يلعب الموقع الجغرافي لدولة قطر دورا هاما في تعزيز روابطها الاقتصادية مع مختلف دول العالم، ويساعدها في الوقت نفسه على تطوير منظومتها التجارية الخارجية، إذ تتميز بخط ساحلي يبلغ طوله 563 كيلومترا على الساحل الغربي للخليج العربي، وبنية تحتية ، وشبكة طرق، ومطار وميناء متطورين، عززا من سعيها لتبوؤ الصدارة في هذا المجال إقليميا وعالميا، حتى أصبحت حلقة وصل بين الشرق والغرب، وآسيا وأوروبا، وجعلها وجهة لسياحة المؤتمرات وكبرى الفعاليات، منها منتدى قطر الاقتصادي، الذي ساهم هو الآخر في الترويج للاقتصاد الوطني والفرص الاستثمارية.
وقبل اكتشاف النفط والغاز، الذي غير ملامح الدولة، كان اقتصادها يقوم على صيد الأسماك وتجارة اللؤلؤ، ومع إنشاء مدينة الزبارة، في عام 1766، بدأ تاريخ قطر الحديث يتبلور، فقد أصبحت المدينة محورا اقتصاديا هاما.
ومنذ ذلك التاريخ، قطعت الدولة أشواطا كبيرة، لتتحول إلى واحدة من أغنى الدول بالعالم ، حيث ساهم موقعها الجغرافي في ضمان حرية تبادل الصادرات والواردات، وعززت الجغرافيا الاقتصادية للدولة من فرص وصول صادراتها الصناعية والنفطية والغازية لدول العالم، إذ تصدر كميات هائلة من النفط والغاز الطبيعي إلى أرجاء المعمورة، تمثل 97 بالمئة من حجم صادراتها، وبقيمة إجمالية تقدر بـ58 مليار دولار.
وبعد أن كان اقتصادها يعتمد على الغوص، أصبح اليوم الأقوى والأكثر نموا على المستوى العالمي، ويمتلك ثالث أكبر احتياط للغاز الطبيعي بعد روسيا وإيران، مستحوذا على 13 بالمئة منه.. وشهد خلال السنوات الأخيرة تغيرات متسارعة، فقد أدى اكتشاف النفط في منتصف القرن العشرين إلى نمو غير مسبوق، صاحبته نهضة لا تزال مستمرة إلى يومنا، والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف ساعدت الجغرافيا الاقتصادية الدولة على تعزيز شراكاتها وتحالفاتها التجارية وتنمية مصالحها؟، سيما وأن شركاءها في مجال تجارة الغاز، حول العالم هم من: الهند، والصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، والولايات المتحدة الأمريكية.
واستطلعت وكالة الأنباء القطرية، آراء مجموعة من الأكاديميين، الذين أكدوا أهمية موقعها في الإيفاء بعقود الغاز المتجددة لعشرات السنين، وعلى دور القطاع الخاص المحلي، الذي أصبح عابرا للحدود، بعد أن نجح في عقد تحالفات قوية مع الشركاء التجاريين الدوليين من اللاعبين الأساسيين، حيث بلغت قيمة صادراته إليهم بالربع الأول من 2023، حسب شهادة المنشأ الصادرة عن غرفة قطر، 9.1 مليار ريال، محققا نموا بنسبة 17.5 بالمئة، عن حجمها بالربع نفسه من عام 2022، والبالغة 7.73 مليار ريال.
خالد محمود: الموقع الاستراتيجي يسهم في جعل قطر نقطة التقاء وتقارب بين الشرق والغرب
وقال السيد خالد وليد محمود، باحث دكتوراه في العلوم السياسية، إن الموقع الاستراتيجي لدولة قطر يسهم في جعلها نقطة التقاء وتقارب بين الشرق والغرب، وبين قارات إفريقيا وآسيا وأوروبا، فالجغرافيا تعزز موقع قطر على الخارطة الاقتصادية العالمية، ويساعد، رغم صعوبة المشهد الجيوسياسي، على تسهيل النفاذ إلى الأسواق الدولية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، وتكرس قطر هذا الموقع لتوسيع نطاق تصدير منتجاتها، سيما الغاز، وزيادة حجم التبادل التجاري وتنميته مع الدول الأخرى.
