أنحاء العالم.
وفي ظل الأزمات المتتالية في أفغانستان، أقدمت دولة قطر أيضا على استضافة أكثر من 150 من الرياضيين والعاملين في قطاع الرياضة وعائلاتهم في أفغانستان، من بينهم 50 لاعبة كرة قدم وأقربائهن وذلك بالتنسيق مع الاتحاد الدولي لكرة القدم، إثر إجلائهم من بلادهم بسبب الصراعات المتتالية.
وقامت الدولة عبر برامجها للإرث الإنساني والاجتماعي بتقديم الدعم للاجئين الأفغان، عبر تنظيم أنشطة رياضية وفعاليات يومية في مقراتهم المؤقتة بالدوحة، وذلك من أجل مساعدتهم على تجاوز التحديات التي واجهوها، بهدف مساعدة المشاركين على تعلم مهارات حياتية أساسية، مثل القيادة الناجحة وقبول التنوع والمساواة في الحقوق، والعمل الجماعي.
كما استضافت اللجنة الأولمبية القطرية الاجتماع الثاني بين اللجنة الأولمبية الدولية والمجلس الأولمبي الآسيوي وممثلي اللجنة الأولمبية الأفغانية والإدارة العامة للتربية البدنية والرياضة في أفغانستان، وذلك في إطار إيمانها الراسخ بضرورة الاستفادة من الرياضة للمساهمة في تعزيز السلام والاستقرار والتنمية المستدامة، وضرورة اتخاذ خطوات فاعلة تضمن للأفغان ممارسة الرياضة والمشاركة في البطولات الرياضية والآليات التي يمكن من خلالها دعم فرص التعليم وخاصة للسيدات والفتيات في البلاد.