الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام الخمسة، التي لا يتم دين المسلم إلا بها، وهو من أفضل العبادات، وأجل الطاعات وشعيرة من شعائر الله العظيمة، لقول الله تعالى "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا".
ومع بداية الأيام الأولى من شهر ذي الحجة من كل عام، تهفو قلوب المسلمين، وتتجه أنظارهم، نحو مكة المكرمة حيث توجد الكعبة المشرفة بيت الله الحرام، يحدوهم الشوق، ويدفعهم الأمل بالفوز بما عند الله سبحانه وتعالى من أجر ومغفرة، مستجيبين لدعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام، عندما أمره الله بقوله: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق" (سورة الحج).
والإحرام هو أول عمل يقوم به من نوى الحج أو العمرة، وهو الدخول في المناسك ولبس ملابس الإحرام والالتزام بشروطه.
مواقيت الإحرام
ويبدأ الإحرام من أماكن محددة تحيط بالحرم المكي، وهي المواقيت ومفردها ميقات، ويحدد الميقات للإحرام بناء على المنطقة والجهة التي يأتي منها الحاج أو المعتمر، والمواقيت التي لا يجوز أن يجاوزها الإنسان إلا محرما خمسة، ومنذ أن فرض الحج بالعام التاسع من الهجرة، أقرت أربع مواقيت يحرم منها الحاج قبل وصوله إلى مكة المكرمة، وتعد لحظة للاستعداد وعقد النية للحج، وتبع ذلك ميقات خامس لأهل العراق في عهد الصحابة، نظرا للمشقة في الوصول ومشاركة أهل نجد في ميقاتهم.
والمواقيت الخمسة هي: ذو الحليفة أو أبيار علي، والجحفة، وقرن المنازل، ويلملم، وذات عرق، وتنتشر حول مكة المكرمة من جهاتها الأربع.
الميقات الأول
والميقات الأول هو ذو الحليفة: ميقات أهل المدينة، ومن مر بها من غير أهلها، وهو موضع معروف في أول طريق المدينة إلى مكة، بينه وبين المدينة نحو 13 كيلومترا تقريبا، وبينه وبين مكة نحو 408 كيلومترات تقريبا، وهو أبعد المواقيت من مكة، ويسمى الآن (آبار علي)، ومنها أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجة الوداع .
الميقات الثاني
الميقات الثاني هو: الجحفة وهو ميقات أهل الشام، ومن جاء من قبلها، من مصر، والمغرب، ومن وراءهم، وهي قرية كبيرة على بعد نحو، 186 كيلومترا تقريبا من مكة، وسميت جحفة، لأن السيل جحفها في الزمن الماضي، وقد اندثرت، ولا يكاد يعرفها أحد، ويحرم الحجاج الآن من (رابغ)، التي تقع قبل الجحفة بيسير إلى جهة البحر، فالمحرم من (رابغ) محرم قبل الميقات، وقيل: إن الإحرام منها أحوط لعدم التيقن بمكان الجحفة.
الميقات الثالث
الميقات الثالث: قرن المنازل ويسمى حاليا "السيل الكبير" وهو ميقات أهل نجد والطائف، و(قرن) جبل مطل على عرفات، ويقال له: قرن المبارك، بينه وبين مكة نحو 78 كيلومترا تقريبا، وهو أقرب المواقيت إلى مكة، وأعلاه على طريق الطائف من جهة الهدى مكان يسمى: وادي محرم، وكلاهما ميقات لأهل نجد، ولمن يأتي عن طريق الطائف.
الميقات الرابع
الميقات الرابع: يلملم وهو ميقات أهل اليمن وتهامة، ويلملم: جبل من جبال تهامة، جنوب مكة، ويقع على بعد نحو 120 كيلومترا تقريبا من مكة، وفيه مسجد معاذ بن جبل رضي الله عنه، ويسمى السعدية، فبلدة السعدية نشأت عند الميقات نسبة إلى البئر الموجودة هناك، المسماة بئر السعدية.
الميقات الخامس
الميقات الخامس وهو ذات عرق وهو ميقات أهل العراق، وسائر أهل المشرق، وهي قرية بينها وبين مكة حوالي 100 كيلومتر تقريبا وقد خربت.