وأضاف: تلعب الجغرافيا القطرية دورا هاما في تعزيز وتنمية روابطها التجارية، وتقوية علاقاتها وتبادلها الاقتصادي، وتؤهلها لتصبح مركزا للتجارة الدولية، بفضل ما تملكه من موانئ بحرية ومطارات ومراكز لوجستية أخرى، وبالطبع يساعد ذلك على تسهيل حركة نقل البضائع، وخفض تكلفة الإنتاج، وجودة المنتجات والخدمات، وبالتالي زيادة تنافسيتها في الأسواق العالمية.. كما تساعدها على فهم أنماط التجارة الدولية، وتحديد شركائها، ومن هنا ساعد الموقع الجغرافي دولة قطر في أن تكون محورا مهما ورقما صعبا في التجارة الدولية، فقد أسهمت الجغرافيا رغم صغر حجمها في جعل البلاد أكثر المناطق ازدهارا وأسرعها نموا بالعالم، نظرا لموقعها الرابط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، فضلا عن قربها من مراكز وخطوط التجارة العالمية، والأسواق الناشئة.
وأشار الباحث إلى ما توفره هذه الميزة الجغرافية من سهولة الوصول لمختلف دول العالم؛ بفضل ما تمتلكه من خطوط نقل بحرية عبر ميناء حمد، الذي يعد نافذة استراتيجية على الملاحة البحرية العالمية، وبوابة قطر على التجارة الدولية، ويربطها مع مختلف الوجهات البحرية حول العالم، وهو من أكبر موانئ الشرق الأوسط وأكثرها حداثة.
ولفت إلى الدور الكبير الذي يلعبه أيضا مطار حمد الدولي، الحائز على تصنيف خمس نجوم، وما تملكه الخطوط الجوية القطرية من أسطول حديث، ساهم في ربط دولة قطر بالمعمورة، وساعد على تسريع نقل الصادرات القطرية إلى مختلف الوجهات الدولية، مما زاد من تنافسية الاقتصاد الوطني، وعزز قدراته، ورفده بمقومات مساندة لدورته.
نظام الشافعي: الموقع الجغرافي مؤثر في علاقات الدول الاقتصادية
من جهته، عدد الدكتور نظام الشافعي، أستاذ الجغرافيا غير المتفرغ بجامعة قطر، ميزات جغرافيا قطر الاقتصادية، وما تتمتع به من موارد وثروات طبيعية، ذات أثر مباشر ومردود حيوي على الاقتصاد الوطني، إلى جانب محور حركة انتقال مخرجات الإنتاج لمواقع الاستهلاك والأسواق، برا وبحرا وجوا، مستشهدا بما حققته ناقلات الغاز المسال في تطوير العلاقات الاقتصادية القطرية، وتنميتها تحقيقا للمصالح المشتركة. كما عززت الخطوط الجوية القطرية التبادل الاقتصادي المباشر وغير المباشر، حول العالم، إضافة إلى البنية التحتية المتكاملة وذات الجودة والكفاءة العالمية لميناءي راس لفان وحمد، حيث عززا الدور الذي يلعبه الموقع القطري في توسعة دائرة العلاقات الاقتصادية شرقا وغربا، كما ونوعا.
ويجزم الشافعي أن الموقع الجغرافي مؤثر في علاقات الدول الاقتصادية، فالأقرب في عالم التجارة يعد الأسهل وأقل كلفة، ويتطلب ذلك بنية تحتية متكاملة على صعيد النقل والمواصلات، وهذا ما تنبهت إليه دولة قطر، فقد أصبح العالم بالنسبة لها صغيرا وقريبا.
