عقدت الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، في مقرها بالدوحة اليوم الإثنين، ندوة لإحياء الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة الفلسطينية، في إطار تبني الشبكة للقضية الفلسطينية ودعمها لحقوق الشعب الفلسطيني، ورفضها لجرائم الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته الصارخة لمبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، ولإعادة تذكير العالم بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني الصامد.
وهدفت الندوة إلى تسليط الضوء على انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، من قتل وتعذيب وتهجير ومصادرة الأراضي وهدم المنازل وفرض الحصار على قطاع غزة، والاعتداء على الأماكن الدينية، والاعتقالات التعسفية، والانتهاكات داخل سجون الاحتلال، وتعرض الأسرى الفلسطينيين للاغتيال والضرب والتعذيب والتغذية القسرية والإهمال الطبي المتعمد.
سلطان الجمَّالي: الهدف من هذه الندوة هو التذكير بآثار النكبة وانتهاكات الاحتلال الصهيوني العنصري وممارساته منذ سنة 1948 وحتى هذه اللحظة
وفي هذا الإطار، قال سعادة السيد سلطان بن حسن الجمَّالي الأمين العام للشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان: "إن الهدف من هذه الندوة، التي جاءت تزامنا مع الذكرى (75) للنكبة، هو التذكير بآثار النكبة وانتهاكات الاحتلال الصهيوني العنصري وممارساته منذ سنة 1948 وحتى هذه اللحظة، وهي الانتهاكات التي خنقت آفاق الحل السياسي، والتي قوبلت بتجاهل وعدم اكتراث من قبل المجتمع الدولي".
وأكد الجمالي في كلمة له وقوف الشبكة العربية مع الشعب الفلسطيني والدفاع عنه حتى تحريره من نير الاستعمار الاستيطاني المقيت ونيل استقلاله، وقال: "لقد آلت المؤسسات الأعضاء بالشبكة العربية التي تجتمع تحت مظلتها جميع المؤسسات العربية لحقوق الإنسان، المنشأة وفق مبادئ باريس لعام 1993، على تبني القضية الفلسطينية من خلال العمل على تفعيل القانون الدولي وأدواته، للضغط من أجل تنفيذ قرارات الشرعية الدولية لاستعادة الحقوق المغتصبة للشعب العربي الفلسطيني".
وأشار الأمين العام للشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، إلى أنه لا توجد قضية في العالم أحق من القضية الفلسطينية، وهذا ما تؤيده عشرات القرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، إلا أنَّ الاحتلال ما زال قائماً ومستمراً بخطته الاستيطانية، التي تستهدف سلب ما تبقى من فلسطين التاريخية، لجعل حل الدولتين أمراً مستحيلاً.
وأوضح أن الشبكة العربية شددت في توصيات جمعياتها العامة، على ضرورة تبني المجتمع العربي لسياسة واضحة وصارمة تجاه إنهاء القوى الدولية للسياسة غير المشروعة وغير الأخلاقية للاحتلال الإسرائيلي، ومطالبة الحكومات العربية باتخاذ التدابير المناسبة بهذا الخصوص، داعياً الحكومات والمجتمع المدني في البلدان العربية لتقديم الدعم اللازم لتعزيز الحق القانوني في المقاومة.
وفي ختام كلمته، أوضح الجمالي أن دولة الاحتلال تنظر للفلسطينيين كمشكلة ديمغرافية، تواجهها بتكريس العنصرية بالقانون والسياسات والأحكام والممارسة لتعزيز سيطرة الصهاينة في محاصرة الشعب الفلسطيني ودفعه للاستسلام والرحيل، قائلاً "جميعنا يعلم عن ازدواج المعايير والإفلات من العقاب، وما سببه من ارتفاع عدد الانتهاكات كمَّاً ونوعاً، لذلك لا بد لنا من التعاون والتضامن لنصرة الشعب الفلسطيني لرفع الظلم عنه وتمكينه من تقرير مصيره، والدفع باتجاه تنفيذ الدول لالتزاماتها كطرف ثالث وفق القانون الدولي، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية".
