توقع بنك قطر الوطني (QNB) استمرار الأوضاع المالية المشددة في الولايات المتحدة، ومنطقة اليورو، خلال العام الحالي، نظرا لارتفاع أسعار الفائدة، وعملية التشديد الكمي، والضغوط التي يشهدها القطاع المصرفي، مما قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع في تكاليف الائتمان، وانخفاض بمعدلات توافره للأسر والشركات، في سياق ضعف النمو الاقتصادي.
وقال البنك في تقريره الأسبوعي: "وصلت الأوضاع المالية في الاقتصادات المتقدمة إلى أقصى درجات التشديد منذ تفشي جائحة “كوفيد -19”، ويعتبر مؤشر الأوضاع المالية دليلاً جيداً في هذا الصدد، فهو يوفر معلومات عن أسعار الفائدة قصيرة وطويلة الأجل وهوامش الائتمان، ويلخص تكاليف الائتمان في النظام المالي".
شروط إقراض صارمة
وأشار التقرير إلى أن المؤشر بدأ في التصاعد بوتيرة ثابتة مطلع 2022، وظل مرتفعا منذ نهاية العام الماضي، إلى جانب ارتفاع تكاليف الائتمان، حيث أصبح توافر الائتمان محدوداً بشكل متزايد، كما أصبحت شروط الإقراض المطبقة من قبل البنوك التجارية في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو أكثر صرامة منذ النصف الثاني من 2023.
وتيرة التشديد في منطقة اليورو وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ أزمة الديون السيادية عام 2011
وأضاف: وصلت وتيرة التشديد في منطقة اليورو إلى أعلى مستوياتها، منذ أزمة الديون السيادية في عام 2011، ويؤدي هذا الأمر إلى تزايد معدلات رفض طلبات القروض، وانخفاض حجم الائتمان الممنوح للشركات والأسر، وعليه ستستمر الأوضاع المالية المشددة حتى العام المقبل.
ويستند QNB إلى 3 عوامل رئيسية، الأولى أن البنوك المركزية بأمريكا وأوروبا لن تتراجع عن دورات زيادة أسعار الفائدة بالمستقبل القريب، ففي الولايات المتحدة، رفع البنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة الرئيسية 500 نقطة أساس حتى الآن، منذ مارس 2023، في حين رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 375 نقطة أساس، منذ يونيو، ولكن مقاييس التضخم الأساسي لا تزال مرتفعة.
كما لا تزال الضغوط المرتبطة بضيق سوق العمل مستمرة، لذا سيكون من الصعب على “المركزي الأوروبي” و”الاحتياطي الفيدرالي” إرجاع معدلات التضخم المرتفعة حالياً إلى النسبة المستهدفة البالغة 2%، دون إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول.
زيادة أسعار الفائدة
وتوقع التقرير في حالة البنك المركزي الأوروبي على وجه التحديد، أن يتم تطبيق زيادات إضافية على أسعار الفائدة، حيث يعني ارتفاع أسعار الفائدة الأساسية للسياسة النقدية أن تظل تكاليف الائتمان مرتفعة حتى نهاية العام على الأقل.
أما ثاني العوامل الرئيسية لاستمرار الأوضاع المالية المشددة حتى العام المقبل، بحسب تقرير بنك قطر الوطني، فهو أن البنوك المركزية تعمل على إلغاء إجراءات توسيع الميزانيات العمومية التي تم اتخاذها خلال جائحة “كوفيد-19”، الأمر الذي سيزيد من محدودية الائتمان، وقدمت هذه البرامج الدعم النقدي من خلال مجموعة من برامج شراء الأصول والتسهيلات الائتمانية، التي تم إطلاقها لتعزيز تدفقات الائتمان وتسيير أعمال الأسواق المالية.
يوليو 2022 شهد نهاية مشتريات الأصول الصافية للبنك المركزي الأوروبي
وفي منطقة اليورو، شهد يوليو 2022 نهاية مشتريات الأصول الصافية للبنك المركزي الأوروبي، وفي مارس 2023 تحولت السياسة من إعادة الاستثمار الكامل إلى إعادة الاستثمار الجزئي للمبالغ الأساسية بعد عمليات الاسترداد، مما يعني تسريع وتيرة تخفيض حجم الميزانية العمومية للبنك المركزي، وفي الولايات المتحدة، تتجلى خطط تخفيض الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي في شكل قيود على إعادة استثمار مدفوعات الاستثمار المستلمة.
استمرار التشديد الكمي
ويعتقد التقرير استمرار عملية تطبيع الميزانية العمومية أو "التشديد الكمي"، وستستمر كذلك البنوك المركزية في سحب السيولة الفائضة، الناتجة عن الإجراءات الاستثنائية والمؤقتة، من النظام المالي، وإعادة تكوين الحيز المخصص لإجراءات السياسة النقدية في حالة الحاجة إليه في المستقبل.
أما ثالث تلك العوامل، فيعود إلى أن انهيار 3 بنوك إقليمية في الولايات المتحدة (سيليكون فالي، وسيغنيتشر، وفيرست ريبابليك) وبنك كريدي سويس في أوروبا، أدى إلى إثارة المخاوف بشأن قوة المؤسسات المالية، وتسبب باستنزاف الودائع، ففي الولايات المتحدة، تنتقل الودائع المصرفية بشكل ملحوظ من البنوك إلى صناديق أسواق المال بحثاً عن الأمان والعوائد التي توفرها سندات الخزانة.
وفي نهاية أبريل، تراجعت الودائع في البنوك التجارية أمريكية بمقدار 521 مليار دولار منذ فبراير لتصل إلى 17 مليار و167 مليون دولار، أما في منطقة اليورو، فقد فاقمت هذه الأحداث الاتجاه السلبي الذي كان سائداً في نمو الودائع المصرفية، وسيكون لهذه الاتجاهات المرتبطة بتدفقات الودائع الخارجة تداعيات سلبية مستقبلية على نشاط الإقراض المصرفي، لأنها تقلل من الأموال المتاحة لتقديم القروض، وتزيد من الحذر داخل البنوك.