وليد الفقهاء: قطر أصبحت من الوجهات المفضلة للفعاليات الاقتصادية والاستثمارية
بدوره، تطرق السيد وليد الفقهاء، محلل مالي، إلى ما تلعبه جغرافيا قطر من دور في تعزيز العلاقات التجارية، فموقعها الاستراتيجي جعلها مركزا للتجارة والاستثمار، لقربها من ممرات التواصل العالمي، مما عزز من مكانتها كنقطة محورية في التبادل التجاري، خصوصا على صعيد قطاعي الطاقة والغاز.
وأشار إلى المساهمة الفاعلة للبنية التحتية والتسهيلات الممنوحة في جذب الشركاء الاستراتيجيين، وهو ما عزز من شراكات قطر الاستراتيجية مع كبرى اقتصادات العالم، كالصين، والولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، ووفر بيئة جذب للاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما أصبحت قطر من الوجهات المفضلة للفعاليات الاقتصادية والاستثمارية، الهادفة إلى جمع صناع القرار الاقتصادي لتعزيز التعاون، ومناقشة القضايا المؤثرة عالميا.
ونبه إلى دور القطاع الخاص القطري في تطوير التجارة البينية، إذ يسهم هو الآخر في تحفيز الاقتصاد الوطني، من خلال التركيز على الابتكار والتكنولوجيا. كما أن دخول القطاع في شراكات مع جهات أجنبية، ساهم أيضا في تنشيط التبادل التجاري مع الدول الصديقة.
ونوه بنجاح دولة قطر في توفير بنية متطورة، وتحديث تشريعاتها الاقتصادية، التي ساهمت في ازدهار الحركة التجارية والصناعية، مما جعلها وجهة رائدة ومركزا للأعمال والتجارة الدولية، بفضل ما توفره من خدمات لوجستية.
محمود عبداللطيف: التميز الجغرافي أدى إلى تعظيم حجم تبادلها التجاري مع أوروبا وإفريقيا وآسيا
وعن أهمية موقع الدولة، أشار الدكتور محمود عبداللطيف، أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الإدارة والاقتصاد، في جامعة قطر، إلى أن قطر تتوسط دول العالم، وحقق لها ذلك تكاملا اقتصاديا مع دول الخليج العربي وباقي الدول العربية، ودول أخرى في منطقة الشرق الأوسط كتركيا وإيران، وأدى كذلك إلى تعظيم حجم تبادلها التجاري مع أوروبا وإفريقيا وآسيا.
وأضاف: مكن التميز الجغرافي دولة قطر من تصدير الغاز إلى العديد من دول أوروبا والشرق الأدنى كاليابان وكوريا، وساهم في تحقيق فائض بميزان المدفوعات القطرية، كما ساهم في مضاعفة قدرة الدولة على الاستثمار بالعديد من دول المنطقة وأوروبا وآسيا، واستغلال فائض الأموال المتحققة من النفط والغاز في استثمارات تحقق لها عوائد مجزية، تخدم الأجيال الحالية والمستقبلية.
من ناحية أخرى، لفت الدكتور عبداللطيف، إلى دور الخطوط القطرية في تقريب المسافات وزيادة التدفق السياحي إلى قطر، حيث تغطي شبكتها العديد من الوجهات في إفريقيا، وآسيا الوسطى، وأوروبا، والشرق الأقصى، وجنوب آسيا، والشرق الأوسط، وأمريكا الشمالية، وأمريكا الجنوبية، وأوقيانوسيا، مما جعل الدوحة في قلب العالم، وساهم ذلك في الترويج السياحي للدولة، وزيادة عدد السائحين، ومن ثم زيادة مساهمة قطاعي السفر والسياحة بالاقتصاد القطري، ودعم جهود تحقيق التنويع الاقتصادي، من خلال مضاعفة أداء القطاعات غير النفطية بالناتج المحلي الإجمالي.