بدوره، ثمن الدكتور يحيى الأغا نائب رئيس البعثة بالسفارة الفلسطينية لدى الدوحة، دعم دولة قطر لحقوق الشعب الفلسطيني ورفضها لجرائم الاحتلال الإسرائيلي التي تمارس عليه صباح مساء.
وقال في كلمته خلال الندوة: "إنه رغم مرور هذه السنوات العجاف منذ النكبة وإلى اليوم على شعبنا، إلا أنه يقف صامدا ومتحديا، ولم ينكسر ولن ينكسر له جبين لأنه صاحب حق، ومالك هذه الأرض، وما عملية التشريد التي راح ضحيتها قرابة (800) ألف مواطن فلسطيني إلا نتيجة طبيعية لتغافل المجتمع الدولي تجاه حقوقنا المشروعة، وعدم تطبيق القانون الدولي الذي يحمي الحقوق"، لافتا إلى أن الشعب الفلسطيني تفرق بين شعاب الأرض، وخاصة الدول المجاورة، ولكنه حمل وطنه معه على أمل العودة، ومازال يبحث عن آليات بين ثنايا القانون الدولي من أجل منحه الحق في العودة.
د.يحيى الأغا: النكبة الفلسطينية لم تنته عام 1948 بل تبعتها نكبات أخرى مرورا بنكسة عام 1967 التي شردت نحو 200 ألف فلسطيني
وأشار الأغا إلى أنه بالأمس القريب أضيف إلى قائمة الشهداء 33 فلسطينيًا لا ذنب لهم سوى أنهم فلسطينيون، طفل وطالب، وشيخ، ومجاهد، وأسير وشاب وفتاة، كما اغتيلت عائلات بكاملها، وفقدوا حقهم في الحياة، الحق الذي كفله القانون، مبينا أنه عندما يتوجه الفلسطينيون لمؤسسات الأمم المتحدة لمقارعة العدو بها، يعاقب الأشخاص الذين يقدمون هذه المطالبات المشروعة.
وقال: "إن النكبة الفلسطينية لم تنته عام 1948، بل تبعتها نكبات أخرى مرورا بنكسة عام 1967 التي شردت نحو 200 ألف فلسطيني، وصولا إلى ما تنوي إسرائيل فعله بضم الأغوار الفلسطينية بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية لإحلال نكبة جديدة، بدأت فصولها بإعلان ما يسمى بصفقة القرن، التي تعمل على تصفية قضية اللاجئين، وتنكر عليهم حقهم في العودة وتقرير المصير الذي يستمد مشروعيته من حقهم التاريخي في وطنهم، وتكفله مبادئ القانون الدولي والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، بالإضافة إلى قرارات هيئة الأمم المتحدة ذات العلاقة".
وثمن نائب رئيس البعثة بالسفارة الفلسطينية لدى الدوحة، اعتماد الأمم المتحدة قرارا بإحياء ذكرى النكبة في مبنى الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد 75 عامًا على مرورها، مبينا أنه يعد اعترافا أكيدا ببطلان الرواية الإسرائيلية الزائفة، وتثبيتا للرواية الفلسطينية.
عصام العاروري: الفلسطنيون ومعهم كل أنصار الحرية والعدالة في العالم يحيون هذه الذكرى وهم أكثر تمسكا بحقوقهم التاريخية والقانونية
من جهته، قال السيد عصام العاروري المفوض العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في فلسطين: "إنه ولأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة يتم إحياء ذكرى النكبة من خلال فعاليتين؛ سياسية وثقافية في مقر الأمم المتحدة، تنفيذا لقرار الجمعية العامة الصادر في 30 نوفمبر للعام 2022"، مشيرًا إلى أن الفلسطينيين ومعهم كل أنصار الحرية والعدالة في العالم، يحيون هذه الذكرى وهم أكثر تمسكا بحقوقهم التاريخية والقانونية التي أكدتها الأمم المتحدة في سلسلة طويلة من القرارات.