وتشهد الأيام التي تسبق الحج في مواقع المواقيت في نهاية المدينة والطائف والليث ورابغ، حشود الحجاج، وقد عقدوا النية لأداء الحج بلباسهم الأبيض الموحد.
وهذه المواقيت لأهلها، ولمن مر عليها من غير أهلها ممن أراد حجا أو عمرة، وجملة ذلك أن من سلك طريقا فيها ميقات فهو ميقاته، فإذا حج الشامي من المدينة فمر بذي الحليفة فهي ميقاته، وإن حج من اليمن فميقاته يلملم، وإن حج من العراق فميقاته ذات عرق، وهكذا كل من مر على ميقات غير ميقات بلده صار ميقاتا له.
ومن أراد الحج أو العمرة، وكان سيمر في طريقه على أكثر من ميقات من المواقيت الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كان سيمر بمحاذاتها عن طريق الجو أو البر أو البحر فقد اختلف العلماء في مكان إحرامه على قولين: الأول: أن يحرم من أول ميقات يمر به أو يحاذيه، وإن تجاوزه بغير إحرام، فعليه دم (ذبح شاة في مكة لأهل الحرم)، وبه قال جمهور العلماء، أما القول الثاني فهو: أنه لا يجب عليه أن يحرم من أول ميقات يمر به أو يحاذيه، ويجوز أن يحرم من آخر ميقات يمر به، ولا يلزمه دم بذلك.
أما القادمون جوا لأداء مناسك الحج فيحرمون مقابل أحد المواقيت، ومن كان في مكة ميقاته منزله، ومن كان منزله دون الميقات من جهة مكة، فإنه يحرم من مكانه، مثل أهل جدة وبحرة والشرائع، ومن جاء من طريق لا يمر على المواقيت برا، أو بحرا، أو جوا؛ فإنه يحرم إذا حاذى أقرب المواقيت إليه.
فإذا سافر الحاج أو المعتمر عن طريق الباخرة، فإن إحرامه يكون عند محاذاة الميقات، ويمكن أن يستعين بالعاملين بالباخرة في ذلك إذا كانوا ممن يوثق بدينهم، وإذا لم يجد من يرشده لذلك، فبإمكانه ابتداء الإحرام من بلده قبل تحرك الباخرة أو بعد تحركها بقليل.
أما من كان يريد العمرة، من أهل مكة فميقاته أدنى الحل، وهو أن يخرج المعتمر من مكة ويحرم من هناك، وأقربه هو "التنعيم" أو مسجد السيدة عائشة.
ومدينة جدة ليست ميقاتا، ولا يجوز لأحد أن يتجاوز ميقاته ويحرم من جدة، إلا أن لا يحاذي ميقاتا قبلها؛ فإنه يحرم منها، كمن قدم إليها عن طريق البحر من الجزء المحاذي لها من السودان؛ لأنه لا يصادف ميقاتا قبلها.
والواجب على كل من أتى مكة يريد الحج أو العمرة أن يحرم من الميقات، أما من تجاوز الميقات نسيانا أو جهلا فيجب عليه أن يعود إليه ويحرم منه، فمثلا شخص جاء من طريق المدينة، وتجاوز الميقات، وبقي على مكة مائة كيلومتر، فأكثر العلماء على أن الواجب عليه أن يرجع إلى ميقاته الذي تجاوزه، ويحرم منه. ومن أحرم بعد أن تجاوز ميقاته، فيجب عليه ذبح شاة في قول عامة العلماء، ولكن ليست المسألة اختيارية كما يظنها بعض العوام، يعني إن من أراد أن يحرم من الميقات فهذا هو المطلوب، وإن شاء أن يترك الإحرام من الميقات، ويحرم من أي مكان ويذبح شاة، فهذا خطأ، بل الواجب الإحرام من الميقات، لكن في حال تورط الإنسان بترك هذا الواجب، فالمخرج هو ذبح شاة، سواء أكان ذلك بالخطأ أو النسيان أو تعمد، ولكن في الخطأ والنسيان لا إثم عليه، وأما إذا كان عن عمد فعليه إثم.