أهم وجهات صادرات القطاع الخاص القطري
وتعكس الإحصاءات الأخيرة، حول أهم وجهات صادرات القطاع الخاص القطري، حسب شهادات المنشأ، الصادرة عن غرفة قطر، خلال الربع الأول من العام الجاري، نجاح دولة قطر في الوصول إلى الأسواق الخارجية، وعقد تحالفات قوية معها، حيث تصدرت مجموعة دول آسيا، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية، قائمة أهم الوجهات باستقبالها صادرات قيمتها 6.2 مليار ريال، بنسبة 68.1 بالمئة من مجموعها الإجمالي، وجاءت في المرتبة الثانية مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي التي استقبلت 16.8 بالمئة من إجمالي الصادرات بقيمة 1.52 مليار ريال، وحلت ثالثا مجموعة دول الاتحاد الأوروبي إذ استقبلت صادرات بـ1.09 مليار ريال بنسبة 12.05 بالمئة، ورابعا الدول العربية باستثناء دول الخليج، بقيمة 159.8 مليون ريال وبنسبة 1.76 بالمئة، وجاءت خامسا الولايات المتحدة الأمريكية بـ61.9 مليون ريال، أي ما نسبته 0.68 بالمئة، ثم سادسا دول إفريقيا باستثناء الدول العربية بنسبة 0.29 بالمئة وبقيمة صادرات بلغت 26.6 مليون، ومجموعة دول أوروبية أخرى سابعا، حيث استقبلت صادرات بـ14.7 مليون، وهي تعادل ما نسبته 0.16 بالمئة من إجمالي الصادرات، وحلت ثامنا دول أمريكية أخرى بنسبة 0.04 بالمئة وبصادرات بلغت 3.9 مليون، ثم تاسعا مجموعة أوقيانوسيا بصادرات بلغت 2.3 مليون ريال، أي 0.03 بالمئة من إجمالي الصادرات.
وبلغ عدد الدول المستقبلة لصادرات القطاع نحو 96 دولة، جاءت في صدارتها من حيث العدد مجموعة دول إفريقيا بـ29 دولة، ثم مجموعة دول آسيا بـ19 دولة، تلتها مجموعة دول الاتحاد الأوروبي بـ14 دولة، ثم مجموعة الدول العربية باستثناء الخليجية بـ13 دولة، ثم مجموعة دول أمريكية أخرى بـ8 دول، ثم مجموعة دول أوروبية أخرى بـ6 دول، فمجموعة دول مجلس التعاون الخليجي بـ5 دول، وأخيرا الولايات المتحدة الأمريكية ودولة واحدة في إقليم أوقيانوسيا هي أستراليا.
وتصدرت الصين قائمة أهم الشركاء التجاريين باستقبالها صادرات بقيمة 3.1 مليار ريال وبنسبة 34.1 بالمئة من إجمالي الصادرات، تلتها الهند ثانيا بـ2.4 مليار ريال، ما يعادل 26 بالمئة من إجمالي الصادرات، ثم سلطنة عمان ثالثا حيث استقبلت أسواقها صادرات بـ989 مليونا وبنسبة بلغت 10.9 بالمئة، وحلت هولندا رابعا بـ728.5 مليون وبنسبة 8 بالمئة، والإمارات العربية المتحدة خامسا بـ336.7 مليون وبنسبة 3.7 بالمئة، ثم ألمانيا سادسا بنسبة 2.9 بالمئة وبقيمة بلغت 261.7 مليون، وتركيا سابعا بقيمة 152.2 مليون بما يعادل 1.7 بالمئة من إجمالي الصادرات، وسنغافورة ثامنا بـ146.2 مليون وبنسبة 1.6 بالمئة، ثم إندونيسيا تاسعا بـ131.1 مليون وبما يعادل 1.4 بالمئة، وهونج كونج عاشرا بـ121.7 مليون وبنسبة 1.3 بالمئة من إجمالي الصادرات.
واستحوذت هذه الدول العشر مجتمعة على ما نسبته 92.5 بالمئة من إجمالي صادرات القطاع الخاص حسب شهادة المنشأ، بقيمة 8.4 مليار ريال، من إجمالي قيمتها خلال الربع الأول من العام 2023، والبالغة نحو 9.1 مليار ريال.