نظمت المكتبة التراثية بمكتبة قطر الوطنية ندوة افتراضية بعنوان "75 عاما على النكبة: الأرشفة كأداة لتعزيز الوجود والهوية" بالتعاون مع مؤسسة خزائن للأرشيف المجتمعي؛ وذلك بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة.
واستضافت الندوة السيد فادي عاصلة، الباحث في التاريخ الفلسطيني، بالإضافة إلى إخلاص أحمد شامية، من مكتبة قطر الوطنية.
واستهلت الندوة بتقديم إخلاص شامية نبذة موجزة عما تحتويه المكتبة التراثية من مجموعات نادرة ذات صلة بتاريخ فلسطين المدون والمتنوعة ما بين الكتب المطبوعة والمجلات والدوريات، بالإضافة إلى الخرائط، إلى جانب مجموعة من الوثائق والأرشيف، وأهميتها في دراسة الجانب التاريخي لفلسطين.
وأكدت على أهمية حفظ تاريخ الماضي والبناء عليه عبر الحفاظ على سمات الهوية الجماعية، حيث إن فلسطين عبر التاريخ كانت محط اهتمام الرحالة والمستكشفين مرورا بمختلف الحقبات والأحداث، وصولا إلى الفترة المعاصرة مع الصراع المستمر.
وكشفت إخلاص صورة لإحدى الخرائط للأرض المقدسة تعود لأوائل القرن السادس عشر الميلادي، وتعتبر من أندر الخرائط التي صورت الأرض المقدسة والمقصود بها /القدس/، والتي تعود لمكتبة قطر الوطنية، وبها بعض مسميات بعض الأماكن في فلسطين المحتلة اليوم مثل بحيرة طبرية وغيرها.
وذكرت أن القرن الرابع الهجري كان مهما في التأريخ لفلسطين من قبيل الرحالة الذين زاروا فلسطين، من قبيل المؤرخ محمد بن حوقل والمقدسي وغيرهما، فضلا عن كتابات بعض المؤرخين الأجانب بلغات أجنبية، بالإضافة إلى وثيقة وقفية من القدس تعود لعام 1148 هجري لربع بيت قائم البناء، وهي مصدقة من قاضي القضاة والشهود، وتعكس التنوع الذي تعرفه القدس.
فادي عاصلة: الوثائق التي تبدو بسيطة ستصبح ذات قيمة في المستقبل
من جهته، أكد فادي عاصلة على أهمية الأرشفة من خلال عمل "مؤسسة خزائن"، وهي مؤسسة مستقله مركزها القدس، كمشروع مجتمعي ينطلق من الناس ويعود إليهم، معرجا على خطوات الأرشفة بداية من الجمع والتوثيق، وصولا إلى الإنتاج المعرفي.
وبالانطلاق إلى حالة آثار النكبة على أفراد المجتمع الفلسطيني وما سببته من حالة تشظ في الذاكرة وتبعثر للهوية وخسارة لأجزاء حيوية منها، شدد الباحث في التاريخ الفلسطيني على أهمية إعادة جمع وقراءة الأرشيف؛ بهدف التعلم وتعزيز نقاط القوة، وبناء مشروعات نهضوية متجهة نحو البناء المعرفي، الذي يشكل مرحلة بناء لتاريخ اجتماعي جديد بوعي متفتح، وتشكيل الهوية التي هي أساس جوهر القضية وأساس كل وجود.
ونوه بأن تاريخ النكبة أشار إلى أن هناك ادعاءين اثنين؛ أولهما يرى أن تاريخ النكبة لم يكتب بعد، لافتا في الوقت نفسه إلى أن ما كتب حتى اليوم هو تاريخ النخب والشخصيات المهمة والأحداث المركزية أو الجمعية، في حين أن النكبة كأحداث، قصص الناس البسطاء، وتاريخ العائلات التي واجهت مصيرها وحيدة.. إلا أن هناك الكثير من العمل لا يزال ينتظر البحث والدراسة والتقصي.
أما الادعاء الثاني فيرى أن النكبة حدث مستمر، فهي ليست حدثا بدأ وانتهى بقدر ما هي سيرورة على شكل كارثة إنسانية وفجيعة وجودية عاشها الفلسطيني ولا تزال مستمرة، وهو ما يميل إليه فادي عاصلة.
وتحدث عن بعض الوثائق التي تبدو بسيطة، لكنها ستصبح ثمينة وذات قيمة في المستقبل، موجها حديثه للجميع قائلا: "لا تلقوا بأي قصاصة قد تكون ذات قيمة تاريخية نوعية في المستقبل، كاشفا بهذا الخصوص أن مؤسسة خزائن جمعت زهاء 80 ألف قصاصة ورق، أصبحت الآن إرثا تاريخيا، وهي توثق لاستمرار النكبة، وتعزز الهوية، وتمنع تشظي أجزاء من الذاكرة وتلاشيها".
إلى ذلك، لفت الباحث الفلسطيني إلى (حملة/مبادرة) "نكتب تاريخنا"، والتي ساهم فيها عشرات المتطوعين والنشطاء من أجل تجميع المواد سواء في فلسطين المحتلة أو دول مختلفة، وتضم مواد ورقية ورقمية وشهادات وتوثيقا لمقتنيات مهمة.
وأشاد فادي عاصلة في تصريح لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، بما تقوم به مكتبة قطر الوطنية في مجال الأرشفة وجمع الوثائق، مؤكدا أن العمل المشترك ضروري سواء على مستوى تبادل الخبرات أو التبادل المعرفي أو الزيارات واستخدام المواد؛ وذلك من أجل خلق بيئة ثقافية معرفية متميزة.
وأشار إلى أن الأرشيفات تخلق حاضنة لجميع الباحثين.
ما هي مؤسسة "خزائن"؟
جدير بالذكر أن "خزائن" هي أرشيف مجتمعي يوثق حكايا الناس من خلال جمع المواد والمنشورات قصيرة المدى (مطويات، منشورات، دعوات، ملصقات، وثائق)، بالإضافة إلى الصور من فلسطين والعالم العربي.
تسعى "خزائن" لبناء مورد معرفي يشكل مساحة لإنتاج وتوفير مضامين ثقافية ومعرفية، وتساهم في دراسة التاريخ المجتمعي، ورفد المهتمين بأدوات بحثية تساعدهم على دراسة الماضي وفهم الحاضر وبناء المستقبل، وهي مؤسسة مستقلة غير ربحية، مركزها مدينة القدس - حي الشيخ جراح، تأسست في عام 2016، وتهدف لتعزيز مجتمع فلسطيني ناهض في وعيه، حافظ لذاكرته، وحام لإرثه، قادر على صناعة مستقبله.
