قررت الحكومة المصرية أخيرا وبعد سنوات من الدعم المطلق، إلغاء الإعفاءات المقررة لجهات الدولة في الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية ضمن خططها الجديدة للإصلاح وإعادة هيكلة الاقتصاد.
ووافق مجلس الوزراء المصري -في بيان له الأسبوع الماضي- على مشروع قانون بإلغاء الإعفاءات المقررة لجهات الدولة في الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية، في إطار حرص مصر على "تحسين مناخ الاستثمار، ودعم مشاركة القطاع الخاص في مختلف الأنشطة الاقتصادية، وترسيخا للتوجه الخاص بكفالة فرص عادلة لمختلف الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية في المعاملات المالية المنظمة لها".
وبحسب البيان، فإن مواد مشروع القانون تكفل المساواة بين القطاع الخاص وبين كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها وهيئاتها وكياناتها وشركاتها أو الشركات التي تسهم في ملكيتها عند ممارسة أنشطة استثمارية أو اقتصادية، وذلك من "خلال سريان الأصل العام المنصوص عليه في قوانين الضرائب والرسوم على كلتا الطائفتين دون تمييز، وإلغاء كافة الإعفاءات الضريبية أو الرسوم، وسواء كان الإعفاء كليا أو جزئيا..".
يأتي القرار الجديد استجابة لشروط صندوق النقد الدولي الذي تضمن -لأول مرة- الاتفاق على تكافؤ الفرص بين الدولة والقطاع الخاص وتقليص دور الشركات المملوكة للدولة والجيش في اقتصاد البلاد، وفق مراقبين.
وتبنت الحكومة المصرية خطة وصفت بالـ"طموحة" من خلال وثيقة "سياسة ملكية الدولة"، التي أصدرتها واعتمدتها بشكل رسمي نهاية العام الماضي، وتضمنت خطة لبيع حصص في 32 شركة مملوكة للدولة والجهود المبذولة لتحسين الشفافية، إلا أن تنفيذها هو من سيحسم نجاح البرنامج، وفق المعهد التمويل الدولي.
وبحسب وزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد، فإن "وثيقة سياسة ملكية الدولة، توضح للمستثمرين دور الدولة في مختلف القطاعات كمُنظّم للنشاط الاقتصادي وفق آليّات السوق، وكيفية تخارج الدولة من الأنشطة التي سيتولى القطاع الخاص الدور الأكبر فيها".
شرط نجاح القانون الجديد
قلّل رئيس شركة الاستشارات الاستثمارية "بويز إنفستمنت"، في واشنطن، شريف عثمان، من أثر مشروع القانون الجديد الذي طرحته الحكومة المصرية "ما لم يشمل القانون جميع شركات الدولة بما فيها الجيش وليس قطاع الأعمال فقط حتى يمكن القول إنه سوف يحقق الغرض الذي صدر من أجله".
واعتبر في حديثه للجزيرة نت، أن أي منافسة عادلة تتطلب تكافؤ الفرص للجميع وتحقيق مبدأ المساواة بين الشركات إذا كانت الحكومة المصرية تريد بالفعل زيادة دور القطاع الخاص وتمكينه في استعادة دوره الذي تأثر بشكل مباشر، وهو ما تظهره التقارير الخاصة بأنشطة القطاع الخاص التي تظهر استمرار انكماشه.
ورأى الخبير المصرفي أن أي استثناءات في القانون الجديد تجعله عديم الفائدة، وتفرغه من محتواه لصالح جهات معينة في الدولة.
امتيازات شركات الدولة تطيح بالقطاع الخاص
خلال السنوات القليلة الماضية حققت الشركات المملوكة للدولة -وفقا لبيانات رسمية- أرباحا قوية، قفزت بمعدلات النمو الاقتصادي لكنها ضغطت على القطاع الخاص ودفعته إلى التراجع بشكل ملحوظ.
وذكر تقرير لوكالة رويترز في يناير 2021، أنه على مدار 3 سنوات، زادت أرباح 17 شركة قابضة غير نفطية تديرها الدولة لأكثر من 4 أمثالها، في حين انحسر الاستثمار في القطاع الخاص.
وانتقد البنك الدولي -وفقا للتقرير- الدعم السخي الذي تتلقاه تلك الشركات، مثل الاستثناءات الضريبية الخاصة لكنه يؤثر على المنافسة وينتج عنه تشوهات في الأسواق، ويدفع نشاط مستثمري القطاع الخاص إلى الانحسار.
كما أظهر آخر مسح انكماش نشاط القطاع الخاص غير النفطي في مصر للشهر الـ30 على التوالي في مايو الماضي متأثرا باستمرار ارتفاع التضخم وقيام الشركات بخفض الإنتاج نتيجة ضعف الطلب وتراجع المبيعات.
خطوة على الطريق
وصف أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر سابقا أحمد ذكر الله، مشروع القانون الجديد "بالخطوة الصائبة"، وقال: "هذه الخطوة هي تصحيح خطأ كبير في هيكل الاقتصاد المصري ضمن أخطاء أخرى أدت إلى النتائج الوخيمة الحالية التي تعاني منها البلاد".
وأضاف ذكر الله، في حديث للجزيرة نت، أن هذا القانون ليس مطلبا لصندوق النقد والبنك الدوليين فحسب، بل هو مطلب جميع المستثمرين المحليين، حيث كانت الشكوى من التمييز وانعدام العدالة ومنح مميزات ضريبية وجمركية لبعض جهات الدولة وبالتالي "نستطيع أن نعتبر أنها خطوة على الطريق الصحيح في إفساح المجال أمام القطاع الخاص".
لكنه استدرك بالقول: "لا يمكن الحكم بشكل كامل على القرار إلا بعد صدور اللائحة التنفيذية للقانون، ومعرفة نوع الإعفاءات الملغاة والجهات التي سيطبق عليها القانون".
وتابع "لكنها بداية جيدة ومبشرة ستؤتي ثمارها إذا صدقت النوايا وشمل القانون مشروعات وشركات القوات المسلحة حتى لا يخرج القانون من مضمونه".
تعزيز تنافسية الاقتصاد
وأعطت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، نصائح أساسية لمصر لتعزيز تنافسية اقتصادها -بحسب صحف محلية- على رأسها ابتعاد الدولة عن مزاحمة القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية من أجل تعزيز ازدهار القطاع.
وتأخرت المراجعة الأولى من الصندوق لبرنامج الإصلاح الاقتصادي -والتي كان من المفترض إجراؤها في مارس الماضي- نتيجة تباطؤ مصر في إجراء بعض الإصلاحات مثل التحول إلى سعر صرف مرن بشكل مستدام، وتنفيذ برنامج لبيع عدد من الأصول من أجل جذب تدفقات من النقد الأجنبي.
وقبل أيام تعاقدت الحكومة المصرية مع مؤسسة التمويل الدولية (IFC) ذراع مجموعة البنك الدولي لتمكين القطاع الخاص مستشارا إستراتيجيا لمساعدتها في بيع الأصول قبل أيام من انتهاء المهلة التي أعلنتها الحكومة لجمع نحو ملياري دولار من برنامج الطروحات الحكومية نهاية الشهر الجاري وعدم تحقيق النتائج المرجوة.