وأضاف في كلمته خلال الندوة: "أنه رغم فداحة النكبة بتشريد أكثر من نصف الشعب الفلسطيني وسيطرتها على 774 قرية ومدينة، ومحو وتدمير 531 منها إبان النكبة، إلا أن الشعب الفلسطيني تضاعف أكثر من 10 مرات منذ النكبة، ولو أن قرابة نصفه ما زال مشردا في المنافي وبلدان الشتات، كما أن نسبة الفلسطينيين من إجمالي سكان فلسطين الانتدابية تجاوزت حاجز الـ50 بالمئة، مع 7.1 مليون فلسطيني في هذه المنطقة".
وأشار العاروري إلى أن النكبة رافقتها معجزة بقاء ونماء الشعب الفلسطيني، الذي استوعب هول النكبة وخرج من تحت الأنقاض ليعيد بناء نفسه كشعب وواصل نضاله، صانعا معجزة تاريخية ببقائه منتصبا على قدميه لأكثر من مئة عام منذ فرض الانتداب البريطاني على فلسطين في 11 سبتمبر للعام 1922، وخلال هذه السنوات لم يتوقف نضال الفلسطينيين يوما من أجل نيل حقهم في العودة وتقرير المصير، وبناء دولتهم المستقلة.
وقال: "إن الشعب الفلسطيني قد واصل بناء المدارس والجامعات والمستشفيات والمصانع والمزارع، وواصل نضاله بمختلف الأشكال، وابتدع أشكالا مبتكرة وأدخل كلمة انتفاضة إلى قواميس لغات العالم، وحقق أسراه أرقاما قياسية في الصمود عقودا طويلة في باستيلات الاحتلال، وتجاوز الكثيرون منهم حاجز الأربعين عاما دون أن ينهاروا أو يستسلموا، وخاضوا أطول إضرابات مفتوحة عن الطعام، وكان آخرها الصمود الأسطوري للأسير خضر عدنان"، لافتا إلى أنه آن الأوان ليتحمل العالم مسؤوليته بموجب المادة الأولى في اتفاقيات جنيف، لضمان التزام الدولة القائمة بالاحتلال بالقانون الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ومعاقبتها على جريمة الفصل العنصري، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بعودة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم.
واختتم العاروري كلمته قائلا "إننا حولنا 75 عامًا من النكبة، إلى 75 عاما من الصمود والبقاء والنضال، لن تمحونا قاذفات القنابل ولن تسقط رايتنا ولا روايتنا، صحيح أن الكبار يموتون، ولكنهم يخلفون للصغار تقاليد وخبرات النضال والبقاء والنماء".
بيان تضامني
وفي سياق ذي صلة، أصدرت الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بيانا بمناسبة الذكرى الـ 75 لنكبة الشعب الفلسطيني، قالت فيه: "تأتي ذكرى النكبة هذا العام مؤكدة استمراريتها، ولتحيي من جديد معاناة الشعب الفلسطيني المتواصلة؛ إثر سلسلة من انتهاكات الاحتلال المتصاعدة بحقهم يوميا، بدءا من طردهم وتهجيرهم قسريا وبشكل جماعي من أراضيهم، ومصادرة ممتلكاتهم والتنكر لحقوقهم وحتى إعدامهم ميدانيا بدم بارد، ووصولا إلى شن العدوان الأخير على قطاع غزة، واستهداف أرواح المدنيين العزل والأعيان المدنية والممتلكات، واستهداف عشرات المنازل، وتدميرها على رؤوس ساكنيها، في ظل مواصلة الحصار المشدد المفروض على قطاع غزة، ومنع دخول الأغذية والأدوية والمستلزمات الطبية، ونقص الوقود وتقييد دخوله، ما يهدد بإغلاق كامل لمحطة الطاقة، وينذر بكارثة إنسانية تقوض الخدمات الأساسية لمواطني القطاع".
وأضافت الشبكة في بيانها: "إن انتهاك حق الفلسطينيين في الحياة واستهداف أرواحهم وحياتهم، وانتهاج سياسة الإعدامات الميدانية والتصفية الجسدية لهم يتواصل يوميا، حيث بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين منذ مطلع العام 2023 حتى تاريخ 13 مايو 2023 (150 شهيدا)، بينهم 26 طفلا و8 نساء".
وأكدت أن ممارسات الاحتلال تعد استكمالا لنكبة الشعب الفلسطيني الممتدة منذ سنة 1948 حتى يومنا هذا، مرورا بالتنكر للوجود الفلسطيني وحقوق الفلسطينيين وبتكريس الفصل العنصري ضدهم، ومواصلة الإجراءات التعسفية بحقهم، ومصادرة الأراضي، وبلورة نظام "أبارتهايد"، واستيطان كولونيالي، وخلق بيئة قسرية طاردة للفلسطينيين، خاصة في المناطق المصنفة "ج"، ومناطق الأغوار، بالإضافة إلى محاولات تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، من خلال استهداف "الأونروا"، وممارسة شتى الضغوطات لحلها، فضلا عن سياسة تهويد القدس بشكل ممنهج، ومواصلة استهداف الرواية الفلسطينية ومصادرتها، وحجب الصورة الحقيقية للاحتلال.
وقالت: إذ ترحب الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بقرار الأمم المتحدة لإحياء ذكرى النكبة لأول مرة في تاريخها بالجمعية العامة، والذي يعكس إدراكها واعترافها بالنكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني، فإننا نؤكد على رفض كافة محاولات الانتقاص من حقوق الفلسطينيين التي كفلتها وأكدت عليها قرارات الأمم المتحدة، ونطالب باحترامها وإعمالها، ووقف ممارسات وانتهاكات الاحتلال بحق الفلسطينيين، وحمايتهم كضرورة ملحة وواجب كافة الأطراف الدولية في ظل التحديات الخطيرة التي تمر بها القضية الفلسطينية، وعليه ندعو المجتمع الدولي إلى التدخل الفاعل والجاد لإلزام إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، باحترام قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وحماية الشعب الفلسطيني، والضغط لإنهاء الاحتلال العسكري طويل الأمد، وتفكيك منظومة الفصل العنصري، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف، ومنها عودة اللاجئين إلى ديارهم، والحق في تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة على أرضه.
وأوضحت الشبكة في بيانها أنه على دولة فلسطين اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة لممارسة جميع الضغوط الممكنة على الأطراف الدولية، ومؤسسات الأمم المتحدة، والأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب للعام 1949، للوفاء بالتزاماتها القانونية والأخلاقية، بموجب المادة الأولى من الاتفاقية، ولاحترام وضمان احترام الاتفاقية في جميع الظروف.
كما طالبت الأمم المتحدة بممارسة الضغط لإعمال القرار رقم 194 الصادر بتاريخ 11 ديسمبر 1948، ومجلس الأمن القيام بمسؤولياته واحترام قراراته بتوفير الحماية للسكان المدنيين الفلسطينيين، الذين يتعرضون لعدوان متواصل من قوات الاحتلال والمستوطنين في الأرض الفلسطينية المحتلة، والضغط لرفع الحصار المشدد عن قطاع غزة، ووقف الاعتداءات المتكررة عليه.
ودعت الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية للتحرك الجاد باتجاه محاكمة الاحتلال وقادته على الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، بوصفها جرائم ضد الإنسانية، كما طالبت الدول العربية بوقف وتجميد كافة أشكال التطبيع مع الاحتلال؛ لكونه يعد تشجيعا له على ارتكاب مزيد من الجرائم والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني.